عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مصر إلى أين؟! "1".. تعقيل الفكر

مصر إلى أين؟! "1".. تعقيل الفكر

بقلم : أيمن عبد المجيد

منذ عشر سنوات، تحديدًا 3 سبتمبر 2008، بدأت سلسلة حوارات من 30 حلقة نُشرت بجريدة "روزاليوسف"، خلال شهر رمضان الذي تزامن مع هذا التاريخ.



كانت السلسلة بعنوان: "مصر إلى أين؟ حوارات في الحاضر والمستقبل"، حاولت خلالها الولوج إلى المستقبل بتوقعاته، عبر مناقشة الواقع بتحدياته، مستلهمًا من الماضي خبراته.

"مصر إلى أين؟"، سؤال كان ملحًا حينها، يطرق أذهان الملايين، وما زال للسؤال مشروعيته، سؤال بحجم مصر، ليس من السهل الإجابة عنه، مصر إلى أين اقتصاديًا، أم سياسياً، أم ثقافيًا أم سياستها الخارجية أم منظومتها التعليمية، أم منظومتها الإعلامية أم الحياة الحزبية؟!

في الواقع كان كل هذا وأكثر، فمصر دولة قوة سياستها الخارجية انعكاس لإصلاحاتها الداخلية والعكس، وقوتها الاقتصادية تتطلب منظومة إنتاجية، واستثمارًا لمواردها، وفي القلب منها القوى البشرية، ملايين البشر قوة إذا كان مؤهلًا متعلمًا منتجًا، ما دون ذلك فهو عبء، ملايين الأفواه تلتهم عوائد إنتاج آلاف الأذرع العاملة.

في أعماق ثلاثين عقلية عاصرت الأحداث واعتصرتها التجربة، ألقيت بالأسئلة الموجعة، طرحت أوجاعنا أملاً في رسم روشتة علاج للمستقبل، علها تجد آذانًا صاغية، من أجل إنقاذ أمة كانت وما زالت في خطر.

وبعد عشر سنوات أزعم أن مصر بدأت تأخذ أولى خطواتها نحو إنقاذ الأمة المصرية، فمن المهم الآن القراءة النقدية لما كان وما يحدث الآن، من المهم الوقوف على الواقع والمأمول.

وقبل تجزئة القضايا بما يحقق الفائدة، أسأل الله الرحمة والمغفرة للعقول التي حاورتها ووافتها المنية في السنوات المنصرمة، من بينهم الفيلسوف الدكتور عاطف العراقي، والأستاذ الدكتور عبدالمنعم تليمة.

كانت باكورة حوارات السلسلة، مع الفيلسوف العالمي عاطف العراقي، فالرجل رحمه الله، من الفلاسفة المعاصرين، وجد أن الحوار معه سيكون أكثر فائدة إذا انصب على العقل ومنظومة التعليم، ففي الواقع من خلال رصدي للواقع بتحدياته فإن مصر تملك ثروة بشرية، غير أنها غير مستغلة، فهي أشبه بمادة خام غير مصنعة ولا موظفة توظيفها الأمثل.

فالمنتج التعليمي دون مستوى حاجة السوق، والمدخلات لا يسبقها دراسات جدوى لاحتياجات سوق العمل المحلي والعالمي، ومنظومة التعليم قائمة على الحفظ والاستذكار لا الإبداع والابتكار، التعليم يشهد ازدواجية بين ديني ومدني، والمدني عام وأجنبي، والشعب لديه صورة مشوهة، فقد قسم التعليم العالي إلى كليات قمة، وكأن ما دونه القاع، فبات لدينا ملايين الخريجين غير مؤهلين فتزايدت طوابير البطالة.

طرحت ذلك الرصد، فكان رأي العراقي أن الأزمة في غياب فلسفة واضحة لأهداف المنظومة التعليمية، التي تتطلب تطويرًا شاملًا لكل عناصرها، وفي مقدمتها المعلم ذاته، فالرجل - رحمه الله- رأي أن مصدر المعلم يجب أن يكون الكليات المتخصصة، وليس كلية التربية، فمعلم الرياضيات يجب أن يأتي من كلية العلوم قسم الرياضيات، وكذلك معلم الكيمياء، ومعلم اللغة العربية يأتي من دار العلوم وكليات الآداب قسم اللغة، على أن يحصل على دبلومة تربوية، وليس العكس، فما يحدث هو تخريج لمدرس ينشغل في سنوات الدراسة في مناهج طرق للتدريس، وعلم النفس التربوي وخلافه، بينما التخصص العلمي الذي سيدرسه يكون في ذيل الاهتمامات.

كما رأى أن مصر تحتاج إلى التوسع في التعليم الفني الزراعي، وتقليص عدد الجامعات، فينبغي أن يلتحق بالجامعات فقط ما نحتاجه من خبرات فنية، ومن لديه القدرة البحثية، ومع تقليل طلاب الجامعات نحسن الإنفاق على البحث العلمي، لتقديم إضافة حقيقية للعلم، لا تخريج كم يفتقد التأهيل الحقيقي.

بينما رأى الدكتور عبدالمنعم تليمة أن مستقبل مصر مرهون بـ"تعقيل الفكر"، العمل على خلق عقول ناقدة، قادرة على البحث والتعلم، لا تأخذ ما تستقبله على أنه مسلمات، بل تُخضع كل شيء للنقد، وهنا سيكون الاعتداد بالعقل عند نظر أي قرار وصياغة أي قانون.

وتحقيق ذلك يتطلب تغيير هياكل التعليم، واستراتيجية يتبناها الإعلام والأسرة وكل مؤسسات التنشئة، للتمكن من تحديث المجتمع، فتعقيل الفكر والتعددية واحترام التخصص، يومها قال: إن وزارة الإعلام عبث، ومن المفارقات أنها ألغيت بعد سنوات معدودة.

لكن ما أجمع عليه الجميع، هو أن أي دولة في العالم، لا تستطيع تحمل بمفردها الميزانية الكفيلة بتطوير منظومة التعليم،  فالدكتور عبدالمنعم تليمة، رحمه الله، قال لي: "التعليم صناعة استراتيجية مكلفة، فكيف للحكومة أن تأتي لكل طالب بجهاز كمبيوتر وتوفر له بيئة دراسية مناسبة ولدينا 3 آلاف مدرسة، يجب على رجال الأعمال تحمل مسؤوليتهم، وكذلك المجتمع الأهلي، ففي اليابان مثلًا أقوى جامعاتها هي الجامعات الأهلية والخاصة".

الرجل الذي عمل لسنوات في جامعات اليابان، كان لابد من طرح عليه سؤال مهم: بدأ محمد علي نهضة مصر الحديثة بالتزامن مع اليابان، لماذا تقدمت وتأخرنا؟ فقال: "لسببين، الاستعمار الذي أنهك مصر، وسوء استغلال الموارد، وإذا كانت الثقافة تقوم على أربعة أعمدة: "الفن والدين والفلسفة والعلم"، فإن أقصرها في الوقت لامتلاكه العلم وتطبيقات التكنولوجيا، لكن الأعمدة الثلاثة الأخرى امتلاكها يتطلب آلاف السنين، ونحن نمتلكها، أما العلم على هيمنته وقيادته وأهميته فيمكن تحصيله في خمس سنوات".

وأضاف الدكتور تليمة، رحمه الله، "قالوا لي في لقاء بعلماء في اليابان، لديكم شعب 60% منه شباب لو أجدتم تعليمهم وإعدادهم في سنوات سيكونون مثل نظرائهم في ألمانيا واليابان، لكن أين لنا نحن بما تملكون من آثار وفن عظيم ودين وحكمة".

إذًا نحن نمتلك الأصعب، ما يحتاج لآلاف السنين لامتلاكه، ونمتلك القوة، الثروة البشرية، التي إذا ما تم إعدادها وتأهيلها ننتقل لمصاف الدول العظمى، لكن كيف نحقق ذلك؟ أجاب الرجل:

"العلم يأتي بقرار وخطط وتدريب وتأهيل، فهياكل التعليم لدينا تهدمت، ونستطيع إعادة بنائها في سنوات قليلة، بتوفير الإمكانيات ووضع هياكل عصرية، والأهم وحدة الأفكار وسلامة الخطة والتمويل موجود، ويستحيل تقدم البحث العلمي في مصر، إلا بوضعه على أرضية عالمية، بأن تأتي الجامعات الأجنبية لإنشاء فروع في مصر، وأكسفورد مثلاً تنشئ أول فروعها الخارجية في مصر، والمنافسة الخارجية تنهض بنا".

تُرى هل جاء اليوم الذي تتبنى فيه الدولة استراتيجية إعادة بناء نظام تعليمي حديث، يلاحق تطورات العصر ومتطلبات التكنولوجيا، يبني عقولًا نقدية، قادرة على التعلم عبر البحث، عقول لا تعرف الحفظ والاستذكار، بل قادرة على الإبداع والابتكار؟! للحديث بقية إن شاء الله.

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز