عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"مصر إلى أين؟" (3).. العسكرية المصرية

"مصر إلى أين؟" (3).. العسكرية المصرية

بقلم : أيمن عبد المجيد

كانت الساعة تقترب من السابعة صباح الأول من يوليو 2015، عندما شق الهدوء صوت مرتفع لسيارة قادمة يبدو أنها تحمل ما يفوق قدرة محركها من متفجرات.



 كان الملازم أول أدهم الشوباشي، قائد كمين أبورفاعي، وبصحبته 22 جنديًا، يحمون كمينًا (نقطة عسكرية صغيرة) من طابق واحد، عندما اقتربت السيارة المفخخة، فأطلقت قوة الكمين أعيرة نارية تحذيرية، لكن لم تتوقف السيارة فصوبت عليها النيران لتكتشف أنها مصفحة باستثناء فتحة صغيرة يرى منها السائق الطريق.

 

كانت دقات القلوب تتسارع، لم يستغرق الأمر كثيرًا ليتخذ الجنديان، حسام جمال الدين وأحمد عبدالتواب، قرارهما، بتولي المهمة، التضحية من أجل حماية زملائهما، فترجلا عن المدرعة التي كانا يتعاملان منها مع السيارة القادمة،  وهرولا نحوها بأقصى سرعة للتصدي لها مباشرة وإيقافها.

 

قفز الجندي أحمد عبدالتواب فوق مقدمة السيارة المصفحة، محاولًا إدخال ماسورة سلاحه داخل الفتحة التي يرى منها السائق الانتحاري الطريق، ليبدأ في إطلاق النيران عليه، فيما أطلق زميله النيران عليها من جانب آخر، محاولًا تفجير حمولتها. 

فعلا ذلك وهما على يقين أن الموجة الانفجارية ستطولهما، لكن حماية القوة المتمركزة في الكمين أهم من حياتهما.. أنها العقيدة والتضحية.

 

انفجرت السيارة على بعد 75 مترًا، ما قلل من الأضرار التي لحقت بالكمين، كان المخطط، أن تنفجر السيارة على بعد 50 مترًا فقط من الكمين لإحداث موجة انفجارية تؤدي إلى إبادة القوة المتمركزة فيه.

 

توالت البطولات في ذلك اليوم، الذي شهد ملحمة سيسطرها التاريخ العسكري في أنصع الصفحات، واصل الأبطال القتال، قوة كمين محدودة في مواجهة عربات الدفع الرباعي، التي تحمل عشرات الإرهابيين المسلحين بالآر بي جيه، والمدافع المتعددة، كان قد أمر الشوباشي جنوده بالتمركز في أماكنهم، وتعالت أصوات الطلقات النارية، وبدأ الإرهابيون يتساقطون مثل الذباب، أصيب الشوباشي لكنه واصل المعركة، استشهد عدد من أبطال الكمين، لكن من بقى على قيد الحياة ظلوا صامدين.

 

وصل الإمداد، لكن بعد أن قتل أبطال الكمين أكثر من 120 إرهابيًا، أحبط المخطط الذي استهدف حينها، تدميرًا متزامنًا لعدة أكمنة، للوصول إلى مجلس مدينة الشيخ زويد، أو أي مبنى حكومي بها، لرفع علم داعش عليه للحظات، لالتقاط الفيديو، الذي تتولى قناة الجزيرة، الحقيرة، ترويجه وفق ما كان مخططًا، لكن بطولة جنود مصر، حوّلت المشهد، فنشر الإعلام صور أشلاء الإرهابيين الذين بعث بهم أبطال الجيش إلى جهنم.

 

هذا مجرد مشهد من بطولات تسطر يوميًا منذ أربع سنوات في سيناء، مشهد آخر أبهر العالم، كان بطلاه الجندي محمد رمضان محمود، والعريف محمد أحمد إسماعيل حكمدار الدبابة، التي تناقلت مشهد دهسها لسيارة ملغومة فضائيات العالم.

 

 

بين صائد الدبابات والدبابات الداهسة

كانت سيارات المدنيين مصطفة أمام الكمين للتفتيش، عندما جاءت سيارة فيرنا مسرعة بأقصى سرعة لها، لتتوقف على بعد 3 أمتار من الدبابة التي تؤمن الكمين، وعندما اقترب الضابط المهندس مسؤول كشف المفرقعات، أخرج أحد مستقلي السيارة سلاحه، وبدأ التعامل بإطلاق النيران على الكمين من مزرعة زيتون بالقرب منه، على الفور تعامل حكمدار الدبابة بالمدفع نصف البوصة، لكن البطل سائق الدبابة حسم أمره واتخذ قرارًا عبقريًا في لحظات لحماية الكمين وعشرات المدنيين.

 

ربما لم يتخيل الإرهابيون ولو للحظة قراره، حرك دبابته وصعد بها على السيارة المفخخة دهسها، محطمًا تلك الرؤس الشيطانية بداخلها، مستديرًا بمهارة وسرعة فائقة متجهًا للكمين، لينفجر حطام السيارة، لكن بعد أن كان البطلان تخطيا محيط الموجة الانفجارية، ليحفظهما الله ومن معهما.

 

 

جينات البطولة ممتدة من الأجداد للأحفاد 

هؤلاء الأحفاد أبطال اليوم الذين يطهرون سيناء من رجز الإرهاب، هم أحفاد أبطال العاشر من رمضان السادس من أكتوبر عام 1973، الذين طهروا سيناء من رجز الصهاينة الغاصبين، هذا الجيل من أسود جيش مصر، ورثوا جينات العقيدة وتتلمذوا في مدرسة العسكرية المصرية، هم خير خلف لخير سلف، خير أجناد الأرض.

ففي معركة العاشر من رمضان 1973، كان هناك أبطال معركة المزرعة الصينية، وأبطال معركة كبريت وقبلها بطولات حرب الاستنزاف، فعلى مدار تاريخ مصر قدم شعب مصر وقواته المسلحة آلاف الشهداء، وقبل كل شهادة كانت هناك قصة بطولة، بل هناك من الأبطال، "رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".

في العاشر من أكتوبر كان محمد عبدالعاطي صائد دبابات الاحتلال، واليوم دبابات دهس الإرهابيين يقودها بطل من الأحفاد "محمد رمضان محمود".

 

عودة للقدرة وأعمدة القوى الشاملة

في مقال الأمس، ذكرت ستة أعمدة للقوة الشاملة للدولة، تنميتها، يسفر عن تعاظم قدرة الدولة على الفعل والتأثير، بينها  العنصر العسكري (حجم وكفاءة وتطور القوى العسكرية)، فالقوة العسكرية هي العمود الفقري لأي دولة وبقدر قوتها، تكون قدرة الدولة على ردع أي عدائيات، وما الجيش إلا بشر وأسلحة، وليس بالحجم وقوة التسليح فقط تقاس القوة العسكرية، ومن ثم القدرة، بل بمدى كفاءة الجندي المقاتل وقدرته على الاستخدام الأمثل لأسلحته، وقبل كل ذلك العقيدة والوطنية والإيمان بعدالة القضية.

 

في نكسة 67، ظن البعض أن جيش مصر تحطمت روحه المعنوية، بهزيمة لم يقاتل فيها، ليفاجئ العدو والعالم بعد أسابيع ببدء حرب الاستنزاف، وتعاظم الروح المعنوية، والقدرة على بناء درع صاروخية تساقطت على صخرته طائرات الفانتوم الصهيونية، فوجئ الاحتلال بجنود أسود، يمتلكون روحًا قتالية أسطورية، جندي يلقي بجسده على فوهة مدفع لحماية زملائه وتمكينهم من اقتحام النقط الحصينة، وآخرون خلف خطوط العدو يسطرون البطولات.

 

لكن إذا لم نستلهم من الماضي خبراته، لمواجهة الحاضر بتحدياته، فلن يكون لنا أمل في التعامل مع المستقبل بتوقعاته، وتوقعات المستقبل وفق معطيات الحاضر، الذي تعرضت فيه دول عربية محيطة لمحاولات هدم، وإصرار على عرقلة أي محاولة لإعادة البناء، تشير إلى أننا في خطر.

 

فهذا الاستهداف الذي نال من دول شقيقة مثل ليبيا، وسوريا واليمن، كان وما زال مخططًا لنا، لكنهم "يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، الله خير حافظ لمصر، فقد نجى الله مصر من كيدهم، بفضل وعي شعبها، وصلابة جيشها، واليوم هم يحاولون استنزاف الدولة وشعبها عبر مخالب إرهابية، تم بفضل الله بتر أطولها، ويجري الآن ملاحقة فلولها.

 

هي حرب حقيقية، التي يخوضها الجيش والشرطة المصرية، أخطر من حرب العاشر من رمضان، ففي السابق كانت الحرب في مواجهة عدو واضح على الأرض، معروف ومن يقف خلفه، والجغرافيا التي يسيطر عليها وحصونه ودفاعاته، أما الآن فنحن نحارب أفاعي تلدغ بالوكالة، تختبئ في الجحور، تتحين اللحظة المناسبة للدغ، وتولي وجهها مرة أخرى جحورها، حتى يأتيها الأمر من محركيها ومموليها وداعميها بالسلاح والمعلومات.

في حرب العاشر من رمضان، كان الهدف من الحرب إيلام العدو، وإجباره على الاستسلام بتكبيده أكبر خسائر، ليجلس على مائدة المفاوضات ومصر في موضع القوة، أما أعداء اليوم الأفاعي، فلا تكفي معهم الضربات المؤقته أو المؤلمة، فالهدف نبش جحورهم جحرًا جحرًا، والقضاء عليهم فردًا، فردا.

كانت قوة الشعب المصري في صبره، ووحدته، ووقوفه خلف دولته، الإرادة المصرية القوة التي لا تقهر ونحن الآن نخوض ذات المعركة التي تتطلب ذات الصفات، معركة التطهير من الإرهاب وبناء القدرة العظمى، بقاء مصر قوية ضمانه اساسية لاستعادة بناء مؤسسات الدول العربية التي شهدت انهيارات، لذلك سنستهدف بطرق عدة أكثر حبثًا، وعلينا التسلح بالوعي والإرادة والله خير حافظ.

 

تنويع مصادر السلاح تنمية للقوة

وبالعودة لتعظيم قدرة الدولة التي هي محلصة  القوة الشاملة للدولة، فإن كل المؤشرات والحقائق الواضحة للعيان، تؤكد أن مصر 30 يونيو، استفادت من دروس الماضي وخبراته، تدرك أبعاد الحاضر بتحدياته، وتستعد علميًا وعمليًا، للمستقبل بمختلف توقعاته.

 

فالعمل على تعظيم القدرة العسكرية الدفاعية شهد طفرة غير مسبوقة، ففي الوقت الذي يحرص الرئيس عبدالفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة على تعظيم الكفاءة القتالية للقوات، فإنه عمل على إمداد الجيش بأحدث الأسلحة، وفق سياسة تنويع مصادر السلاح، الأمر الذي يخلق تفوقًا نوعيًا، ويخرج مصر من سيطرة المصدر الواحد، فنذكر صفقات الرافال الفرنسي، وحاملات الطائرات الروسية، والصفقات الكورية، والغواصات الألمانية.

 

كل ذلك يسير بالتوازي مع العمل على تنمية القوة البشرية، وفق تطوير للمنظومة التعليمية، والاهتمام بالمبتكرين، والنهوض بالمنظومة الصحية، والرياضية، لبناء أجيال ذات قدرات ذهنية وعلمية وجسدية عالية، فمن هذا الشعب يأتي القادة السياسيون والعسكريون والجنود، فتنمية القوة الشاملة للدولة، منظومة متكاملة.

 

قوة الردع العسكري، تحمي متطلبات التنمية الاقتصادية، على سبيل المثال، السفن الحربية الحديثة وحاملات الطائرات ضرورة لحماية سواحل مصر، ومنصات استخراج البترول والغاز في المياه الإقليمية كحقل ظهر، تحمي الحدود من محاولات اختراق الإرهابيين، تحمي الاستثمارات بمحور قناة السويس، ترهب وتردع كل من تسول له نفسه التفكير في العدوان على مصر.

 

كل عام وشعب مصر في نصر، تحية لجيل العاشر من رمضان، ولجيل اليوم،  شهداء أمس واليوم الذين عطروا أرض مصر بدمائهم الذكية وحموا شعبها، لأبطال التحرير والتطهير أجمل تحية.

وللحديث إن شاء الله بقية.

 

 


 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز