عاجل
السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المزايدون على الوطن

المزايدون على الوطن

بقلم : طارق رضوان

على الخراب والدمار. تعيش الغربان والضباع. وتجار الموت يتاجرون فى جثث الضحايا. وعلى جثث الأوطان ينهش المزايدون والخونة والمرتزقة وعملاء الفوضى. وباسم الأمة يتاجر مدعو الوطنية لمصالحهم الخاصة. فالتشدد فى الوطنية الزائفة له ثمن عندما تُبنى الأمم من جديد. ويصبح لهم صوت مسموع. لكن إلى حين. هكذا الحال. لنتعثر. ويتوقف البناء ونعود للسكون المميت. ليرضى الأعداء. ولتنفذ خطط المستقبل بدون مصر.

لكن للوطن رجال. يضحون بأعمارهم من أجله. ويفنون حياتهم لخدمته. والتضحية لمصر لها مذاق خاص عند أبنائها. وتاريخ البطولات على مر العصور مذهل ومبهج ومطمئن. تلك البلاد الطيبة لا تتوقف عن صناعة رجالها المخلصين كل طلعة شمس. فهم درعها وسيفها وعقلها وقلبها. وتحت أقدامها يسحق الأعداء. كل الأعداء. ولكل دولة معارضون من أبنائها لا يقلون وطنية عن رجال الدولة. بل هناك معارضون رجال دولة لكنهم يقفون فى الناحية الأخرى من النظام الحاكم. هكذا كان الأمر فى مصر لفترة ليست بعيدة. كان خالد محيى الدين أشرف هؤلاء الرجال ممن اختاروا منذ اللحظة الأولى فى الجمهورية الأولى أن يقف فى صفوف المعارضة. كان شريفًا نزيهًا وطنيًا مخلصًا. الرجل لم يكن استثناءً. فقد كان هناك الدكتور وحيد رأفت أحد أقطاب حزب الوفد المعارض. كان رجل دولة من طراز فريد. ورئيس هيئة مفاوضات طابا بين مصر وإسرائيل. وفى حياتنا الصحفية لم تخل الصحف من المعارضين. كان مصطفى شردى واحدًا من هؤلاء. بل كان واحدًا من جنود حرب العدوان الثلاثى عام 1956. دوره كان كبيرًا فى تصوير ونقل مذابح الغزو الإنجليزى الفرنسى لبورسعيد. واختار الرجل بعد انتهاء مهمته بين صفوف الدولة أْن يقف فى صفوف المعارضة ورأس تحرير الجريدة الأولى المعارضة فى مصر وقتها وهى جريدة الوفد. لم نسمع من هؤلاء مزايدة على الوطن. ولم نسمع أنهم تقاضوا مليمًا واحدًا تمويلا من دول معادية للهجوم على مصر. بل لم يجرؤ نظام عربى أو غربى أن يقترب منهم ليمولهم ليشنوا الهجوم على الدولة وعلى نظامها الحاكم. كانوا وطنيين من طراز فريد ولا يقلون وطنية عن رجال الدولة. نزهاء شرفاء بغير سوء. وتغير الحال تمامًا خلال العشرين سنة الماضية. كان النظام قد ضعف واهترأ وشاخ. فظهر مدعو الوطنية الزائفة وظهرت فى المقابل المعارضة الزائفة. عملاء وخونة فى المعارضة وفى داخل الدولة. انهالت ملايين الدولارات عليهم أجمعين. وعلى حسب درجة ولائه للفكرة تتدفق الأموال فى حسابه بالبنوك. وعرفنا للمرة الأولى فى حياتنا السياسية رجال المعارضة يركبون السيارات الفارهة، ويسكنون القصور والفيلات الفارهة والشقق الفخمة فى الأحياء الفخمة. وفى الكومباوندات. وعرفنا كم الأموال المكدسة فى البنوك. بنوك الداخل وبنوك الخارج. وشقق فى لندن وباريس ونيويورك. وتسأل ما هو عمل هؤلاء؟ لا تجد إجابة شافية واضحة. فأصبحوا خلية سرطانية تنهش فى جسد الأمة. وصل الأمر إلى الحياة الصحفية. كتاب معارضة يمتلكون من الأموال فى البنوك ما لا حصر لها. هناك كاتب كبير ورئيس تحرير جريدة معارضة أمواله فى البنوك وصلت إلى 45 مليون جنيه موزعة على بنوك عدة. وممتلكات عقارية وأراض. كان يُثار سؤال بداخلى لا أعرف له إجابة إلى الآن: لماذا كل من هؤلاء لا يعرف البطالة مطلقًا؟ وهم دائمًا فى حالة طفو على السطح لا يغرق أبدًا. موجود فى عمل أو أكثر. صحفيًا وكاتبًا ومذيعًا. بينما ملح الأرض من الشغيلة فى نفس المهنة دوما فقراء. عاطلون ومهددون بالطرد من صحفهم ومتجهون إلى الجلوس على المقاهى فى انتظار عمل جديد يحفظ كرامتهم وإنسانيتهم. وفى العادة لا يجدون. شئ محزن حقًا. وغريب. وشاذ. لم يتوقف الأمر على مهنة الصحافة فقط. بل وصل لأعضاء يمثلون جموع الصحفيين فى مجلس نقابتهم. عندما تدقق النظر فى صورهم. تجد واحدًا يتلقى أموالا قطرية على حسابه فى بنك قطر الوطنى فرع الدقى شهريًا وبانتظام. ليستمر دوره الإخوانى المستتر. وواحدًا علاقته قوية بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية ولخوفه من انكشاف أمره هناك مساعد له يقوم بهمزة الوصل ما بينه وبين رجال السفارة وهم عادة من رجال الاستخبارات المركزية الأمريكية. وآخر له علاقات قديمة ومستمرة بسفارات الدول الاسكندنافية التى تتولى تمويل مشاريع حقوق الإنسان فى العالم الثالث. وأخرى علاقتها بالسفارة البريطانية قوية وصديقة حميمة للسفير البريطانى وهو أحد رجال الاستخبارات البريطانية وغير معروف بالمرة فى الوسط الدبلوماسى الإنجليزى. جميع هؤلاء يلعبون على وتر واحد. الحرية والديمقراطية وحق المعرفة والشفافية وحرية تداول المعلومات. وهى كلمات رنانة يراد بها باطل. كما أنها كلمات لها سعر ومازال عند الغرب لتحقيق أغراض داخل مصر. وعندما تجد صحفيًا شابًا فى أزمة مهنية تهدد حياته كلها ومستقبله. تجد كل هؤلاء كفص ملح وذاب. لا يردون على هواتفهم. ولا يُحركون ساكنًا من مقاعدهم طالما أن الأمر ليس له ثمن. وهناك المتحرشون. أكرر هناك المتحرشون بالصحفيات الصغيرات. فهناك عضو لا تذهب إليه صحفية إلا ومعها زميل لها ليحميها من تحرش صاحبنا هذا. وعندما يسجل رقم هاتفها يراودها عن نفسها ليلا ليقدم لها المساعدة. ولولا الحرج والخوف على سمعة الزميلات لسردت قصصًا مخجلة. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد من المتاجرة والمزايدة والتحرش. بل هناك فريق آخر من كراكيب الماضى يجيدون اللعب على الأوتار ليكون لهم مكان ومكانة وسعر. ما ذكرته قليل. وهو متكرر وأكثر فى الوسط الإعلامى الآخر «تليفزيون وإذاعة». فانهار الإعلام المصرى كله. واختلفت المسميات. واختلط الحابل بالنابل. وأصبحت المتاجرة والمزايدة هما سمة الإعلام المصرى. هناك إلى الآن رجال إعلام وصحافة أعينهم على الميدان. يظنون أن ما حدث سوف يتكرر. ومازالوا يعيشون الحالة الثورية الزائفة. ونسوا عن جهل. أن ما حدث لن يتكرر مرة أخرى لا داخليًا ولا إقليميًا. فمصر دولة قوية. وفى الخارج يريدون استقرارًا لمصر سيدوم لسنوات لتستقر المنطقة. وهو أحد أهم الأسباب لتوقف التمويلات من الغرب الساعية للتخريب وإثارة القلاقل والفتن والفوضى. مصر لن ترى فى المستقبل القريب أى فوضى على الإطلاق. هكذا الأمر. ومن أجله أصدرت الدولة القوية قانون تنظيم الإعلام والصحافة. لترتيب البيت الإعلامى والصحفى من جديد. بعدما اهترأ وأصبح سداح مداح. وما أن صدر القانون وبدون أن يتم قراءته وفهمه انطلقت الاتهامات. فأعينهم تتصيد المواد التى تهدد مصالحهم الخاصة. وتتصيد تلك العيون المواد التى لها ثمن فى الهجوم عليها. ثمن للمزايدة وكسب أصوات الناخبين. وثمن يأتى من الخارج. فتعالت الأصوات وتشنجت الحناجر. وأطلقت الدعوات للاحتجاج، وفى الطريق دعوات لعقد جمعية عمومية للنقابة. مزايدة رخيصة. الغرض منها الصورة. صور تُلتقط وتُرسل إلى الخارج، فتنهال الأموال من جديد كل من طريق. أموال الإخوان الفاشيست وأموال الأعداء فى المنطقة وأموال الغرب المخطط والمدبر ليتسيد وتكون كلمته هى العليا. هكذا يقرأ القانون عند المزايدين. فالفوضى الإعلامية لها تجار يتربحون من ورائها. أما النظام الإعلامى المقنن كما هو موجود فى كل البلاد المتقدمة فهو يعطل المتاجرة ويوقف تدفق الأموال. ولم نر دعوة احتجاجية لأجل صحفيين مهددين بالطرد من صحفهم. أو لجريدة مهددة بالتوقف لتعثرها. أو لصحفيين لم يتقاضوا مرتباتهم لعدة شهور. لا يمكن أن تراها أبدًا. فأرخص ما فى العملية الصحفية هو الصحفى وجريدته. أيتام بلا أب يدافع عنهما سوى الدولة. أما المزايدون وتجار المهنة فأعينهم مصوبة تجاه ماكينة الأموال وإلى المصالح والنفوذ والأصوات الانتخابية. فالقانون بوضعه الحالى جاء مطابقًا لنصوص الدستور وليس مخالفًا له أو غير متسق مع مواده كما يدعى المزايدون. والادعاء بأن هذا القانون تضمن نصوصًا تؤدى إلى حبس الصحفيين أمر مخالف للحقيقة لأن المادة 29 الخاصة بحبس الصحفيين المنصوص عليها فى قانونى الصحافة والإعلام منقولة نصًا من المادة 71 من الدستور والذى أعدته لجنة الخمسين. ولم يتضمن القانون حذفًا أو إضافة للمادة الخاصة بالمد للعاملين بالمؤسسات الصحفية وترك الباب مفتوحًا للمؤسسات لاختيار من تراه وفقًا لظروفها واحتياجاتها، ويقتضى مبدأ مراعاة فتح الأبواب أمام شباب الصحفيين وحقهم فى الترقى وتول المناصب حتى لو كان المد للخبرات التى تحتاجها المؤسسات يتجاوز 65 عامًا. ويحقق القانون أعلى درجات الشفافية والنزاهة والمراقبة والمساءلة بما يتضمنه من إجراءات لتحديد الأجور والمرتبات التى يحصل عليها كل العاملين ورؤساء مجالس الإدارة لتحقيق عدالة الأجور والقضاء على الفوارق الكبيرة التى تسبب عدم رضا أعداد كبيرة من العاملين فى المؤسسات الصحفية. وقد اتخذ القانون حقه من المداولة والنقاش وإبداء الرأى على مدى ثلاث سنوات وليس صحيحًا أنه لم يعرض على الجهات والهيئات المعنية، بل ناقشته وأبدت رأيها فيه. والقانون يضع لأول مرة القواعد الحاكمة لإصلاح المؤسسات الصحفية القومية وإدارة أموالها وأصولها بشكل اقتصادى رشيد يسمح بتطوير أدائها فى كل المجالات حتى يمكنها الاعتماد على مواردها الخاصة فى السنوات المقبلة. ويتضمن القانون نصوصًا قاطعة لشفافية إدارة المؤسسات بعلانية عقد جلسات وإتاحة الفرصة للعاملين بالمؤسسات الصحفية لحضورها والاطمئنان على حرية وسلامة إدارة أموال المؤسسات والبعد عن كل السياسات التى كانت تتم فى الخفاء وأدت إلى تدهور الأوضاع. القانون قانون دولة تبنى مستقبلها ولن تتعثر. ومناقشته مفتوحة لكن بعيدًا عن المزايدة والجهل وفقر الفكر وكراكيب الماضى. مصر لن تتعثر مرة أخرى. ولن يتوقف البناء رغم أنف الخونة والمرتزقة والمزايدين والجهلاء ومدعى الوطنية. ورغم أنف الأعداء. مصر انطلقت ولن تتوقف. 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز