عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
«الدكاكين» الحزبية!
بقلم
محمد نجم

«الدكاكين» الحزبية!

بقلم : محمد نجم

يبدو أننا على وشك الدخول في مرحلة جديدة من العمل السياسي الداخلي، حيث بدأت ملامح تشكيل كيانات سياسية جديدة في صورة أحزاب أو ائتلافات، أو تكتلات سياسية منظمة، تمهيدًا لأن تتحول مستقبلا إلى أحزاب كبرى تعمل بشكل مؤسسي، تقود الحياة السياسية في مصر المحروسة، وكما يحدث في أغلب دول العالم.



وأعتقد أن ما يحدث هو تطور طبيعي، وإن كان يتم بالتدريج بعد «هوجة» تأسيس الأحزاب بعد يناير 2011.

فكلنا نعلم وندرك أنه لا حياة سياسية حقيقية في ظل هذا «التشتت» الحزبي، حيث لدينا حاليًا ما يزيد على مائة حزب، تسعين في المائة منها عبارة عن مقر ويافطة وشخص يترأس مجموعة قليلة من أهله، ولا أكثر من ذلك! وبعضها يصدر مطبوعة لمجرد إثبات الوجود، مع أنها غير منتظمة الصدور بعد أن توقف الدعم الذي كانت تصرفه الدولة للأحزاب، والذي كان قد شنَّه النظام الأسبق.

وقد لاحظت من خلال متابعتي لإجراءات منح الثقة للحكومة الجديدة، وكذلك الرد على بيان رئيسها، أن هناك ثلاثة كيانات رئيسية في البرلمان، أولها حزب «مستقبل وطن» والذي منح ثقته للحكومة ووافق على بيانها مع مطالبتها باتخاذ إجراءات محددة في بعض القضايا، ويبدو أن هذا الحزب سيكون السند الرئيسي للحكومة، وأي حكومة مقبلة.. على غرار الحزب الوطني الديمقراطي المنحل!

وأما الكيان الثاني.. فهو ائتلاف دعم مصر، والذي منح ثقته للحكومة أيضا، مع مطالبتها باتخاذ حزمة جديدة من التشريعات لعلاج ما يواجهها من تحديات، ثم ما يسمى بتكتل 25 – 30، وهم مجموعة من النواب أعلنوا تمسكهم بشعارات 25 يناير 2011، والأهداف التي قامت من أجلها الثورة التصحيحية في 30 يونيو 2013، وقد أطلق عليهم نواب المعارضة، حيث رفضوا منح ثقتهم للحكومة وتحفظوا على بيان رئيسها، بسبب ما أسموه «غياب الرؤية نحو إصلاح التعليم والاهتمام بالصحة».

وبالطبع هناك الأحزاب الدينية مثل «النور» و«الوسط» وغيرهما لا أتذكر أسماءها! وهي أحزاب منظمة إلى حد كبير ولديها كوادر وأعضاء، ولكن لا أعتقد أنه سيكون لديها تواجد ملحوظ على الساحة السياسية مستقبلا بعد تجربة الإخوان الفاشلة والتي انتفض ضدها الشعب المصري، الذي وعى تماما خطورة قيام أحزاب دينية في مصر.

فالمصريون لديهم مرجعية دينية محترمة، وهو الأزهر الشريف.. منارة الثقافة الدينية الوسطية في مصر والعالم الإسلامي على مر العصور، ويرفضون أن يجبرهم أحد على ممارسة العبادات الواجبة، أو يُقوِّم سلوكهم العام، أو يعاقبهم على عدم التنقب، أو إطالة اللحية مع السروال الطويل وتقصير الجلباب، على غرار «جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»!

والخلاصة هنا.. يبدو أننا على وشك العودة إلى ما أراده الرئيس السادات وعمل على تحقيقه مع اختلاف المسميات من «منابر» إلى أحزاب، أي يكون لدينا حزب يميني هو حزب «مستقبل وطن»، وآخر وسط «هو ائتلاف دعم مصر» الحالي، ثم حزب يساري يتخذ شكل المعارضة، وهو «تكتل 25 - 30» الحالي أيضا.

أقول ذلك.. لأن مصر طول عمرها وسطية في كل شيء، ولم تقم فيها أحزاب سياسية على أساس فكري، أو أيديولوجي، باستثناء جماعة الإخوان، وحزب «حدتو» اليساري الماركسي الذي حل نفسه مع قيام ثورة يوليو 1952، فالأحزاب في مصر كانت تتشكل حول أشخاص لها مواقف سياسية، مثل محمد فريد ومن بعده مصطفى كامل «الحزب الوطني»، أو لأحداث سياسية طارئة كما حدث في أعقاب ثورة 1919 عندما شكّل حزب الوفد، أو لمصالح وموائمات سياسية مثل حزب الأحرار الدستوريين، أو الطليعة الوفدية أو غيرهم!

وعندما قامت ثورة يوليو وأرادت أن يكون لديها ظهير سياسي شكّلت– وقتها– ما يسمى الاتحاد القومي الذي ضم تحالف قوى الشعب العامل (موظفين وطلبة وعمال وفلاحين)، والذي تحول فيما بعد إلى الاتحاد الاشتراكي العربي، ثم جاءت المنابر الثلاثة للرئيس السادات والتي تحولت إلى ثلاثة أحزاب: «مصر»، و«الأحرار»، و«التجمع»، ثم حل حزب مصر نفسه جبرًا، وأقيم على أنقاضه الحزب الوطني الديمقراطي.. الذي أطاحت به أحداث يناير 2011.

وبصراحة شديدة – قد تغضب بعض «المتكلمين» في هذا المجال، الميراث الفرعوني مازال يطبع ببصماته على الحياة السياسية والاجتماعية في مصر، بمعنى.. تاريخيا كان في مصر «فرعون» و«رعية»، ثم تحولنا إلى ملك وشعب في عصر الملكية، وأخيرًا في عصر الجمهوريات المتتالية من ناصر وحتى مبارك.. إلى «رئيس» و«مواطنين» والسبب في ذلك قد يكون معروفا للجميع فقد كان أجدادنا من المصريين يقدسون الفرعون الحاكم، وفي فترات التدهور والانحلال في عصر المماليك ومن بعدهم العثمانيين.. أدار المصريون ظهرهم للحاكم وتركوا له ممارسة السياسية وانشغلوا هم بأنفسهم وكيفية الدفاع عن مصالحهم الخاصة.

وعندما تغيرت الأوضاع وتولى محمد علي حُكم مصر.. اعتبرها ملكية خاصة له ولأبنائه وأحفاده من بعده وهو ما عبّر عنه الخديو توفيق بعبارات صريحة في مواجهة الثائر الشرقاوي الطبيب أحمد عرابي!

وعندما قامت ثورة يوليو وقبض الرئيس عبد الناصر على مقاليد الأمور.. أعلن أن الأحزاب أفسدت الحياة السياسية في مصر، ونحن مجتمع واحد متجانس.. ومن ثم كان الاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي.

ولم يختلف الأمر كثيرًا أيام الرئيس السادات ومن بعده الرئيس مبارك، حيث يوجد تجمع سياسي باسم مختلف «حزب» ولكنه لم يقم على فكر، وإنما بغرض مساندة النظام أو الحكومة.

وأعتقد أن الرئيس السيسي مشغول في الفترة الحالية بإعادة بناء الدولة، وقد ترك السياسة للأحزاب لعلها تندمج أو تتحد أو تعيد تشكيل نفسها على أسس صحيحة ومنهجية ثابتة.

والخلاصة.. أننا ننتظر أن تتحول التكتلات السياسية التي أشرت إليها في بداية المقال إلى أحزاب سياسية تعمل بشكل مؤسسي، مع علمنا المسبق بأنه لا توجد اختلافات سياسية كبرى بينها، وإنما هي وجهات نظر وقدرة مختلفة على الأداء السياسي المنظم.

ومرحبا بكل جهد مصري مخلص في هذا الإطار.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز