عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"مصر إلى أين؟" (4).. الاقتصاد بين سكان القصور والقبور

"مصر إلى أين؟" (4).. الاقتصاد بين سكان القصور والقبور

بقلم : أيمن عبد المجيد

المنظومة الاقتصادية، بما تشمله من موارد ونفقات للدولة، ومدى سلامة استغلال الثروة، وتنميتها، أحد أهم ركائز القوى الشاملة لأي دولة، فالقوى الاقتصادية والسياسية متلازمتان لا تنفصلان، فكل نظام سياسي نجاحه رهن قدرته على التنمية المستدامة التي تبني اقتصادًا حقيقيًا قويًا لا يهتز بمتغيرات طارئة.



 

اقتصاد إنتاجي لا ريعي، اقتصاد قائم على تنوع مصادر الدخل العام للدولة، ركائزه بيد الدولة، لا رهن عمل إرهابي هنا أو هناك، فقبل 2010، كانت مصر تعتمد على خمسة مصادر أساسية للدخل والنقد الأجنبي، الأول عوائد صناعة السياحة، التي وصلت في أعلى مستوياتها إلى قرابة 11 مليارًا، يليها عوائد قناة السويس 6.5 مليار، وعوائد تحويلات العمالة بالخارج، وعوائد الإنتاج المحلي والتصدير سواء صناعيًا أو زراعيًا.

 

ومع اشتعال المنطقة العربية، واستهداف قوى الشر للسياحة، تراجعت عوائدها وفق حملة ممنهجة ضد مصر بلغت ذروتها بسقوط الطائرة الروسية، رغم أن دولة مثل فرنسا شهدت عمليات إرهابية واسعة هددت رئيس الدولة ذاته، ولم توقف رحلات الطيران إليها.

 

والنزاع المسلح وسقوط مؤسسات دول مثل العراق واليمن وليبيا، أثر سلبًا على مصدر تحويلات العمالة الخارجية، فبالتالي تأثرت عوائد النقد الأجنبي بالسلب، ووفق نظرية العرض والطلب، زاد الطلب على الدولار الذي نحتاجه لاستيراد احتياجاتنا، في ظل ضعف المعروض، فانخفضت قيمة الجنيه، فشهدت البلاد نسب تضخم وزيادة في الأسعار.

 

التدخلات الجراحية السريعة التي لجأت إليها الدولة، نجحت في حماية الاقتصاد الوطني، وتخطينا حافة الانهيار الاقتصادي، إلى مرحلة الاستقرار، بشهادة كبريات المؤسسات الاقتصادية الدولية المعنية بتقييم اقتصاديات الدول، كان الاقتصاد المصري في غرفة العناية الفائقة، وتطلب إنقاذه جراحات عاجلة، حقًا، هي مؤلمة للمواطن البسيط، تمثلت في تحرير سعر الصرف، وتصحيح جزئي لمنظومة الدعم على الوقود والمحروقات، لكنها حققت تحسنًا سريعًا وتعافيًا، بل وبدأت الدولة تنطلق في تنمية شاملة، فقد تم القضاء على السوق السوداء للعملة، وشعر المستثمر بطمأنينة فأقبل على العمل في مصر بما يولد فرص عمل.

 

وعوائد إصلاحات منظومة الدعم ذهبت لصالح دعم مباشر للمستحقين من الفقراء، في صورة تحسين جودة الحياة، فبها تم القضاء على عدد كبير من العشوائيات وبناء مساكن آدمية، كما تم إنشاء آلاف الوحدات السكنية في ظهير المحافظات، وبدأت التنمية المتوازية في الصعيد والدلتا والمحافظات الحدودية، مثل سيناء والوادي الجديد والعلمين بمطروح.

 

لكن التنمية الشاملة والمتوازنة والمستمرة، تتطلب استراتيجية متكاملة، وفي اعتقادي بدأت دولة 30 يونيو قطع خطوات جادة في هذا الطريق، عبر تنمية موارد الدخل القومي الصلب الصامد في مواجهة المتغيرات، وفي مقدمة ذلك التنمية الزراعية والإنتاج الحيواني والثروة السمكية، وقد شهدنا افتتاح المرحلة الأولى من مشروع المليون ونصف المليون فدان، وشهدنا آلاف الصوب الزراعية الذكية، التي تنتج أضعاف الطاقة الإنتاجية للفدان بتكلفة أقل، سواء كانت الكلفة المالية أو المائية.

 

وفي السياق ذاته، يجرى التوسع في الرقعة العمرانية، لتفكيك الكتل السكانية المكتظة، فليس من المنطقي أن يعيش قرابة 100 مليون مصري على مساحة 7% فقط، فهذا تشوه في خريطة توزيع السكان، يترتب عليه ضغط على البنية التحتية من شبكات مياه وصرف وكهرباء، وتكدس في السكان، وزحام في وسائل المواصلات، وتضاعف كلفة التنقل، فالرحلة التي تقطعها في ساعة في الظروف الطبيعية تستغرق ثلاث ساعات في الزحام، وهو ما يعني إهدار ثلاثة أضعاف قيمة الوقود.

 

لذا كان من الحكمة إنشاء عاصمة إدارية جديدة، وإنشاء 14 مدينة جديدة بالمحافظات، فضلًا عن شبكات الطرق الحديثة وربط الوادي بسيناء، والمجتمعات الريفية التي ستولد مع المساحات الزراعية المستصلحة، والمدن الصناعية الجديدة، بما يعني إعادة توزيع وتفريغ للكثافة السكانية، بما يعني جودة الحياة وخلق مصادر جديدة للعمل والدخل وتقوية لدعائم الاقتصادي القومي.

 

وبالتوازي وفق استراتيجية تنمية مصادر الدخل القومي يجرى تنمية محوري قناة السويس لخلق قيمة مضافة تضاعف دخل القناة، ويجرى تنمية قطاع البترول والطاقة عبر اكتشافات الغاز الطبيعي، وتنمية عمليات البحث والتنقيب والإنتاج والتكرير والنقل، لتحقيق اكتفاء ذاتي في 2018، هذا الاكتفاء الذاتي المتوقع يعني خفض وارداتنا البترولية من 30% إلى 10% بما يعني توفير 90% من احتياجات السوق المحلية من الوقود بصفة عامة، وتوفير 100% من الغاز الطبيعي، ليصل لكل منزل، وفق المعلن من وزارة البترول في غضون ثلاث سنوات تدريجيًا.

 

لكن السؤال الجوهري، الذي يداعب ذهن كل مواطن فقير ومتوسط الدخل ومن حقه أن يطرحه، لماذا لم ينعكس ذلك على دخلي بشكل مباشر؟!

 

في الحقيقة، انعكس وإن كان بشكل جزئي، مثلًا إصلاحات منظومة توليد الطاقة وإضافة مصادر جديدة قضى على الانقطاع المتكرر، ففي مثل هذا الشهر الكريم منذ 4 سنوات، كان الناس يتقاتلون على أنبوبة بوتاجاز في طوابير ممتدة، وكان الآلاف ينتظرون ساعات أمام البنزينات لملء جيركن بنزين أو سولار، وكانت الكهرباء تذهب مع ارتفاع موجات الحرارة ويتصبب الشعب عرقًا في المنازل وفي المساجد أثناء الصلاة، هذه المعاناة باتت اليوم ذكريات مؤلمة بفضل الإصلاحات، ومنذ سنوات كانت السلع مثل السكر وغيره، سلعة نادرة تبحث عن واسطة لتجدها، اليوم السلع متوافرة وبدأ بعضها تستقر أسعاره، وأخرى تنخفض، ومع زيادة الإنتاج ستتحسن الأحوال.

 

قد يقول قائل، ما فائدة توافر السلع وقطاع من الفقراء لا يستطيع شراءها، مع تزايد أعباء الحياة وثبات الأجور؟ اتفق معك.. وعلى الدولة التوسع في منظومة الحماية الاجتماعية والارتقاء بمستويات دخل الفقراء ومتوسطي الدخل، فضلًا عمن هم بلا عمل من الأساس.

 

في المقابل سيقول المسؤول الحكومي "أجيب منين؟"، أو كما يقول المثل الشعبي: "عد غنماتك يا جحا قال: واحدة قايمة وواحدة نايمة؟!"، والمقصود من المثل أن موارد الدخل معلومة، والنفقات ومتطلبات التنمية معلومة، وهو ما يعرف بموازنة الدولة، فالإيرادات أقل من النفقات، وهو ما يُعرف بعجز الموازنة.

 

لكن الحقيقة أن سؤال المواطن البسيط مشروع، والحكومة تفسر لنا، موقفها هذا بالتناقض الصارخ في موازنة الوقود، فوزارة مثل وزارة البترول وفق إحصائيات دقيقة أنفقت منذ شهر يوليو 2017 وحتى إبريل 2017 مبلغ دعم بلغ 105 مليارات جنيه، ومتوقع يصل بنهاية يوليو المقبل إلى 125 مليار جنيه، وهذا يمثل عجزًا في موازنة الوزارة، لأن هذا المبلغ الضخم هو ناتج عن فرق تكلفة إنتاج الوقود، والسعر المدعم الذي تبيعه للمواطن.

 

لكن المفاجأة التي تكشفها الإحصائيات، هي أن 75% من هذا الدعم، أي ما يفوق 80 مليار جنيه من دعم الوقود ذهب إلى جيوب الأثرياء، فهم من يملكون السيارات الفاخرة، الأكثر استهلاكًا للوقود المدعم، والأسرة الواحدة تمتلك أكثر من سيارة حديثة، بينما المواطن البسيط يمتلك سيارة موديل قديم يتحرك بها للضرورة القصوى لتخفيض النفقات، بينما الغالبية العظمى لا يمتلكون سيارات، وبالتالي لا يستفيدون من أي دعم.

 

إذًا يظل السؤال المنطقي والجوهري؟ كيف يتم تصحيح منظومة الدعم، بحيث يصل لمستحقيه فقط، ليرفع عن كاهل الدولة تلك المليارات التي تذهب لجيوب الأثرياء بل والأجانب المقيمين في مصر، فسيارات السفارات مثلًا تذهب محطات الوقود وتحصل على البنزين بسعره المدعم، وأتوبيسات شركات السياحة، وسيارات رجال الأعمال مالكي الملايين، فهل هذا منطقي؟!

 

لكن ما ينبغي قبل تصحيح أسعار الوقود، هو حماية الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وهنا يبقى الحل في الدعم النقدي، فأي إجراء لتصحيح منظومة الدعم العيني، لا بد أن يصحبه البناء على ما تم من إجراءات تحسين دخول الطبقة المتوسطة والفقيرة ببرامج حماية، من بينها زيادة مرضية للمعاشات، وصرف للعلاوات المستحقة، ومحاولات تحسين الأجور، مع التوسع في معاشات التضامن وتكافل وكرامة للأسر التي لا يوجد لها عائل في وظيفة ثابتة، وشهادة أمان وحماية ودعم عمال اليومية والمزارعين محدودي المساحة.

 

إصلاح منظومة الدعم العيني ضرورة ملحة لنزعه من غير المستحقين، والحماية الاجتماعية ضرورة لدعم المستحق، فبالتوازن بين الإصلاح والعدالة، ستعبر مصر إن شاء الله لمستقبل أفضل، قطعًا لن يعجب ذلك الكلام الطبقة الثرية، لكن في كل دول العالم يدفع الأثرياء، لتتمكن الدولة من تحسين الخدمات للجميع أثرياء وفقراء، وقطعًا عوائد إصلاح منظومة الدعم ستعود بشكل مباشر على تحسين مخصصات العلاج والتعليم وتطوير منظومة النقل العام، والقضاء على العشوائيات.

 

ما أسهل أن ترحل المشكلات، للحفاظ على الكرسي، فالجميع يذكر كيف كان الدعم يذهب لجيوب الأثرياء قبل 2011، فصاحب الفيللا والقصر كان يستهلك الكهرباء مدعومة بنفس السعر الذي يدفعه البواب، الذي يسكن في بدروم العمارة، ومن يمتلك حمام سباحة كان يحصل على المياه بالسعر الذي يُفرض على من يسكن غرفة وصالة، وانتهى الأمر بأن سكن الفقراء العشوائيات بل ضاقت القبور بسكانها الأحياء!! ولم يمنع تأجيل الإصلاح الشعب من الثورة.

 

الحل إذًا في الإصلاح العادل، البناء على ما بدأ من برامج حماية للفقراء، ومتوسطي الدخل، وتحميل الأثرياء الكُلفة الحقيقية للسلعة، فإعلانات الفيللات في المنتجعات لا تتوقف في الفضائيات، هل من يدفع ملايين في شقة سكنية، وأكثر من نصف مليون في سيارة، يستحق وقودًا مدعومًا من الضريبة المستقطعة من الموظف محدود الدخل؟!

 

وللحديث إن شاء الله بقية

 

[email protected]

 
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز