عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أنيس منصور محللا رياضيا

أنيس منصور محللا رياضيا

بقلم : رشاد كامل

 أظنك شاهدت عشرات المرات تسجيلات مباريات منتخب مصر فى كأس العالم سنة 1990 مع هولندا وإيرلندا وإنجلترا التى فازت علينا بصعوبة بهدف واحد، وتعادلنا مع هولندا بهدف مجدى عبدالغنى ثم مع إيرلندا بدون أهداف، وخرجنا من الدور الأول.. وشاءت الصدفة أن يشاهد الكاتب الكبير أنيس منصور مباراة مصر وإنجلترا حيث سافر مع وفد شعبى ورسمى كبير لمؤازرة  المنتخب،  وعاد أنيس ليكتب مقالا أدبيا عن مشاهدته لهذه المباراة.. وكتب يقول:



الطبل والزمر والهتافات المتجهة إلى كاليارى (عاصمة جزيرة سردينيا حيث تقام المباراة) وفى مطار كاليارى لا شىء يدل على أننا فى إيطاليا أو إسبانيا أو اليونان ولكن الكلمات الإيطالية تدق الأذن فينطلق اللسان وتعالت النداءات: ترجم لنا ماذا يقولون؟! قلت إنهم يتمنون للفريق المصرى أن يهزم الإنجليزى 2/ صفر فهم لا يحبون الإنجليز ويريدون أن نخطف كأس العالم منهم !!

 جلست فى الصف الأول،  وفى مواجهتنا المشجعون المصريون والإيطاليون الذين يشجعون المصريين وإلى اليمين المشجعون الإنجليز وبدأت المباراة !

  وبينى وبين نفسى أقسمت أن تكون هذه آخر مباراة  أذهب لرؤيتها،  فأنا لا أرى وجوه اللاعبين ولا أستطيع أن أميز واحدًا منهم فقط لون الفانلة،  وإن كان الناس ورائى وأمامى يميزون اللاعبين بالاسم،  لا أعرف كيف مع أن بعضهم يضع منظارا على عيونهم،  إذن هو التدريب الطويل والمعرفة العميقة لملامح وجوه وأجسام اللاعبين وحركاتهم،  ولكن أمام التليفزيون  فالوجوه أوضح واللاعبون أقرب،  أما هنا فلا أعرف أحدًا ولم أعد أفرق بين اللاعبين والمشاهدين فأنا أجهل  الجميع!!!

 والفرق بين المباراة التى أشاهدها فى التليفزيون والمباراة التى أشاهدها فى الملعب كالفرق  بين المسرح والسينما ففى المسرح ترى الممثلين ويرونك،  وفى السينما لا ترى إلا تسجيلا فلا أنت تراهم ولا هم يرونك!! ولكنهم فى السينما أوضح ثم إنك تتفرج وأنت على راحتك جالسا.. نائما.. آكلا شاربا،  بالبيجاما أو بلبوصا.. أنت حر ولكن عشاق الكرة لا يطيقون أن يروا تسجيلا وإنما يذهبون إلى مكان الأحداث ويذوبون مع الملعب والملاعب ويصرخون!!

 وكان د. عبدالأحد جمال الدين رئيس الشباب والرياضة يصرخ: ليه يا جمال (عبدالحميد) كويس يا هانى (رمزي) يا واد يا عظيم !! وجارى يقوم بدور وكيل النيابة الذى يتهم اللاعبين بعنف،  فإذا كان واحد إلى جواره أعنف منه دافع عن اللاعب هكذا: أيوه يا حسام (حسن) أقفل عليه !

شىء عجيب لا أحد من المتفرجين يلتفت لأحد،  وكل واحد منهم يصرخ فى اللاعبين الذين لا يسمعونه ولا أحد يتوقف عن الصراخ وفى نفس الوقت يرد على المتفرجين الآخرين!!

 حاولت أن أسبح ضد التيار الجارف قلت: والله أنا نادم على أننى جئت أتفرج على هذه  المباراة! وكان الرد من ورائى: نادم دى عظمة ده يوم تاريخي).. وقال الذى جوارى: نادم،  ده يوم مشهود فى تاريخ مصر،  أقعد أحسن تندم أكثر إذا لم تر هذا الجول الذى سوف يسجله مجدى عبدالغنى حالا !!

 أما الصرخات الحريمى ورائى فكانت من السيدة (هدى المراسى) سفيرتنا فى إيطاليا وابنتها أكثر حماسا وانفعالا وصراخًا !!

 طبعا لو أن هذه المقصورة فى القاهرة لتعالت شتائم الأب والأم مع ألفاظ نابية وكلها مقبولة من المتفرجين وقد اعتادوا عليها ولا يرونها شتيمة وإنما هى حالات عصبية لا تحمل أى عداء !!

 الحمد لله.. الحمد لله قالوها جميعا فقد انتهى الشوط الأول بلا أهداف،  وواضح أن الإنجليز فى غاية السرعة والعنف وأن  اللاعب  ينطلق صاروخا يصيب كل من يتعرض له،  ومن أهم ما يميز الإنجليز عن المصريين،  أن الإنجليز يجدون أنفسهم بسهولة بينما المصريون فى حالة بحث دائم عن بعضهم البعض،  ولذلك تجد اللاعب المصرى أمام المرمى ويلتفت يبحث عن أحد،  ليجد هذا الأحد وراءه،  وبدلا من أن يشوط فى المرمى فإنه يشوط  إلى الوراء!!

 والحكم عندما أعطى إنذارا لـ(شوبير) يتهمه أنه بطىء يعطل اللعب كان الحكم ظالما،  لأن شوبير لا يعطل اللعب،  وإنما هو – مثل كل المصريين – إيقاعه الحركى بطيء  ثم إنه مثل كل اللاعبين  يفتش عن زملائه! والمدرسة الإنجليزية مختلفة عن المدرسة المصرية هى مدرسة القوة والعنف والسرعة ويا قاتل يا مقتول !!

 يا ابن الـ... يا ابن الـ... الله يخرب بيتك يا ألف خسارة لقد دخل هدف فى شوبير! كيف ؟ بسرعة غريبة (أستروبيا)!

 يقولون حولى لقد قفز اللاعب الإنجليزى إلى أعلى وكان (شوبير) أقل (شبرًا) وجاء (هشام يكن) فكانت قفزته أقل سنتيمترًا واحدًا  ودخلت الكرة وخرجت مصر من كأس العالم!

 يعنى إيه ؟! ولا حاجة تمنينا كأس الكرة،  ولكن هذا يكفى لم نكن نحلم بأن نصل إلى هنا ولا أن نتعادل مع هولندا ولا مع إيرلندا ولا نحلم بأن نلعب مع إنجلترا تسعين دقيقة فى قوة ورجولة وبراعة) لقد خرجنا من الكأس!

 وقفزت نبرة الكلام حولى وغضبت الأصوات وخرجت علب السجائر لأول مرة وسمعت من يقول: البنات دى ما لها عليها عفريت،  ما تقعدى يا ست خلينا نتنيل نشوف إيه اللى بيهببوه فى الملعب !!

 لقد أفاق المتفرجون وعلى مائدة العشاء جاء كل اللاعبين إلا (شوبير) وجاء  جارى وهو لاعب قديم يشتم شوبير واتجهت إليه بكل وجهى وجسمى : يا راجل حرام عليك.. شوبير أنقذ  عشرات الأهداف وأخطأ مرة.. فهل معنى ذلك أنه ولا حاجة.. عشرون مرة حق المعجزات ومرة أخفق فكأنه لا لعب ولا أنقذ !!

 وبسرعة كانت الأصوات المصرية كلها تنصف الفريق وتجد له ألف عذر ثم تطيب خاطر المدرب (الجوهرى) الذى  كان يطمح فى أكثر،  ونحن أيضا ! وإن كنا نواسى أنفسنا بأن ما حدث هو أحسن ما يستطيعه أى فريق مصرى ليس محترفا ولم يتدرب إلا أربعة شهور !

 والحقيقة أننا زودناها شويتين عندما تخيلنا أنه فى الإمكان – ما ليس ممكنا – أن نهزم إنجلترا ونقتل ألمانيا ونقضى على إيطاليا وبقدرة قادر نجد الكأس وقد استقرت على رأس الجوهرى !

 سألت د. عبدالأحد جمال الدين : فى رأيك ما الذى جعل الجوهرى يحقق هذا الإنجاز الفنى ؟! 

 قال: أنا أعطيته حريته الكاملة فى الاختيار والتدريب ولم يتدخل أحد فى عمله، إلا أفرض عليه رأيًا ولا لاعبًا،  ثم إننى قلت له أنا على استعداد أن أقدم لك أية مساعدة مالية فى أى وقت !

 شىء يبعث على الضحك أيضا أن تتصور أن اللاعبين المصريين  مجموعة من الوحوش الشاردة ثم قام (الجوهرى) بوضع السلاسل فى أيديهم ورجلهم حتى لا ينفلت عيارهم لعبا ولهوا كأنهم بلا إرادة ولا عقل ولذلك لابد من حبسهم انفراديا حتى لا ينهد حيلهم فى اللهو والسهر !! وهم يفعلون ذلك لأنهم هواة  إذا لعبوا وجدوا طعاما وإذا لم يلعبوا وجدوا مالا!! وإذا خلطوا اللعب باللهو وجدوا من يقدم لهم الهدايا من الفلوس والسيارات فهم لا يخافون على رزقهم !

 أما اللاعبون المحترفون فهم يخافون على أنفسهم على الصحة واللياقة وإلا ماتوا من الجوع،  إنهم أبناء القطاع الخاص،  أما اللاعب المصرى فهو الموظف ابن الموظف ابن القطاع العام !!

 سألونى فسألت : هل إذا جاء ابنك الحاصل على الثانوية العامة  واندهش كيف أنه لم يأت وزيرا فى التشكيل الوزارى الجديد فماذا تقول له : 

    •أقول له أنت مجنون !!

 كيف نتهم أنفسنا جميعا بالجنون ونحن نتمنى للفريق المصرى الذى لم يصل إلى كأس العالم من 56 عاما أن يحصل على الكأس لأنه تعادل وتعادل؟! يجب أن تدق رأسك فى الحائط وتقول: أعقل وإن يفعل أحد ذلك معنا جميعا ويقول لن : أعقلوا يرحمكم  الله. 

• والذى أسعدني،  أننى وجدت كل الناس من كل فئة يعطفون على الفريق القومى ويقولون : لقد أدوا ما عليهم وزيادة!

• والحمد لله كده.. كده كويس جدا جدا !

انتهى مقال أستاذنا الكبير (أنيس منصور)•

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز