عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
القناة من السخرة إلى قطار التنمية

القناة من السخرة إلى قطار التنمية

بقلم : أيمن عبد المجيد

في صحراء جرداء غير ذي زرع، وقف ديليسبس خطيبًا، في جمع من المقاولين والعمال من الفلاحين المصريين، الذين جمعهم بالقوة للعمل بالسخرة.



كان الزمان 25 إبريل 1859، بينما المكان بقعة ناحية البحر المتوسط، اختيرت مبدئيًا لحفر القناة، بينما الحدث حفل متواضع إيذانًا بالبدء في عمليات الحفر.

قال ديليسبس: "باسم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، وطبقًا لقرارات مجلس إدارتها نضرب أول معول في الأرض، التي ستفتح أبواب الشرق لتجارة الغرب وحضارته.. إننا مجتمعون تحدونا فكرة واحدة هي فكرة الإخلاص لمساهمي الشركة ولصالح منشئها وراعيها العظيم الأمير محمد سعيد".

وبعد عشر سنوات من الاستغلال والسخرة واستشهاد 100 ألف عامل من المصريين البسطاء، كان حفلٌ عالميٌ للافتتاح في 17 نوفمبر 1869.

فبرغم تضحيات المصريين، التي تكشفها الوثائق التاريخية، بداية من جمع الفلاحين من القرى والنجوع، وإلزامهم بالعمل مقابل قرشين ونصف صاغ في اليوم وجراية- يقصد بها وجبة- ثمنها قرش صاغ، فضلًا عن تسخير الأطفال، فمن هو سنه دون 12 سنة يوميته قرش صاغ، نهبت الشركة غالبية أرباح القناة لتصب في جيوب من وصفهم ديليسبس بالمساهمين.

لم تكن تضحيات حفر القناة وحدها التي دفعها المصريون، بل هناك 40 ألف عامل جمعوا لحفر القناة البحرية الصغيرة، وترعة الماء العذبة من بحيرة التمساح حتى قناة السويس، وقنوات صغيرة تصل من خلالها المياه العذبة لآلاف العمال الذين يحفرون القناة.

خطط الأوروبيون لمد امتياز الشركة أربعين عامًا تالية، لتمتد من 1969 وحتى 2009، لكن الإرادة المصرية رفضت أن يستمر نهب ثروات الوطن، جاء الزعيم جمال عبدالناصر، معلنًا في 26 يوليو 1956 قرار تأميم القناة، لتصبح شركة قناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية.

ثار البريطانيون فجمدوا الأرصدة المصرية في بريطانيا، وشنت بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني- المسمى إسرائيل- عدوانهم الثلاثي على مصر، لكن المد الوطني مارد انطلق من قمقمه، هزم العدوان وأعاد لشعب مصر حقه.

وبعد هذه السنوات، جاء من يجدد الحلم، في مواصلة البناء والرخاء، سفينة "شحطت" - أي طول غاطسها وصل قاع القناة فتوقفت- ما تسبب في تعطيل حركة المرور العالمي بالقناة قرابة اليوم.

يقول الفريق مهاب مميش: "كنت يومها ذاهبًا لاستلام مهام عملي، بعد قرار تعييني بساعات تلقيت الخبر، فكرت كيف تعطل سفينة الحركة؟!، ويومها بدأت في دراسة ما طرأ من تغيرات على صناعة السفن العملاقة، ومعدلات الحركة العالمية، والقنوات المقترح شقها كمنافس، وأعددنا دراسة كاملة للعرض على الرئيس عبدالفتاح السيسي".

من هنا كانت بداية التحرك لشق قناة السويس الجديدة، لكنها ما كانت لتنجز لولا إرادة سياسية حقيقية، من زعيم يسعى لشرعية الإنجاز.

يقول الفريق مميش: "عرضت الأمر على الرئيس عبدالفتاح السيسي مساءً، وغادرت نمت، فإذا باتصال من الرئيس في الصباح، يسأل هل نمت قلت نعم، قال الرئيس: أنا معرفتش أنام.. ظل الرئيس يدرس كل تفصيلة، وكان القرار سنحفر القناة".

لكن من أين التمويل؟ الإجابة شعب مصر العظيم جمع 64 مليار جنيه في 8 أيام، هذا الشعب الذي ضحى بشهدائه في حفر القناة الأولى، ودفع من دمائه من أجل الدفاع عن تأميمها وحمايتها، قرر أن يقضي بقناته الجديدة على كل فكرة قناة تستهدف منافستها.

عشر سنوات من التضحيات والسخرة، أنفقت في حفر القناة الأولى، وعشرات السنوات من نهب ثرواتها، تطوير القناة وشق المجرى الجديد لم يستغرق سوى عام واحد.

ديليسبس ورفاقه، اختفى نظراؤهم، فالقناة إدارة مصرية خالصة وبأعلى درجات الكفاءة، القناة الجديدة لم يكن بها هؤلاء المساهمون الذين ذكرهم ديليسبس في خطابه، واعدًا إياهم بالربح الوفير، بل من مولها وساهم بها هم المصريون، الذين من يجنون ثمار قناتهم وخيرات وطنهم.

قال المرجفون في المدينة، إن القناة كذبة ولن تحقق أرباحًا، وها هي الأرقام تتحدث في عيد افتتاحها الثالث، حققت القناة في ثلاث سنوات 15.8 مليار دولار، بما يعادل 219 مليار جنيه مصري.

وذلك بفضل وجود مسارين قلصا فترة المرور من 22 ساعة إلى 11 ساعة، كما بات بالإمكان مرور السفن العملاقة بالعالم، وما يستجد في مئة عام مقبلة، فالعمق الحالي للقناة 24 مترًا.

تقليص مدة المرور، سمح بعبور 25199 سفينة بحمولات قياسية 3.01 مليار طن خلال ثلاث سنوات.

تكلفة القناة الجديدة 20 مليار جنيه، تم تغطيتها من الزيادة في أرباح عام واحد، حيث ارتفعت العائدات بالجنيه المصري، محققة 99.1 مليار جنيه في العام المالي 2017-2018، عن سابقه الذي حقق 73.2 مليار جنيه، بزيادة 25.8 مليار جنيه، بما يفوق تكلفة الحفر.

لم يكن حفر القناة الجديدة وحده المكسب، بل هناك - حيث زرتها من أيام - مدينة الإسماعيلية الجديدة، حقيقة ماثلة على الأرض، والأنفاق التي ستربط الوادي بسيناء بخبرات وأيادٍ مصرية.

بات لدينا خبراء في حفر الأنفاق العملاقة وآلات عملاقة أيضًا، والتنمية بدأت على محوري القناة.. الخير قادم لمصر إن شاء.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز