عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
محمود حسن إسماعيل شاعر رمضان الخالد

محمود حسن إسماعيل شاعر رمضان الخالد

بقلم : د. عزة بدر

يعد محمود حسن إسماعيل من أبرز الشعراء الذين كتبوا عن شهر رمضان فى الشعر الحديث، فقد وصف استقبال الشهر الكريم كما وصف صوت الأذان, وصوت المؤذن, والمآذن ونورها , والمسابح فى يد العابدين , والمصلين , والأرواح وقد زينها الصفاء فى ليالى رمضان , وشاعرنا –  ولد فى 2 يوليو 1910  وتوفى فى 25 إبريل 1977 – وأثرى المكتبة العربية بالعديد من الدواوين الشعرية منها : " أغانى الكوخ " 1935 , و"هكذا أغني" 1937, و"أين المفر"  1947 , و"نار وأصفاد" 1959 , و"قاب قوسين " 1964 , و"لا بد" 1966 , و" موسيقى من السر " 1978 , " وغيرها, ولا تزال قصيدته " النهر الخالد " وقصيدته "دعاء الشرق" اللتان تغنى بهما الموسيقار محمد عبد الوهاب تتألقان وتجتذبان جمهور العاشقين للقصائد العربية المغناة.                       



 

 فى استقبال الشهر الكريم

 

ومن أشهر قصائده في استقبال الشهر الكريم تلك التي يقول فيها:

 

 " أضيف أنت حل على الأنام / وأقسم أن يحيا بالصيام

 

قطعت الدهرجوَّابا وفيا / يعود مزاره فى كل عام

 

  تُخيم لا يُحد حماك ركن / فكل الأرض مهد للخيام

 

نَسَخْتَ شعائر الضيفان لما / قنعت من الضيافة بالمقام

 

ورحتَ تسن للأجواد شرعا / من الإحسان علوى النظام

 

  بأن الجوع حرمان وزهد / أعز من الشراب أو الطعام " .

 

 

 

دعوة للحياة

 

وقد وصف شاعرنا المآذن ونورها فى ليالى الشهر الكريم معطرة , تتلألأ من حولها أطواق النور , وانظر إلى وصفه لصوت الأذان الذى يوقظ كل غاف للحياة حيث تبدو الحياة الحقيقية فى ذلك الإيمان العميق الذى يملأ النفوس بالسلام والمحبة والخير فيقول محمود حسن  إسماعيل:

 

"تلفتت المآذن حالمات / كحوريات خُلد سافرات

 

تضوع مباخر النساك منها / فتحسبها غصونا عاطرات

 

 تلألأ حولها أطواق نور / مضيئات بحبك هائمات

 

كأنك حامل وحيا إليها / وقفن بسحره متلهفات

 

إذا صاح الأذان بها أَرَنَّتْ / بإلهام كموج البحر عات

 

يُذكر بالهداية كل ناس / ويوقظ كل غاف للحياة " .                                          

 

الصائمون فى انتظار صوت المؤذن

 

ويصور شاعرنا الصائمين وهم ينتظرون صوت المؤذن فى خشوع ورهبة فيقول:

 

 "جعلت الناس فى وقت الغروب / عبيد ندائك العاتى الرهيب

 

كما ارتقبوا الأذان كأن جرحا / يُعذبهم تلفت للطبيب" .

 

كما يصف الأذان وهو يملأ الأرواح بالرجاء فيقول:

 

"يا أذان الحق ياصوت السماء

 

طف على الدنيا, ورفرف بالنداء

 

واملأ الأرواح من نور الرجاء

 

أتت لحسن عاطر يهدى قلوب الحائرينا

 

ورحيق طاهر , يروى يقين المؤمنينا

 

فانشر الرحمة فى كل صباح ومساء "

 

أما المؤذن نفسه فقد وصفه شاعرنا فى ديوانه " أغانى الكوخ "  وأطلق عليه لقب " شاعر الفجر "  (1)

 

 والقصيدة نفسها قد ضمها ديوانه " صوت من الله " أيضا تحت عنوان " داع إلى الله – المؤذن "  ( 2 )

 

ويقول فيها شاعرنا :

 

" خياله من سدرة المنتهى / ولحنه من وتر الأنجم

 

عف الترانيم إذا نصها / كادت تضىء الطهر فوق الفم

 

معنبر اللحن إذا ما شدا / ورجع الأنغام فى فجره

 

تخاله مجمرة والصدى / فوح التقى ينساب من ثغره

 

وسائر الكون له معبدا / أترعه الإيمان من طهره

 

  النور لما صاح فى جوه / هلل بالأضواء من فرحته

 

  ولاح كالنشوان من شدوه / يرقص من بِشْر على صيحته

 

  كتم سر الشمس لم يروِه / إلا لذاك الصب فى نشوته " .

 

 

 

 

حبيب الروح والبدن

 

ويصف شاعرنا الشهر الكريم بأنه حبيب الروح والبدن فى قصيدة جميلة بعنوان " توبة الزمن " –  وثق لها الشاعر مصطفى عبد الرحمن فى كتابه " رمضانيات "  -  و يقول فيها محمود حسن إسماعيل:

 

 " سلاما ناسك الزمن

 

حبيب الروح والبدن

 

سلام النور والإيمان / سلام الحب يارمضان

 

سلام الطائر الظمآن / لنبع لاح فى البستان

 

 سكبت النور للأكوان / وزاد الروح للإنسان

 

 ورحت تعطر الأكوان

 

وتوقظها من الوسن

 

 حملت البر للمسكين / وللعاصى مددت يمين

 

وسقت لقلبه البشرى / بعفو كان عنه ضنين

 

بنور هدى وصدق يقين

 

  أضأت سريرة الزمن

 

  أذانك توبة الأيام / وفجرك منبع الإلهام

 

ويومك رحمة وسلام / وليلك سجدة وقيام

 

فهات البر والأنعام

 

وجدد فرحة الزمن

 

بجودك غنت الحسنات / ورنت حولك الصلوات

 

وحلت فوقك الرحمات / ينابيعا من الجنات

 

تبيد بظلها الشهوات

 

وما فيها من الفتن " .

 

 

 

المسبحة الظمأى

 

ومن قصائده العذبة والتى يصف فيها المسبحة فى يد العابد المتبتل قوله فى إحدى قصائد ديوان " أغانى الكوخ " ( 3 )

 

" هذى الطيور البيض قد رفرفت / تعانق التسبيح من مسجده

 

والسبحة العذراء قد طوفت / كأنها ناسكة فى يده            

 

ظمأى إلى الإيمان قد أشرقت / تغنى من الشوق على مورده ".

 

صوت من الله

 

وفى هذا الديوان الثرى بالقصائد التى تخاطب الروح , يصف شاعرنا السجدة , ويرقق القلوب بمناجاة الله , ويسلم على نبيه تسليما فتشعر وأنت فى واحة الإيمان بصوت الشاعر وهو يتردد عميقا فى ساحات النفس العطشى لنفحات الإيمان , ولحظات الصفو , وراحة البال , والثقة بالله , والاطمئنان إلى عدل قضائه فيقول شاعرنا فى مناجاة عذبة لعلك استمعت إليها ذات مساء وهى تنبعث رائقة شائقة رهيفة من الإذاعة المصرية ( وقد شدا بها الفنان محمد فوزى , ولحنها رياض السنباطى )  :

 

 " رب سبحانك دوما يا إلاهى

 

نغمة تسرى بقلبى وشفاهى

 

كلما غرد طير فى خميلة

 

وصَفَتْ للحب دنياه الجميلة

 

وتهادى العطر من درب لدرب

 

عاشقا يبحث فى البستان عن قلب وحب

 

نسى العطر خطاه وخبا صوت الطيور

 

ونهلت السحر والإيمان من صمت الزهور

 

ورأيت الحب ينساب دعاء من شفاهى

 

وغناء من صفاء الروح يجرى يا إلهى " 

 

تحلو أيامنا بالحمد , وتصفو أرواحنا بالشدو , ومع كل أذان , تتردد الابتهالات فى أسماعنا تبدأ بالصلاة على النبى الأمين, فنتذكر أبيات شاعرنا وهو يقول:

 

" أصلى عليك

 

وكل الوجود صلاة وشوق إليك

 

أصلى عليك

 

ونور الهدى ساطع من يديك

 

وروحى نشيد من الحب يهفو لديك

 

أصلى بقلبى , وأعماق حبى

 

وأمشى وأنت الضياء لدربى

 

وكلى حنين وشوق إليك

 

أصلى عليك .. وصلى وسلم نور الإله

 

وصلت عليك جميع الحياة

 

عليك الصلاة

 

عليك السلام ".

 

وبين الحمد والشكر والسجود , وصلاة القيام , وإحياء ليالى الشهر الكريم بالذِكر والدعاء , يأتى صوت شاعرنا مع كل سجدة يقول:

 

" سجدة لله

 

كلما هل الصباح

 

وهفا كل جناح

 

وعلى الربوة صاح

 

بلبل يشكو هداه

 

رددى شكواه

 

واسجدى لله

 

كلما رن أذان

 

موقظا سمع الزمان

 

وشدا كل جنان

 

ضارعا يدعو سماه

 

فاسمعى نجواه

 

واسجدى لله

 

كلما رفرف عود

 

راقصا بين الورود

 

ومضى فوق الوجود

 

هاتفا يُحى رُباه

 

باركى دنياه واسجدى لله

 

إيه يانفس استعينى

 

بالرضا فى كل حين

 

فهو نور لليقين

 

وهو صفو للحياة

 

وهو من نور الإله

 

فاسجدى لله " .

 

لقد قدم محمود حسن إسماعيل لنا فى دواوينه جميعا تلك الروح المتطلعة المشتاقة إلى نور الله والنفس التواقة للعثور على يقين فى عالم تصطخب فيه النفوس , وتضطرب القلوب فى الصدور , عالم قلق , تلظت ناسه بويلات الحروب , والأزمات , ولم يعد أمام الفرد فيه سوى البحث عن يقين فيبقى صوت الفن والشعر والابتهالات والغناء والشدو من القلب وكلها تجليات لبحث الإنسان عن نوره , وفى رمضان تتجلى فيوض الرحمة , وهاهى أصداء أبيات شاعرنا تتردد فى دواخلنا صافية عذبة: " رب سبحانك دوما يا إلهى / نغمة تسرى بقلبى وشفاهي".

 

هوامش :

 

( 1 ) محمود حسن إسماعيل : 2004 , الأعمال الكاملة " المجلد الأول , الهيئة المصرية العامة للكتاب , ص 101

 

( 2 ) محمود حسن إسماعيل : 1980 , دار الشروق , ص100

 

( 3 ) محمود حسن إسماعيل : الأعمال الكاملة , المجلد الأول , الهيئة المصرية العامة للكتاب ص 103  .                                                                                   

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز