عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
شاعر بالصدفة

شاعر بالصدفة

بقلم : المستشار أحمد المرشد

نتحدث اليوم عن الفن، لكننا سنخرج عن مشاهيره العظام أمثال سيدة الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، لنحكي حكاية شاعر ولد مغمورا بائسا لينتهي به شاعرا مرموقا، رغم حظه الضعيف في التعليم، حيث اضطرته ظروفه المعيشية الصعبة إلى أن يبدأ حياته "مكوجي" إلى أن قاده الحب ومن بعده الصدفة إلى المجد والشهرة ومجالسة المطربين والمطربات وكبار الملحنين والشعراء في عصره.



فقصة الشاعر سيد مرسي جديرة بأن تروى حقا لنخرج منها بحكمة بالغة، وهي أنه "لكل مجتهد نصيب"، فشاعرنا الذي كتب لشادية ونجاة ومحرم فؤاد ووردة ومها صبري وعفاف راضي تم اكتشافه بالصدفة البحتة، عندما وضع الشاعر الكبير مأمون الشناوي يده في جيب معطفه ذات ليوم لتستوقفه ورقة، وما إن أخرجها وقرأها فوجئ بأنها عبارة عن كلمات رائعة تصلح أغنية عاطفية جميلة، المفاجأة أن الشناوي اجتهد في تذكر متى كتب مثل هذه الأبيات لكنه تأكد أن هذا الأسلوب غريب عليه وليس أسلوبه، فكان سؤاله لنفسه: "كيف وصلت هذه الورقة لجيب معطفه؟".

هداه تفكيره لسؤال خادمته لتعترف بأنها تعيش قصة حب كبيرة مع المكوجي وأنه اعتاد أن يضع لها وريقات بها بعض أبيات مما يكتبه من شعر في جيوب جاكتات الشاعر مأمون الشناوي، وبما أنهما– الخادمة والمكوجي- كانا متخاصمين في المرة الأخيرة فلم تبال بتفتيش جيب الجاكت لتقع الورقة في يد مأمون الشناوي الذي استدعى سيد مرسي واستفسر منه عن الأبيات والكلمات فأكد له أنه الذي كتبها كنوع من التودد للخادمة التي يحبها.

ونحن نتحدث عن تاريخ فناني مصر، نستدل إلى أي مدى كان هؤلاء عظاما في تعاملاتهم، فشاعر في قامة مأمون الشناوي لم يكن يستهزئ بـ"مكوجي" أيا كان مستوى كتاباته، إلا أن هذا الشاعر الذي كتب أروع قصائد الحب لأم كلثوم وشادية ونجاة وغيرهم أصر على أن يكون سلما لمجد وشهرة الكاتب المغمور سيد مرسي، حيث سرعان ما اتصل بالملحن الكبير محمود الشريف وصديقهما المشترك نجم الغناء في هذا الوقت "عبد الغني السيد" لتخرج للناس أغنية من أروع الأغاني المصرية وهي "ع الحلوة والمرة"، حتى إن الشاعر سيد مرسي لقبوه فيما بعد بـ"سيد مرة" تأسيا بعنوان أول أغنية اشتهر بها، فكانت الكلمات رقيقة ومعبرة وهي التي أراد أن يتودد بها لحبيبته الخادمة التي هجرته وطلب من خلالها الصلح. وتقول الكلمات: "ع الحلوة والمرة.. مش كنا متعاهدين.. ليه تنسى بالمرة.. عشرة بقالها سنين.. ع الحلوة والمرة" // "نسيت خلاص عهدنا ونسيت ليالينا.. ونسيت كمان ودنا ونسيت أمانينا.. كان أملي فيك غير كده ليه تنسى ماضينا.. حرام عليك كل ده شمتهّم فينا.. راح تنسى كام مرة.. رح تنسى كام مرة وتفرح اللايمين.. ع الحلوة والمرة.. مش كنا متعاهدين.. ليه تنسى بالمرة.. عشرة بقالها سنين.. ع الحلوة والمرة".

لم يتوقف جهد مأمون الشناوي مع الشاعر الجديد إلى أن تمت إذاعة الأغنية بالإذاعة المصرية آنذاك في اعتراف بنجاحه، وأن الله يهب الموهبة لمن يشاء من خلقه. ومن بين من غنوا له من مشاهير مصر المطربة شادية في أغنية "خليك هنا خليك بلاش تفارق" التي حققت نجاحا كبيرا وقتها، وكذلك محرم فؤاد في "كله ماشي" وقال فيها "ماشي وسلمت أمرى/ ضيعت يا قلبي عمري/ علشان نلقى حبايب يستاهلوا مالقيناش".‏

كما اشتهر سيد مرسي بأسلوب جميل في سرد أغانيه، ومن هنا نفذ بسهولة إلى حناجر عشرات المطربين، لدرجة أن المؤرخين الموسيقيين يحكون أن بليغ حمدي قربه منه بشدة ليكتب أغاني كثيرة لوردة منها أغنية "وحشتوني" التي كانت ضمن أغاني فيلم "حكايتي مع الزمان" ثم اشتركا معا في أكثر من أغنية مثل "اسمعوني" التي حققت بها وردة نجاحا منقطع النظير.. ولأغنية "وحشتوني" حكاية تستحق أن تروي وهي أن سيد مرسي كان في سيارة بليغ حمدي الذي كان يسير بلا وعي فاصطدم بسيارة أخرى حتى أصيب سيد مرسي إصابة خطيرة ألزمته العلاج بالمستشفى لمدة أربعة أشهر كاملة، فكتب عن افتقاده ناسه وأحباءه وعائلته فكانت "وحشتوني".

كما أن سيد مرسي هو كاتب أغنية "احضنوا الأيام" لوردة وعبر بها عن الغدر، ولم تكن عفاف راضي تغيب عنه حيث عنت له "ردوا السلام" وهي من أروع أغانيها التي لحنها مكتشفها بليغ حمدي، وهو الذي جمع هذا الثنائي الناجح– مرسي وراضي– في أكثر من عمل ومنها أغاني فيلم "مولد يا دنيا" الفيلم الوحيد لعفاف راضي وعرف فيه الجمهور ممثلة استعراضية.

ثم كتب أغاني كثيرة لفايزة أحمد ومنها "خليكوا شاهدين على حبايبنا"، كما لم يكن بعيدا عن ميادة الحناوي حديثة العهد بمصر وقتذاك لتكون "وأنا أعمل إيه" بداية التعاون بينهما ثم "أول وآخر حبيب" و"فاتت سنة".

كان الشاعر سيد مرسي صاحب العمر المديد (1887- 1995) خير من عبر بكلماته الرقيقة عن الفراق والغربة، ووصفه محبوه وعشاقه بأنه واحد من أنبل شعراء الأغنية في مصر، حيث لم تغيره الشهرة والمجد والمال واستقر في مقر سكنه بحي "بولاق" الشعبي بوسط القاهرة طوال حياته، حتى بعد أن ذاع صيته واشتهر واكتسب الكثير من المال.

 

* خبير إعلامي ودبلوماسي بجامعة الدول العربية

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز