عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
سوريا وأمريكا ودبلوماسية المثانة!

سوريا وأمريكا ودبلوماسية المثانة!

بقلم : رشاد كامل

«جيمس بيكر» واحد من أشهر وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد حرص الرجل على كتابة مذكراته بعد استقالته بفترة واختار لها عنوان «سياسة الدبلوماسية».. وروى فيها كواليس ودهاليز السياسة الأمريكية طوال ثلاث سنوات وخاصة أثناء الغزو العراقى للكويت سنة 1990.



التقى «بيكر» بمعظم زعماء العالم والعرب أيضًا، وحرص على تسجيل تفاصيل هذه اللقاءات حتى المواقف الطريفة والمضحكة والغريبة التى سادت هذه اللقاءات ، والتى كان أغربها على الإطلاق لقاءاته مع الرئيس السورى الراحل «حافظ الأسد» والتى أطلق عليها «دبلوماسية المثانة»!!

التقى «بيكر» بالرئيس الأسد 11 مرة واستغرق لقاؤهما الأول أربع ساعات ونصف الساعة ، واستغرق اللقاء الثالث سبع ساعات كاملة «!!»واجتماع آخر  استمر خمس  ساعات ونصف الساعة لم يتخلله إلا فترة الإفطار فى رمضان  ويقول «بيكر»: 

«الأسد رجل ذكى ماكر شديد البأس غير ميال للإقدام على المخاطرة لتحقيق أهدافه وكان التفاوض مع الأسد يشكل دائما مباراة لأقصى درجات التحمل مما يسترعى الانتباه لتقارير المخابرات التى تتواتر باستمرار عن سوء حالته الصحية، فالأسد صاحب عزيمة شديدة الصلابة».

وتتوالى ذكريات  بيكر الدبلوماسية إلى أن يصل إلى اجتماع آخر مع الأسد وصفه بقوله: «أصعب وأشق مفاوضات أجريها على  الإطلاق واستغرق الاجتماع تسع ساعات و46 دقيقة دون انقطاع فى غرفة خانقة لا تطاق لا يسرى فيها سوى النذر اليسير من الهواء المكيف ، بنوافذ مغلقة واقية من الرصاص تخفيها ستائر سميكة زيتونية اللون !!

وضَّيفنا الأسد بتقديم القهوة التركية الثقيلة وعصير الليمون  شديد الحلاوة غير المثلج الذى شربت  منه كميات غزيرة بسبب شدة الحرارة ، وبعد مرور  ست ساعات على بدء الاجتماع ألح «نداء الطبيعة»على السفير «أدوارد  جيرجيان» سفيرنا فى دمشق والذى يتحدث العربية بطلاقة وبات على علاقة جيدة بالأسد على مدى عامين قبل اللقاء !

وفيما أسهب «الأسد»فى حديثه المطول  الأثير معددا شرور اتفاقية «سايكس بيكو» بلغ الموقف حدا حرجا، وكتب «جيرجيان» رسالة  بخط منعكس قال فيها : «الوقت ملائم لك الآن للذهاب إلى دورة المياه !! كانت «كليتاى» تعملان بنشاط يستعصى تفسيره، فأشرت له بالخروج، وأومأ إلىَّ وزير الخارجية السورى بأنه يحتاج إلى إجراء مكالمة عاجلة مهمة».

وأثناء غيابه كشفت طبيعة مهمة جيرجيان وقلت: السيد الرئيس لك أن  تتعجب لماذا ذهب السفير إلى  دورة المياه لإجراء مكالمة هاتفية مهمة!! وانفجر الأسد فى الضحك، ولدى عودة  جيرجيان تظاهرنا بأننا لا نعرف شيئا !

وبعد ساعة أو أكثر سحبت منديلا أبيض ولوحت به للأسد وأعلنت استسلامى على أن أذهب إلى الحمام! وهكذا نحّت الوصف الذى سأظل أطلقه دائما على مباحثاتى لثلاث وستين ساعة مع «الأسد»دبلوماسية المثانة !!

ويصف «بيكر»طريقة الأسد فى المناقشات بقوله: كنا دائما نجلس متجاورين على مقعدين كبيرين وثيرين يشعرانى بأننى  أبدو كالقزم والأسد يشبه أبوالهول ، فقدماه ملتصقتان بالأرض وركبتاه مضمومتان ويداه معقودتان فى حجره، ولا يغير هذا الوضع على الإطلاق!! وكم كنت فى  حاجة دائما لإجراء «مساج»عقب كل لقاء معه حيث كان النظر إلى يسارى بزاوية تسعين درجة يصيب رقبتى بالتشنج!!

وذات مرة عندما ذكرت هذا الأمر للرئيس «مبارك» انطلقت ضحكته الأثيرة وقال إنه طالما حث الأسد – دون جدوى – على تغيير وضع المقعدين  حتى يواجه كل منهما الآخر ، لكن الأسد على الجانب الآخر لم يبد أدنى قدر من عدم الارتياح ، ويبدو أنه يستسيغ هذه الجلسات المجهدة وهى حالة تقليدية لمحاولة الفوز عن طرق الإجهاد!!

ويصف بيكر إجهاد الأسد له عندما قال للأسد:«لقد أمضيت أكثر من ست وثلاثين ساعة معك ووجدت نفسى أقول «نعم» بالعربية للائكم «يقصد لا»بالعربية أيضا ، ورد الأسد بابتسامة ، إنك تتعلم العربية وهذا شىء طيب!».

وللحكاية بقية !

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز