عاجل
الإثنين 23 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
مجرد ملاحظات
بقلم
محمد نجم

مجرد ملاحظات

بقلم : محمد نجم

منذ سنوات وبالمصادفة.. كنت أشاهد التليفزيون، ورأيت المذيعة تجرى حوارًا سريعًا مع المصيفين على أحد شواطئ مرسى مطروح، وكان بينهم صحفي عجوز– عليه رحمة الله– يجلس على كرسي تحت شمسية وأمامه ترابيزة عليها بعض الأوراق البيضاء ومجموعة من الأقلام المختلفة.



وبعد التعارف المعتاد عن الاسم والوظيفة أخبرها الصحفي بأنها فاجأته وهو يستعد لكتابة مقاله اليومي، فسألته: عن موضوع المقال الذي ينوى كتابته، ولكنه رفض الإفصاح عن الموضوع قائلًا «وأنا عبيط.. أقولك على موضوع المقال علشان تحرقيه»! حيث إنها قد تذيع اللقاء قبل أن تصدر الصحيفة «اليومية» التي كان يعمل ويكتب فيها! لكن المذيعة لم تستسلم وسألته مرة أخرى.. كام سنة وأنت بتكتب مقالك اليومي في نفس الصحيفة؟ فأجابها سعيدًا: أكثر من عشرين سنة، فكان تعليقها الفوري: ولسه مازهقتش؟!

بالطبع سارعت المذيعة بالانصراف من أمامه وتركته في حيرته، يبحث عن الرد المناسب عليها أو الموضوع المناسب للمقال!

أما أنا.. فقد أذهلني ذكاء المذيعة وسرعة تعليقها المناسب على مثل هذه النوعية من البشر الذين يفترضون الغباء في من يحاورهم أو يستمع لهم، فضلًا على جهلهم الفطري بطبيعة عملهم.

ولم أفهم وقتها.. هل كان الصحفي العجوز– رحمه الله– يتغابى على المذيعة والمشاهدين أم أنه لم يكن يعلم الفرق بين الخبر الصحفي والمقال الذي قد يتضمن وجهة نظر في أحداث جارية أو تحليلًا لها، أو معلومات جديدة في قضية مثارة بين الرأي العام، وأن إذاعة موضوع المقال قبل نشره.. لا يحرقه؟! بل كان في إمكانه استخدام شاشة التليفزيون لإقناع المشاهدين بالفكرة التي ينوي كتابتها، بالإضافة إلى قرائه المحتملين عند نشر المقال!

نعم.. لقد صدمني الموقف وطريقة التفكير وما انتهى إليه الحوار.. ودخلت في موجة ضحك أشبه بالبكاء.. حتى بل الدمع معصمي! كما قال أمرؤ القيس.

لقد استدعيت تلك الواقعة من مخزون الذاكرة بعد سنوات طويلة من حدوثها بعد أن طفح الكيل من متابعتي عشرات المقالات بالصحف اليومية والعديد من البرامج الحوارية على شاشات التليفزيون.

فالبعض من الزملاء الكتاب الصحفيين يتعامل مع «المساحة» المخصصة له.. وكأنها «فرض عين» لازم ينجزه بأي شكل، أي لا بد أن يملأ تلك المساحة بالكلام، وليس مهما لديه إذا كان هذا الكلام لا يتضمن فكرة محترمة أو معلومات جديدة.. أو وجهة نظر مفيدة يمكن البناء عليها، المهم عنده أنه أنجز تلك المهمة الثقيلة.. والتي لم يبذل جهدًا ولو بسيطًا في الاستعداد لها!

طيب.. يا مولانا ماذا لو ارتحت وريحتنا واعتذرت عن عدم الكتابة.. طالما ليس لديك ما يستحق القوالة؟!

وذات الأمر أيضا.. ينطبق على الإخوة مقدمي برامج «التوك شو» على القنوات التليفزيونية التي تكاد تكون متشابهة تمامًا فيما تعرضه، إلا من رحمه ربه!

فالبرنامج يبدأ بمحاضرة طويلة ومملة من الأخ المذيع عن الواجب والمفروض الذي يجب أن يلتزم به المشاهدون إزاء قضية مثارة، أو سلوك معين، ثم عرض لأهم الأخبار والأحداث التي جرت طوال اليوم وقبل أن يظهر حضرته على الشاشة، وبعضها– للأسف– كان قد تم نشره في الصحف الصباحية أو المسائية أو على بعض المواقع الإخبارية الجادة.

وبعد الانتهاء من تلك الفقرة التي قد تمتد لساعات عمله، يكمل علينا باستضافة مجموعة من الخبراء ليسألهم عن رأيهم حول موضوعه المختار، أو يفاجئنا بحوار طويل مع مسؤول يعجز عن إقناعنا بوجهة نظره أو صحة ما اتخذه من قرارات!

والغريب في الموضوع أن الأخ المذيع أو الإعلامي مقدم البرنامج يشعرك بأنه يمتلك المساحة الزمنية المخصصة له يوميًا، وكذلك المشاهدون الذين ساقهم حظهم السيئ لمتابعته، فتجده يحكي كما يشاء.. وبنبرة الصوت التي يفضلها.. زاعقًا أو مستهوكا ناصحًا.. كان أو محذرًا.. وأحيانًا شاتمًا.. كما يفعل الإعلامي الجهول الذي يعتقد نفسه جالس على المصطبة في بلدهم مع مجموعة من أهله!

ولعل الطريف في الموضوع ما استجد مؤخرًا، وهو ما يسمى «بيع الهواء»، أي تكون سيادتك من الأغنياء الجدد بسبب تسقيع الأراضي والتجارة فيها، أو السمسرة وتخليص المصالح وترغب في الشهرة أو الدفاع عن مصالحك أو مصالح من يمولك، فتلجأ لإحدى القنوات الخاصة وتشتري مساحة زمنية قد تكون ساعة أو أكثر تقدم من خلالها برنامجك الخاص، وفي تلك الحالة.. أنت هنا «بتتكلم بفلوسك» فتسمعنا ما تشاء.. أو ما يشاء لك ممولك!

طيب.. نحن الضحايا من المشاهدين ماذا نفعل؟

بالطبع ممن لديهم معرفة ودراية بتلك «السبوبة» المستجدة.. يسارعون بالضغط على أزرار الريموت لتغيير القناة، ولكن ما ذنب أهلنا البسطاء في القرى والنجوع الذين لا يعلمون حقيقة ما يشاهدونه.. وكل الشاشات عندهم «تليفزيون» ما ذنبهم أن يستمعوا إلى ملتح ينصحهم بالعلاج بالأعشاب! أو مدعٍ يفسر أحلامهم، أو جاهل يفتيهم في دينهم، أو مغرض يعلق على الأحداث بالخطأ أو يروج إشاعات تثير البلبلة؟

ليس أقل من تعبير «الفوضى الإعلامية» لوصف ما يحدث في الإعلام، سواء كانت صحف أو قنوات خاصة، وسببه أن الدولة في لحظات الضعف سارت خلف بعض المدعين وألغت وزارة الإعلام!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز