عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
جني الثمار
بقلم
محمد نجم

جني الثمار

بقلم : محمد نجم

أعتقد أننا على أبواب مرحلة جديدة سوف تشهد جنيًا تدريجيًا لثمار ما تم من إصلاحات خلال الفترة الماضية، إصلاحات اتسمت بالجدية والحسم بعد أن تأخر تنفيذها لسنوات طويلة لأسباب سياسية.. وأخرى اجتماعية!



أقول ذلك وأنا من المتضررين من آثار تلك الإصلاحات، خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار البنزين أو السجائر أو الخدمات الحكومية.. إلخ، فعلى مدى أكثر من ثلاثين عامًا مضت.. كان هناك إجماع بين كافة طوائف وأفراد المجتمع على أن الدعم يذهب إلى غير مستحقيه، سواء في مجال الأغذية وأهمها الخبز، أو بعض السلع والخدمات الأخرى وعلى رأسها البنزين والسولار وغيرهما، وذلك الدعم غير المرشد وغير المنظم لتلك السلع كان «يسِّمع» مباشرة في الموازنة العامة للدولة، أي يزيد العجز المزمن فيها، وهو ما كانت تضطر الحكومات السابقة للاقتراض لتمويله، وبالتالي يرتفع الدين العام، وهكذا دواليك.

هذه اللخبطة أو التشوهات الناتجة عن عجز الموازنة واللجوء إلى الاقتراض بسبب عدم كفاية الموارد، كانت تضطر معها الحكومات السابقة أيضا لتوجيه ما يتوافر لديها من أموال للأنشطة الاستهلاكية وليست الإنتاجية، وهو ما يعجزها عن الصرف بمبالغ معقولة على كل من الصحة والتعليم والتنمية البشرية.. فضلًا على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية وعلى رأسها الزراعة والصناعة.

هذا الوضع السيئ.. يطلق عليه الاقتصاديون مسميات فخمة مختصرة مثل «الخلل الهيكلي» في الاقتصاد القومي، وأيضا «التشوهات العميقة» بين الاقتصاد الرقمي والاقتصاد العيني.. المهم أنها دائرة خبيثة من المشاكل كان يغرق فيها التنفيذيون!

والآن.. لدينا رئيس دولة حاسم وجاد.. أيده المصريون عندما قاد الثورة التصحيحية في 30 يونيو 2013، وأعادوا انتخابه مرة أخرى في إبريل 2018، والمعنى أن لديه ثقة المصريين في شخصه، وموافقتهم المبدئية على ما قد يتخذه من قرارات أو ما يقوم به من إجراءات، خاصة أنهم يعلمون تمامًا مدى جديته ونزاهته واستنكاره لأي فساد إداري أو سياسي، فضلًا عن رفضه التام لوجود شلة منتفعين حوله، ولم يسمح لأحد بمجرد الادعاء بالحديث باسمه!

ومن ثم- وبسبب هذه الثقة وذاك التأييد الشعبي- لم يؤجل الرجل الإصلاحات الضرورية والتي لجأ من سبقوه للتسويف في تنفيذها!

نعم.. لهذه الإصلاحات الباترة آثار سلبية على المدى القصير.. ولكن هل من المنطق أو حتى من الرحمة ترك المريض حتى يموت؟ ثم متى كان العلاج لا يسبب الألم، خاصة عندما يكون العلاج في صورة تدخل جراحي قد يخشى البعض عواقبه!

وهذا ما يدفعنا لتوضيح بعض الأمور فيما يخص علاقتنا بصندوق النقد الدولي، فالبعض بدأ في توجيه سهامه إلى الصندوق بدعوى أنه السبب فيما نحن فيه الآن!

وقد لا يعلم هؤلاء أن الصندوق ما هو إلا بيت خبرة دولي.. يلجأ إليه كل من يرغب في المساندة الفنية والمالية، تمامًا كالطبيب الذي يذهب إليه المريض الذي فشل في علاج نفسه بالوصفات الشعبية!

وقد لا يعلم هؤلاء أيضا أن الصندوق «بيشاور» على ما لديك من مشكلات، وهي معروفة وأشرنا إلى بعضها في البداية، ثم يسألك عن طرق العلاج والمدة المطلوبة لذلك، والمبالغ التي تحتاجها إجراءات الإصلاح؟

هنا تقوم الدولة الراغبة في المساندة بوضع خطة للإصلاح عبارة عن إجراءات بتوقيتات زمنية «برنامج»، وتقدمه للصندوق لدراسته والموافقة عليه، وبعد التأكد من جدية الدولة في التنفيذ، وفى حالة الموافقة يقدم للدولة مبالغ المساندة المطلوبة على مراحل طبقا لما يتم تنفيذه من البرنامج، وهذه المساندة المالية عبارة عن «قرض» ميسر يجمعه الصندوق من أعضائه الأغنياء أو من أسواق المال الدولية، أو من أمواله الخاصة إذا كان لديه وفرة منها!

والمعنى.. أن العقد شريعة المتعاقدين فلا بد أن يلتزم كل طرف بما تم الاتفاق عليه، الدولة بتنفيذ الإصلاحات طبقًا للبرنامج، والصندوق بمنح المساندة المالية المطلوبة حسب الاتفاق.

هذا الالتزام المتبادل هو أهم ما في الاتفاق، حيث يدفع الحكومة المعنية بتنفيذ الإصلاحات بدلا من التسويف أو الحصول على الأموال وصرفها في غير الأغراض المخصصة لها.

والأهم أن هذا «الاتفاق» مع الصندوق بمثابة «شهادة» على قدرة الدولة وقوة اقتصادها وجدية تنفيذ السياسات فيها، ومن جهة أخرى هذه «الشهادة» هي محاميك أمام أسواق المال الدولية، والشركات العابرة للقارات.. لجذب ما يسمى الاستثمارات الأجنبية.

وأعتقد أن كل من له علاقة بالشأن العام يعلم أنه طالما كانت الاستثمارات المحلية غير كافية لرفع وزيادة معدلات النمو في الاقتصاد، فلا بد من الاستعانة بالاستثمارات الأجنبية لسد هذا العجز.

فالعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية للسوق المصري ليست مجرد رغبة.. أو رفاهية، وإنما هي ضرورة اقتصادية لا غنى عنها.

هذه هي حقائق الأمور بعيدًا عن اللعب السياسي أو محاولات التشكيك وإثارة البلبلة أو البحث عن شماعات.. إلخ.

وفي جملة واحدة.. عندما ترتضي طريقة العلاج لأوجاعك بعد استشارة الطبيب ومعاونته فلا بد أن تتحمل جرعات الدواء المر أو لسع الحقن.. حتى يتم الله شفاءك!

مع ملاحظة أن الصندوق ليس هو الذي يعطيك الدواء، ولا الحقنة، فأنت الذي تعالج نفسك.. أي أنت الذي تتخذ قرارك وتدير اقتصادك وتصلح من إجراءاتك.. وبقدر الجدية والجهد يكون النجاح.

وختامًا.. لقد أجرينا الكثير من الإصلاحات.. وأخذنا القرارات الصعبة للتصحيح، وأعددنا البنية الأساسية.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز