عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حين تعاقب فتاة شابًا على طريقة زعيم كوريا الشمالية!

حين تعاقب فتاة شابًا على طريقة زعيم كوريا الشمالية!

بقلم : ياسر خليل

صورت فتاة بهاتفها الجوال شابين قالت إنهما يتحرشان بها لفظيًا في التجمع الخامس، وأنهما طارداها لعدة دقائق بسيارتيهما، وهو ما دفعها لتصويرهما. ونشرت مقطعي فيديو للواقعتين على شبكات التواصل الاجتماعي، تم مشاهدتهما ملايين المرات.



في أحد مقطعي الفيديو يظهر شاب متجه نحو الفتاة وعلى وجهه ابتسامة، ثم يقف على مسافة منها، ويدعوها لتناول مشروب في مقهى قريب جدًا منهما، وعند رفضها وإبلاغها له بأنه يضايقها، يعتذر لها ثم ينصرف في هدوء. وفي مقطع آخر يهبط شاب ثان من سيارة سوداء ويتجه نحوها، ويسألها بصيغة تمتزج فيها المداعبة بالسخرية عن شارع "الحبوب"، ثم ينصرف.

أحدث المقطعان المصوران ضجة كبيرة، أمس، واهتمت بعض برامج "التوك شو" بالمشكلة. وحيا مقدمو تلك البرامج منة جبران على ما فعلته، وأظهروها على أنها أنجزت عملًا بطوليًا يجب الاقتداء به، دون أن يطرحوا تساؤلات مهمة على أنفسهم، وعلى الفتاة.

ومن تلك الأسئلة: هل يجوز لشخص يعتقد أنه معتدى عليه أن يقرر العقاب الذي يراه مناسبًا ضد الجاني؟ ما حجم الأذى الذي وقع على الضحية من التحرش اللفظي الذي شاهدناه في الفيديو، وما مداه الزمني؟ وما حجم الضرر الذي أحدثته الفتاة في خصومها وكم يستمر من الوقت؟ هل طال هذا الضرر المتحرشين فقط أم أنه امتد لأشخاص آخرين لا علاقة لهم بالواقعة ولم يقترفوا ذنبًا؟

بعد انتشار الواقعة طرحت واحدًا من الأسئلة السابقة بصيغة مختلفة على أصدقائي بموقع فيس بوك: هل يحق لفتاة تعرضت لتحرش (لفظي) أن تصور المتحرش وتنشر الفيديو على السوشيال ميديا؟ جاءت النسبة الغالبة من التعليقات مؤيدة لما فعلته الفتاة. إحدى الصديقات، تعجبت من أنني أطرح سؤالًا كهذا من الأساس.

أعذر أصدقائي لأن المناخ النفسي الذي تخلقه مواقع التواصل الاجتماعي يدفعنا -كما أثبتت دراسة نشرتها كلية لندن الجامعية عام 2016- للتحرك مثل "أسراب النحل الغاضب" في الاتجاه الذي تسير فيه الأغلبية.

كان اتجاه نسبة كبيرة من مستخدمي الشبكات الاجتماعية هو: أن الفتاة ضحية، نحن جميعًا متعاطفون معها، حتى لو قررت أن تضرب هؤلاء الشباب بصاروخ مضاد للطائرات، مثلما يفعل زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، حين يعكر أحدهم مزاجه.

إحدى الحقوقيات قالت لي، دون مزاح، إنها ترى أن المتحرش (ولو لفظيًا) يجب أن يتم إخصاؤه. ماذا لو طبقت كل واحدة العقوبة التي تراها مناسبة؟ وماذا لو أصبح هذا أسلوب التعامل من قبل النساء اللاتي يربين أجيالًا وينقلن إليهم ثقافتهن؟

طرح الأسئلة دون قيود، أمر في غاية الأهمية حتى نرى إلى أين نتجه. وكيف يمكن أن نحل مشكلة حقيقية تواجهها المرأة في مصر كل يوم تقريبا؟ المشكلة موجودة فعلًا دون شك. لكن التعاطف الأعمى قد يقود لمشاكل أكبر وأعمق أثرًا داخل المجتمع.

قررت منة أن تأخذ حقها بالطريقة التي تراها مناسبة، وهي التجريس وفضح الشابين على مواقع التواصل الاجتماعي. هناك أضرار غير محسوبة لحقت بكليهما، سوف تمتد لفترة زمنية غير معلومة، وتتجاوز بكثير المدى الزمني، والأذى النفسي الذي تعرضت له الفتاة.

هذه الأضرار قد تطال أفراد أسرتيهما، إلى أي مدى: فسخ خطوبة، طلاق، مشاجرات داخل الأسرة أو مع الجيران أو زملاء العمل قد تنتهي بكارثة، لا أحد يعلم، لقد فضحتهما أمام ملايين المصريين، ووصما بأنهما متحرشان، مدى الحياة، دون حكم قضائي، إنها دمرت مستقبلهما للأبد بقرار منفرد. ربما تكون ضحية للتحرش اللفظي، ولكنها قررت أن تكون معتدية، وبقسوة.

هل منة جبران في وضع جيد الآن تنعم بعدم التحرش اللفظي؟ للأسف لا. لقد استخدم البعض ضدها نفس جنس العقاب، الذي قررت أن توقعه على الشابين، وفي نفس المكان (السوشيال ميديا)، وبطريقة أكثر حقارة ونذالة وتزيفًا مما فعلته هي. والأخطر من ذلك أنها رسخت فكرة، وهي "خد حقك بذراعك"، وهذه كارثة كبرى لو كنتم تعلمون.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز