الصعايدة و"فيس بوك"

بقلم : عادل عبد المحسن

درر اكتسبناها أجيالا وراء أجيال نخشى عليها من أن يطويها الزمن في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبح التعامل بين البشر عبر الكيبورد، فزماننا ليس مثل زمانهم حتى نحافظ عليها، وننقل تلك الدرر من جيلنا إلى الجيل الذي يلينا من أرض السمر والشمس الساطعة والسماء الصافية نشأت مبادئ وقيم عصية على الدهر قوية على الكسر، هي تلك النصائح التي توارثها الآباء عن الأجداد وتنقل إلى الأحفاد يا بنى إذا دعاك صديقك على عزومة في مقهى أو مطعم لا تطلب سوى أرخص المشروبات أو الأطعمة، فأنت لا تعلم ما في جيب صديقك من مال فكن حثيثا ولا تجعل عزومتك تخجل صديقك إذا لم يكن لديه المال الكافي يا ولدي حتى تحافظ على صداقتك مع صديق، إياك وثلاثة نصائح خذها عنى الأولى، لا تكذب عليه يومًا واجعل الصدق نبراس صداقتكما، والثانية لا تصاهره ففي المصاهرة مشاحنات وخلافات زوجية، مؤكد سوف تنشب يومًا وتلقى بظلالها على صداقتكما حتى تفسدها وتقضى عليها، أما الثالثة فاحرص على عدم وجود منفعة مادية في صداقتكما، فلا تتشاركان في مشروع ما كبر أو صغر، ففي المال فتنة، والصداقة لا تقدر بمال، فلا تكذب ولا تصاهر ولا تشارك صديقك.

أذكر أن خلافًا قد نشب يومًا بين صديق لي وابن خالي فكانت نصيحة شقيقي الأكبر إياك أن تضحى بصداقتك مع صديقك وتنحاز لابن خالك، انحاز لصديقك وابن خالك صلة الرحم بينكما تغفر كل شيء.

عندما قدمت إلى القاهرة مهاجرًا من قريتي في الصعيد الجواني لأحترف مهنة صاحبة الجلالة، كنت أستغرب وأستنكف أن يسلم رجل على آخر وهو جالس ولما ذهبت إلى قريتي في إجازة سلمت على زميل صحفي يكبرني في العمر والمهنة، وهو داخل سيارته وتعرضت لتأنيب شديد من شقيقي الأكبر كيف أسلم على زميلي، وهو جالس في السيارة، حاولت جاهدًا أن أفهمه أن هذا شيئًا عاديًا، لكن دون جدوى.

ولما ترشح ضياء رشوان رئيس هيئة الاستعلامات الحالي ضد مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام صُدمت من تصرف ضياء ضد مكرم، وقلت كيف تهين الرجل في هذه السن، فكان رد ضياء ليس في العمل السياسي والنقابي، كبيرًا أو صغيرًا، إنما تقييم أداء المرشحين وبرامجهم.

المبادئ والقيم التي يتوارثها أهل الصعيد أبًا عن جد، أصبحت محل اختبار نتيجة الهجرات الداخلية للصعايدة، وانتقال إقامات الكثير منهم إلى محافظات وجه بحري وصخب القاهرة، مما جعل الصعايدة يتأثرون بعادات وتقاليد ومبادئ وقيم مختلفة بعض الشيء، لكن الأكثر خطورة في الأمر الاغتراب الأسري في بيوت الصعيد وانكفاء أرباب الأسر على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من التواصل الأسري، وأصبحت صلة الأرحام من خلال شاشة الموبايل.

المبادئ والقيم لا تباع ولا تشترى، هي أشياء يكتسبها الإنسان منذ نعومة أظافره من بيئته التي تربى فيها ونهل من معينها، ويظل محتفظًا بها حتى لو انتقل إلى بيئات أخرى قد تؤثر فيه بعض الشيء، لكن تظل مبادئه وقيمه النبيلة تقاوم أي رذيلة.