عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
يونيو ثورة من أجل الإنسانية

يونيو ثورة من أجل الإنسانية

بقلم : طارق رضوان

كنا على موعد مع التاريخ. مصر. شعبها وجيشها. أهراماتها ونيلها وحضارتها سطروا ملحمة تاريخية جديدة. فقد كانت الأمة مهددة. تاريخها وجغرافيتها وهويتها وكرامتها فى خطر. كانت جماعة إرهابية تتولى حكمها. عصابة تسرق الأوطان وتطمس الحضارة وتغتال الإنسانية. نسوا فى غفلة من الزمن أن لمصر ربًا يحميها. نسوا أن لمصر جيشًا يحميها وشعبًا يحميها. فكانت أمجد ثورة فى تاريخها الحديث. انفجرت مصر فى وجوههم القبيحة. انتفضت الأرض بأحجارها وترابها الدافئ وبرجالها وشبابها ونسائها وعجائزها. انتفض جيشها النبيل. وكانت ثورة يونيو. أمجد ثورة فى العصر الحديث. ثورة من أجل الدفاع عن الإنسانية والحضارة وعن أرض مصر الطيبة. وكعادتها انتصرت مصر. وانتصر جيشها النبيل لشعبه ولتاريخ أمته وللإنسانية.



«1» مصر

أسرعت الجماعة فى أخونة الدولة وفرض رجالهم على كل مفاصلها للسيطرة ولسهولة تنفيذ المشروع، حاولوا بقدر الإمكان أن يخترقوا أجهزة الدولة مستغلين ضعاف النفوس، وقد استجاب لهم بالطبع من فى قلبه مرض وشهوة المال والسلطة وحاولوا اختراق كل مفاصل الدولة. وزرع الفتنة بين كل أفرادها، لولا يقظة رجال الجيش بشكل عام، ويقظة القائد العام وقتها عبدالفتاح السيسى بشكل خاص، فانسحب بالجيش إلى الوراء لخطوات ليعيد الترتيب من جديد، أول ما فعله القائد العام وقتها هو تغيير ملابس الجيش، معلنًا لمن يعرف تلك الرسالة أن الجيش يتغير، فهناك مقولة شهيرة للرئيس جمال عبدالناصر للسفير الأمريكى فى القاهرة «كافرى جيفرسون» طالبًا منهم السلاح، إن جيشًا رث الهيئة لا ولاء له، وهو ما فعله القائد العام عبدالفتاح السيسى. بل وقام بإعادة تأهيل الجيش من جديد وإعادة سمعته وعلاقاته بينه وبين الشعب وبينه وبين الشرطة فى أسرع وقت، تسلحت هنا الدولة بالعلم كما فعلت فى حرب أكتوبر، واستخدمت كل نقاط القوة فى الدولة، وكل نقاط الضعف فى الإخوان، وتحمل الجيش العبء كله فى التخطيط وفى التنفيذ، وانتظروا ساعة الصفر، بعد تهيئة المجتمع لثورة كبرى ضد الإخوان فقد كان قد مر على حكمهم للبلاد عام من جلوس مرسى على مقعد الرئاسة، وقد وصلت البلاد لحافة الهاوية وانهيار الدولة قادم لا محالة وقد تعلم الجيش من تجربة نكسة 67 الأليمة والقاسية على الجيش المصرى وقد ظهر جليًا فى خطته للتخلص من الإخوان هذا الهم الثقيل الذى لا يفرق كثيرًا عن الاحتلال الإسرائيلى لسيناء. إنه التسلح بالعلم، وهو عنصر النجاح والتفوق، علم الاقتصاد   وعلم  النفس والاجتماع والسيسولوجى وعلم المخابرات وكافة العلوم العسكرية وعلوم التخطيط والتاريخ والجغرافيا، ومعها البيانات والمعلومات الدقيقة والكافية، والأهم هو التوقيت، أهم دروس حرب 67 هو اختيار وقت الحرب، الشعب والجيش ومعه بقية الأجهزة السيادية والأمنية اختارت وقت الشرارة بخطة الإرادة لتنفيذها متكاملة بأقل الخسائر. العلم العسكرى يقول عند إعداد الدولة للحرب يتطلب أربعة أشياء، إعداد الشعب للحرب وإعداد اقتصاد الدولة  للحرب  وإعداد القوات المسلحة للحرب وإعداد مسرح العمليات، المعركة التى دارت ما بين الشعب بكل طوائفه والجيش ضد جماعة الإخوان المسلمين كان يعد لها منذ بداية 25 يناير 2011، الخيانة كانت مريرة وموجعة بدأت بفتح السجون، ثم تلاها قتل جنود الجيش فى رفح فى رمضان من عام 2012، كانوا يخططون للقضاء على الدولة المصرية بالاستعانة بدول خارجية ومرتزقة وتمويلات لا حدود لها ومخابرات خارجية لتضع الخطط وتمدهم بالأجهزة والعتاد والأسلحة والمكان الأمن للتدريب والضباط المتخصصين، كانوا يريدون القضاء على كل رموز الدولة المصرية العتيقة، وهى التى أشار إليها مرسى فى خطابه الأخير بالدولة العميقة، كل أركان الدولة المصرية كانت فى طريقها إلى الزوال لو بقى الإخوان أكثر من ذلك فى الحكم، لذلك كان على الشعب أن يحمى دولته ويبدأ معركته بكل أطيافه بالعلم وبالإيمان بالله وبالأمة، ما حدث لم يكن انقلابًا على الشرعية كما كان يكذب مرسى أو كما يكذب أنصاره ولا كان انقلابًا عسكريًا الذى كان سيكلف مصر الكثير فحدوث انقلاب عسكرى يعنى تلقائيًا وبمقتضى قانون أقره الكونجرس الأمريكى عام 1961 بوقف كل المساعدات لمصر ولأى دولة يتدخل فيها الجيش بالانقلاب على رئيس مدنى منتخب. وهو ما لم يحدث. فهذه المعركة كان الشعب هو من يحارب، مستندًا على حماية الجيش لمتطلباته المشروعة. وقد كشفت الأوراق والمستندات التى ضبطت فى مكتب الإرشاد وفى مكاتب فريق الرئاسة فى الاتحادية وفى مكتب خيرت الشاطر – المرشد الحقيقى والحاكم الفعلى لمصر وقتها - عن حجم الكارثة التى كانت تعيشها مصر، كانت خطة الرحيل محكمة تمامًا وتم استخدام كل طوائف الشعب وكان التركيز الأكثر على الصورة لما لها من تأثير ودلالات ورسائل يفهمها الغرب. وكانت طبقة الفنانين والمثقفين هم وقود تلك المرحلة فقد اتحدوا ضد وزير الثقافة علاء عبدالعزيز. فصورة هؤلاء فى الصحف المحلية وفى الصحف العربية والغربية لها تأثير كبير، يهز العالم المتحضر حيث النظام الحاكم كان يحارب الفن والفنانين والمثقفين ووضعت يدها على دار الأوبرا، كلها صور ورسائل لحشد التعاطف الخارجى. الأمر لم يتوقف فقط على تلك الطبقة، فهناك طبقة أخرى مهمة لضخامة عددها وهى الطبقة المتوسطة العليا وهم الأكثرية فى المجتمع بعد الفقراء، وهى التى تستهلك بنزين «92» والذى اختفى فجأة من البلاد نتيجة سرقات قيادات الإخوان وتخزينها وتصديرها إلى حركة حماس فى غزة، فاختفى البنزين وطالت طوابير السيارات أمام محطات الوقود. وبجانب انقطاع البنزين عن الطبقة المتوسطة العليا، كان هناك أهل الصعيد وهم الجزء الأهم فى مصر. حيث انقطع السولار عنه، والسولار لمن لا يعرف هو مأكل ومشرب وعمل وكيف الصعيد، وبانقطاعه تحدث كارثة، وهو ما قد حدث. كانت البلاد مهترئة تمامًا ومهيأة للثورة ضد ذلك النظام الفاشيست، وكان لا بد من رحيلهم وسريعًا، فقد كان الزمن عدوهم، وعدو الدولة فى نفس الوقت، من يسبق فى ضربته، وكانت ضربة الدولة هى الأسرع والأقوى والأشرس والأعنف، فدائمًا يد مصر ثقيلة على أعدائها.

« 2 » العرب

فجأة انفجر الربيع العربى وامتدت ناره إلى معظم الدول العربية وإن كان التركيز كله فى المخطط الأمريكى هو جنوب البحر المتوسط تمهيدًا لأخونته، حدث ذلك فى تونس وفى مصر ثم ليبيا ثم امتدت إلى اليمن ثم سوريا. وبعدما استقرت الجماعة على عرش مصر، بدأوا التفكير فى توسيع دولتهم لتصل إلى دول الخليج، وسعوا جاهدين لدخول تلك البلاد وإثارة الفوضى بها لهز العروش الحاكمة، لكن حكومات دول الخليج كانت على أتم الاستعداد لهذا الغزو الإخوانى،  فعلاقة تنظيم الإخوان بدول الخليج العربى،  خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت، علاقة تاريخية، بدأت منذ ثلاثينيات القرن الماضى. كانت نقطة التحول الرئيسية فى تعامل حكام الإمارات مع الإخوان. جاءت بعد اكتشاف تنظيم إخوانى كبير هناك، يسعى لاستقطاب بعض أبناء الأسرة الحاكمة للانضمام للتنظيم، وهو ما دفع حكام الإمارات لليقظة والإعلان بوضوح عن بداية مرحلة جديدة من النظرة لتنظيم الإخوان. 

أما دولة الكويت فهى القاعدة الرئيسية التى انطلق من خلالها تنظيم الإخوان لدول الخليج الأخرى، وكان لا يزال يتمتع هذا التنظيم هناك بنوع من القوة والوجود الكبير على الساحة السياسية والاجتماعية، ونفس الشيء فى قطر، حيث يتمتع فيها الإخوان بنوع من الحرية والحركة ويلقون التمويل والحماية. وقد جاءت ثورات الربيع العربى خاصة الثورة المصرية لتبرز صعود ما أطلق عليه تيار الإسلام السياسى،  الذى كان على رأسه بالتأكيد تنظيم الإخوان، وما كان مخفيًا فى الماضى وغير معروف أصبح واضحًا أمام الجميع، فحالة المظلومية التى عاش فيها التنظيم خلال تاريخه لم تعد تجدى نفعًا مع الشعوب العربية، فوصل الإخوان للسلطة فى مصر، وبدأت معها مرحلة المكاشفة، لنجد التنظيم عارى الأفكار والأهداف، ويظهر معها أن فكرة الدولة الحديثة واحترام خصوصية الشعوب لم تكن من صميم الفكرة الإخوانية، ومعها أيقنت دول الخليج خطورة التنظيم ليس على مصر وحدها ولكن عليها نفسها، فكانت البداية من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بدعم الحراك الشعبى المصرى فى الـ30 من يونيو والذى دعمته القوات المسلحة المصرية، فى يقين من هذه الدول أن ما فعله المصريون من الإطاحة بحكم الإخوان هو حماية لها فى الأساس من أن تستغل قواعد تنظيم الإخوان فى الخليج وجود الإخوان على رأس السلطة فى مصر، بزيادة نشاطها الاجتماعى والسياسى والعمل على إضعاف وخلخلة السلطة فى دول الخليج، وكانت قضية القبض على الخلية الإخوانية فى دولة الإمارات «قضية التنظيم السرى الإماراتى» يوليو 2013 والتى تتكون من30 متهمًا منهم 20 مصريًا إخوانيًا و10 إماراتيين بتهمة تأسيس فرع التنظيم ذى صفة دولية بغير ترخيص واختلاس وثائق وصور وخرائط متعلقة بجهاز أمن الدولة وإذاعة بيانات على قرص إلكترونى تتضمن أسرارًا دفاعية، كانت القضية قنبلة انفجرت فى وجه الإخوان وضربت مخططهم فى مقتل وارتبك القادة ولجأوا إلى أصدقائهم الأمريكان للوصول إلى حل، بل وقام الإخوانى عصام الحداد، مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية بالاتصال بأصدقائه الإنجليز للتدخل - الحداد يحمل الجنسية الإنجليزية - طلب العفو عنهم ليضربوا عصفورين بحجر، أولها إحراج السلطات الإماراتية التى كانت تهاجم الإخوان بضراوة وإظهار مقدرة وغلاوة الإخوان عند الغرب. وثانيها إثبات للقواعد أنهم أصحاب اليد العليا فى كل الوطن العربى،  الزيارات لم تتوقف من قادة الجماعة إلى الإمارات وإلى قطر للوساطة لمحاولة حل القضية وديًا وإخراج عناصر الإخوان من المعتقلات وكلها باءت بالفشل حتى وساطة قطر فشلت، وقد استسلم القادة ولجأوا إلى حيلة أخرى للالتفاف على القيادات فى دولة الإمارات بالتحديد وذلك بمحاولة الدخول فى مشاريع اقتصادية ضخمة. شركات ومصانع لتكون الباب الخلفى لدخول عناصر الإخوان إلى الخليج، فقد أراد الشاطر تكوين شركات ومصانع لتمويل الخلايا النائمة فى كل من الإمارات والكويت والسعودية والبحرين، واتجه فى أول الأمر إلى الإمارات لمحاولة الاستثمار هناك حيث سافر إلى الإمارات فى سبتمبر 2012، وكان فى نيته الحصول على ترخيص لبناء مصنع للأدوية بمشاركة أحد أصحاب الصيدليات الكبرى فى مصر ويمتلك مصنعًا للأدوية، إلا أنه فوجئ وهو فى فندقه بدبى بالسلطات الأمنية الإماراتية تبلغه بعدم النزول إلى بهو الفندق المقيم فيه أو التجول فى الشارع حفاظًا على حياته من غضب الإماراتيين من وجود قادة الإخوان على أراضيهم، وعاد الشاطر إلى مصر دون إتمام الصفقة، الشاطر لم ييأس بل حاول مرة أخرى بعدها بعدة أسابيع وسافر إلى هناك، لكنه فوجئ هذه المرة وهو فى الطائرة التى هبطت بالفعل فى مطار دبى،  بمنعه من النزول من الطائرة وجلس فى الطائرة ثلاث ساعات كاملة فى انتظار موافقة السلطات الإماراتية السماح له بدخول البلاد، قام خلال انتظاره بالاتصال بالرئاسة المصرية للتدخل والسماح له بالدخول حتى إنه طلب أن تبلغ الرئاسة المصرية السلطات الإماراتية بأنه جاء إلى الإمارات برسالة خاصة من محمد مرسى إلى عاهل الإمارات ليسمحوا له بالدخول وقد حاول كل من أسعد الشيخة وأحمد عبد العاطى الاتصال بالمسئولين فى الإمارات وبالسفير المصرى هناك للتدخل فى الأزمة، لكن الرد كان بالرفض والعودة من حيث جاء وفشلت كل محاولات الشاطر للاستثمار، وتعاملت السلطات الإماراتية بحزم وهو ما يفسر ما صرح به عصام العريان بالهجوم الشديد على الإماراتيين وعلى العائلة المالكة، التغلغل الإخوانى لم يطل الإمارات فقط، بل وصل إلى دولة الكويت ففى رمضان من عام 2012 أرسل الشاطر زوج ابنته الطبيب صيدلى خالد أبوشادى إلى دولة الكويت للاتصال بعناصر الإخوان بالكويت وكان دور أبوشادى هو العمل على قيام ثورة ضد النظام الكويتى على غرار الثورة المصرية، وكالعادة يعتلى الإخوان الثورة، لكن محاولاته فشلت رغم قيام بعض التظاهرات فور مغادرته البلاد، لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب الذى يمكن أن يسقط النظام، وهو ما أثار غضب النظام الكويتى وجعل اسم أبوشادى على قائمة الترقب والمنع من دخول البلاد. من هنا كان القرار الخليجى بمساندة مصر فى التخلص من الإخوان واستخدام نفوذهم لدى الأمريكان لترك الدولة المصرية لتتخلص نهائيًا من حكم الجماعة ولم تكتف دول الخليج بذلك بل قامت بدعم مصر اقتصاديًا لتعبر تلك المحنة بأقل الأضرار، فهى الدولة التى قال عنها الملك عبد العزيز آل سعود ناصحًا أولاده قبل وفاته إنه يمكن الحكم على صحة العرب عموما بمدى صحة مصر، فإذا كانت مصر عليلة، فكل العالم العربى عليل. انتصرت مصر. وفاقت من غفلتها فى التوقيت المناسب. انفجرت وثارت وأزاحت حجرًا ثقيلاً من على صدرها الطيب. فكانت ثورة يونيو أعظم ثورة فى تاريخ البشرية فى عصرها الحديث.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز