عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
كيف تخرج الصحافة من غرفة العناية المركزة؟

كيف تخرج الصحافة من غرفة العناية المركزة؟

بقلم : ياسر خليل

 



توقع أغلب العاملين في مجال الإعلام أن الصحافة الرقمية ستكون هي المستقبل، أو على الأقل طوق النجاة للناشرين، بعدما تراجع توزيع الصحف الورقية على مدار السنوات الماضية. لكن الأمور لم تسر وفق التوقعات، فقد حدثت تحولات جذرية في اتجاه الإعلانات الرقمية، التي كانت تشكل أهم مصدر للدخل بالنسبة لمعظم المواقع الإخبارية الإلكترونية، أو هكذا كانت تخطط تلك المواقع.

أنفق العالم على الإعلانات الرقمية، في العام 2017 قرابة 280 مليار دولار، ذهبت الحصة الأكبر من هذا المبلغ لعملاقي الانترنت "جوجل" و"فيسبوك"، بنسبة إجمالية تتجاوز 50%، واتجهت البقية إلى شركات مثل "تويتر" و"لينكد ان"، و"أمازون"، و"ياهوو" وغيرهم، وتقريبا لا شيء يذكر من الإنفاق الإعلاني الرقمي توجه للمواقع الإخبارية مباشرة.

اتجه ناشرو الأخبار الذين لم ينجحوا في الحصول على عقود دعاية مباشرة، إلى شبكات الإعلانات، وعلى رأسها "جوجل أدسنس"، التي خفضت -ومن المتوقع أن تخفض المزيد- من العوائد الممنوحة للناشرين.

الهواتف الذكية لعبت دورا مؤثرا في هذه التحولات الكبرى، وضاعفت من سرعة حدوثها، فقد غيرت الطريقة التي يتابع بها المستخدمون الأخبار.

لم يستطع الناشرون والصحافيون استيعاب التحولات السريعة، وأصبحت تصرفاتهم مجرد ردود أفعال.

اندفع الناشرون المتعطوشون لـ"الترافيك" إلى "السوشيال ميديا" ليحصلوا على زيارة من هنا، ونظرة منها هناك، كي يزيدوا عدد السنتات الضئيلة التي يحصلون عليها من "أدسنس" وغيرها من الشبكات، إلى أن باتت مواقع التواصل الاجتماعي هي المصدر الرئيسي للزيارات لكثير من المواقع الإخبارية الرائدة.

قدم الناشرون المحتوى الذي أنفقوا في إنتاجه المليارات، مجانا لـ"السوشيال ميديا" التي لم يكن وعدها لهم إلا غرورا. لقد ابتلعت هذه المواقع المحتوى الإخباري، بشتى أنواعه، وهضمته جيدا، وتغذت عليه إلى أن قوي بنيانها، وبات المصدر الأهم للحصول على الأخبار.

فقد المواقع الإخبارية بنسب متفاوتة -ولكنها كبيرة- ولاء القراء، فانخفضت الزيارات المباشرة لتلك المواقع.

الصفحات الإخبارية التي تضم ملايين المتابعين على موقع "فيسبوك"، والتي كلفت المؤسسات الصحفية مبالغ ضخمة، ووقت وجهد كبيرين، خضعت مؤخرا لسياسات ظالمة من قبل إدارة الشبكة الاجتماعية العملاقة، جعلت وصول روابط الأخبار إلى متابعي الصفحة أمرا أكثر صعوبة، فانخفضت نسبة الزيات القادمة من "فيسبوك" إلى أدنى مستوياتها في أغلب المواقع، وفقا للبيانات المتاحة.

قديما قالوا "لا تبني على أرض غيرك"، لكننا للأسف فعلنا ذلك.

المشكلة تتفاقم. ما الحل؟

بداية يجب أن ننظر إلى أهم ما يميز مواقع التواصل الاجتماعي وشركات الإنترنت الكبرى مقارنة بالمؤسسات الصحفية؟ هناك الكثير من الأشياء بالطبع، خاصة إذا قسنا على وضعها القوي حاليا، لكن دعنا ننظر إلى أصل الأشياء، إن أهم ما ميز شركة "فيسبوك" على سبيل المثال، هو أن مؤسسها مبرمج محترف، لذا حرص على أن يكون لديه فريق برمجة محترف ومميز. فرق مماثلة تشكل عنصر أساسي في شركة "جوجل"، و"تويتر" وغيرهم.

المبرمجون عنصر مؤثر للغاية، فهم من يقومون بعمليات التطوير اللازمة للمواقع والتطبيقات التابعة لهذه الشركات، والتي تجعلها رائدة، وقادرة على تقديم خدمات متميزة ومتجددة لمستخدميها طوال الوقت.

وما العنصر الذي يميز المؤسسات الصحفية؟ إنها تملك المحتوى الإخباري الموثوق به، في عالم يعج بالأخبار الزائفة.

ويمكن أيضا أن نتفاخربجذورنا العريقة، ونقول إننا نملك القدرة على إصدار الصحف الورقية. مهلا... لا تتعجل في الحكم. الناس تندفع إلى الإنترنت، ربما يكون من الذكاء أن نفكر في السير عكس اتجاههم. هذا العنصر لا تملك شركات الإنترنت. لكن دعنا نعترف أن الصحف الورقية بحاجة إلى الكثير من الحديث.

الآن، ما الذي يجب أن نفعله؟ اعتقد أنه من المهم أن تفكر المؤسسات الصحفية في الحصول على ما يميز السوشيال ميديا (فرق المبرمجين القادرين على تطوير أدوات وخدمات مهمة بالنسبة للمستخدمين).

ربما يكون من المهم أيضا بناء شبكات إعلانات خاصة تقوم بجلب وتوزيع الدعاية وعوائدها على الناشرين بصورة أكثر عدالة مما تفعله "أدسنس" وغيرها.

من المهم أيضا أن توجد خدمات بديلة لتشغيل الفيديو، تتبع هذه الشبكات الإعلانية.

قد تستطيع بعض المؤسسات تكوين فريق من المبرمجين المحترفين، المتفرغين للابتكار والتطوير. وقد يكون هناك حاجة لتكوين شركات متخصصة تكون بديلا لهذا الفريق، وتقدم لصناع الأخبار منتجات مبتكرة تساعدهم على الطفو مجددا على سطح محيط الانترنت، تمهيد للسباحة والإبحار بأمان.

لكن ما يصعب على مؤسسة بمفردها فعله هو تأسيس شبكة إعلانات، وشركة لاستضافة مقاطع الفيديو، لذا قد يكون من المهم تأسيس كيان أو كيانات جديدة تطلع بهذه المهمة.

وفي كل الأحوال، هذه مجرد مجموعة من الأفكار التي تحتاج إلى المزيد من المناقشات والتطوير. لكن المؤكد هو أن إنقاذ الصحافة بحاجة إلى حلول مبتكرة وغير تقليدية، ومن ثم نحتاج إلى الكثير من النقاشات والآراء حول هذا الموضوع.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز