عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الحج لـ "غير الله" عند الإخوان!

الحج لـ "غير الله" عند الإخوان!

بقلم : هاني عبدالله

فى سبتمبر من العام 2009م، وفى أعقاب عدة مواجهات «صعبة» مع نظام مبارك (السابق)؛ كان أن ألقت الأزمات الداخلية لجماعة «الإخوان» فى مصر بظلالها على «تنظيم الجماعة الدولى».. ومن ثمَّ؛ كانت الجماعة - التى مرّت، وقتئذ، بظروف «تنظيمية» حرجة - تُعانى «نسبيًّا»، على خلفية بعض المطالب «القياديّة» (نسبةً إلى قيادات تنظيمها الدولى) الراغبة فى إعادة ترتيب أوراقها «لائحيًّا»، بما يسمح للتنظيم [ككل]، بتجاوز أزمات «القيادة المصرية».. إذ دارت تلك «المطالب» حول ضرورة تقليص صلاحيات القطاع الأخير (أى: القيادة المصرية للتنظيم)، ولو بشكلٍ محدود.



وفى ظل تلك الأجواء «المُضطربة»؛ ذهب «الراغبون» فى تقليص «هيمنة» مكتب إرشاد القاهرة (إخوان مصر) داخل «تنظيم الجماعة الدولى»، إلى صياغة وثيقة «مُهمة» تطالب بهذا الأمر صراحةً.. وهى أزمة «متكررة» داخل أروقة التنظيم، إذ يُمكننا ملاحظة تَجَدُدها، فى أعقاب كل مواجهة بين «إخوان القاهرة»، و«النظام السياسى» القائم فى مصر.

وفى أغسطس من العام 2010م؛ طار المرشد «محمد بديع» نحو الأراضى المقدسة (مكة)؛ لكى يؤدى العمرة.. وكان فى صحبته أسرته (!).. لكن.. لم تكن «الرحلة»، التى استغرقت نحو «خمسة أيام» فقط؛ لتأدية «النُّسُك» وحده.. إذ التقى «بديع»، خلال تلك الأيام «الخمسة»، عددًا من قيادات الجماعة بالتنظيم الدولى، ومسئولى ما يُسمى بـ«رابطة الإخوان المصريين العاملين بالخارج».. إذ جرى اللقاء، وفقًا للعادة التى استنها «الإخوان» (منذ السنوات الأولى لتأسيس التنظيم)، والتى كانت تستغل الرحلات المقدسة (الحج، والعُمرة)؛ للتغطية على أنشطتها السياسية، وتحركاتها التنظيمية، عبر اتصالات تتخفى وسط زحام، من استطاعوا إلى «بيت الله» سبيلاً (!)

.. وكان أحد الأهداف «الرئيسية» للرحلة – إلى جانب الوقوف على آخر المُستجدات التنظيمية – مناقشة بنود «الوثيقة» حال تنفيذ أيٍّ من جوانبها.

كان مضمون «الوثيقة»، التى تمت صياغتها قبل رحلة «بديع» للأراضى المُقدسة، بنحو 11 شهرًا، تقول:

بعد مرور ما يربو على «رُبع القرن» على أسلوب العمل فى «التنظيم العالمى« (1)، فإن الواجب يقتضى مراجعة «اللائحة» التى تنظم هذا العمل، خصوصًا أن «التحديات الأمنية» قد ازدادت بشكل لم يكن موجودًا مع بدايات العمل، ولم تدخل فى الحُسبان عند إقرار اللائحة.. إضافة إلى عوامل كثيرة قد طرأت تخص الساحتين: (العالمية، والإقليمية)، وتخص عمل الأقطار، ولا يجب تجاهلها.. وأهم هذه العوامل:

(أ)- التفاوت الكبير فى السماح للجماعة بالعمل «العلنى»، والمشاركة الفعالة فى بعض الأقطار يجعل من «غير الطبيعى» أن يتم تحجيمه، أو تعويقه بسبب «ظروف مصر» (أى: ظروف التنظيم المصرى)، التى تعانى مزيدًا من الضغط، والمنع من السفر؛ بما يمنع من مشاركة «طاقات مؤهلة» موجودة خارجها من تحمل المسئوليات - بشكل رسمى - طبقًا للائحة، وهو أمر تسبب فيه «بشكل كبير» النّص الذى يفرض وجود «ثمانية أعضاء» من بلد المرشد (مصر)، فى مكتب الإرشاد العام (العالمى) من بين ثلاثة عشر عضوًا، هم أعضاء المكتب.. وقد تكون المبادرة الأخيرة بوجود إخوة برلمانيين يُمكنهم السفر، والتنقل أمر جيد.. إلا أنها ستظل «مرهونة» بردود فعل النظام.

(ب)- إنّ دور مكتب الإرشاد الحالى لا يتناسب مُطلقًا مع قيادة حركة عالمية؛ بسبب أن جميعهم من المنطقة العربية.. فالأعضاء «غير المصريين» (5 أعضاء)، يتم اختيارهم عن طريق مجلس الشورى (العالمى)، الذى لا يعرف أعضاؤه غيرهم.. وبالتالى؛ فإن معظم لقاءات المكتب تضيع فى أمور المنطقة العربية.

(ج)- الذى يناسب قيادة الجماعة (مكتب الإرشاد) مع توسع الجماعة، وازدياد «رُقعة انتشارها»؛ هو الاهتمام بتناول الملفات الكُبرى من عمل الجماعة، والقضايا «الرئيسية» من قضايا الأمة، من قبيل: «الصراع الصهيونى فى فلسطين»، و«ملفات التربية»، و«التخطيط»، و«التنسيق مع الحركات الإسلامية»، و«العلاقة مع القوى على الساحة العالمية».

(د)- من الضرورى أن يجرى العمل فى مصر بـ«صورة قُطرية» كباقى الأقطار.. وما يتطلبه ذلك من أن يكون لمصر «مراقب عام»، و«مكتب تنفيذى للإرشاد»، ومجلس شورى «قُطرى».. على أن يتفرغ فضيلة المرشد للمسئولية العالمية مع نائبه من داخل مصر.. إضافة إلى أعضاء مكتب الإرشاد العام (العالمى) الذين يتم اختيارهم من مصر.. و«المقترح»؛ ألا يكون عددهم «ثمانية»، بل أقل.. على أن يكونوا متفرغين لمهمتهم «العالمية».

(هـ)- أما بخصوص اللائحة، وأساليب العمل؛ فهناك مقترحات عدة مطروحة للتعديل، والتطوير.. على سبيل المثال؛ المقترح التالى للدراسة، كنموذج لأى مقترحات أخرى فى هذا الخصوص:

أولاً: تقسيم الأقطار «الأعضاء فى التنظيم العالمى» إلى (مناطق جغرافية)، على الشكل التالى:

• منطقة «شرق العالم العربى»، وتشمل: العراق - الأردن - سوريا – لبنان.. إضافة إلى دول الخليج.

• منطقة «غرب العالم العربى، وأفريقيا»، وتشمل: مصر - ليبيا - تونس - الجزائر - موريتانيا – السودان.. و«دول أفريقيا» الأخرى.

• منطقة «آسيا»، وتشمل: دول آسيا كلها - أستراليا – اليابان.. ويمكن تقسيمها إلى منطقتين إذا دعت الحاجة.

• منطقة «الغرب»، وتشمل: الأمريكتين وأوروبا.

ثانيًا: على أن تكون أساليب العمل فى هذه المكاتب، وفقًا للقواعد التالية:

• تكون هذه المكاتب مسئولة عن «إدارة العمل» فى مناطقها، ويتشكل لها «مجلس شورى»، و«مكتب تنفيذى»، وأن تنتقل إليهما (أى: المجلس، والمكتب) اختصاصات مكتب الإرشاد العام، ومجلس الشورى العام.. على ألا تتجاوز هذه الاختصاصات حدود المنطقة.

• يقوم مكتب كل مجموعة بإنشاء أجهزته، وترتيب لقاءاته، ورسم سياساته؛ وفقًا للوائح محددة يعتمدها مكتب الإرشاد العام.

• يكون «مسئولو المكاتب» أعضاءً فى مجلس «الشورى العام»، بحُكم مناصبهم.. كما يكونون أعضاءً فى مكتب الإرشاد العام.

• يقوم مكتب المجموعة بعرض محاضر لقاءاته، وما يصدر عنه من قرارات بـ«صفة دورية» على مكتب الإرشاد العام؛ للعلم بها.. ولضمان مطابقة «السياسات المُتّبعة» للسياسات العامة للجماعة.

• تُنشئ كل مجموعة «أمانة فرعية» تقوم على حفظ مستنداتها، وأوراقها.. وتكون صلة مكتب الإرشاد العام والأمانة العامة للجماعة بهذه المجموعات عن طريق هذه الأمانات الفرعية.

• فى حالة حدوث خلاف داخلى، أو نزاع بين دول المجموعة الواحدة أو فى قطر واحد منها، بما يستدعى تدخل مكتب الإرشاد فى حال عجز مكتب المنطقة عن الحل؛ فإنه يمكن إحالة الأمر إلى «محكمة الجماعة»، أو تكوين لجنة من عضو أو أكثر إضافة إلى المكتب الموجود فى المجموعة الإقليمية؛ لحسم الأمر حتى لا يُشغَل «مكتب الإرشاد العام» عن دوره على المستوى العالمى.

• تقوم كل مجموعة بوضع خطة تمويل ذاتية لها.. كما يتم التنسيق بينها، وبين «المجموعات الجغرافية الأخرى» عن طريق «الإرشاد».

وبعيدًا عن الاستغراق فى تفاصيل الوثيقة (نحو 9 صفحات).. فإنّ إعادة قراءتها فى الوقت الحالى؛ ربما يرسم أمامنا - بمزيد من الوضوح - العديد من التقاطعات السياسية «شبه المُلغزة» داخل منطقة «الشرق الأوسط».. خصوصًا فيما بعد – وأثناء - ما اصطلح على تسميته بـ«ثورات الربيع العربى»، إذ امتدّت تداعيات «مناقشة تلك الوثيقة» - التى فرضت نفسها على زيارة المُرشد للأراضى «المُقدسة» – بعمق «تاريخى»، نحو العشرات من «اللوائح الداخلية» الأخرى، التى رسمت طريق الجماعة، على المستوى الدولى.. وكيف انتقلت الجماعة، فيما بعد، من «بيت الله» – عبر استغلال «رحلات الحج، والعمرة»، فى الترويج لدعوتها بين «حشود المؤمنين» - إلى أحضان «البيت الأبيض»، والترويج لنفسها كقوة إقليمية، يُمكنها إحكام قبضتها، على دول المنطقة (!)

إذ لم يكن من الغريب - بأى حال من الأحوال - أن يحمل مرشد الجماعة (بديع) معه شيئًا من بنود تلك المطالب لقيادات التنظيم، و«الرابطة» – قبل 4 شهور فقط، من أحداث 25 يناير 2011م - خلال رحلته للأراضى المقدسة.. وذلك لسببين:

الأول: إنّ الرابطة (رابطة الإخوان المصريين العاملين بالخارج) كانت تُمثل بامتدادها الدولى نقطة ارتكاز «مهمة» فى الحد من مطالب تقليص صلاحيات «التواجد المصرى» داخل تنظيم الجماعة الدولى، إذ باتت «الرابطة» بمثابة «مركز ثقل» دولى لـ«مكتب إرشاد القاهرة» من دون فروع التنظيم الأخرى.. ومن ثمَّ.. يمكن استغلالها – عند الحاجة – لاستعراض قوة «إخوان مصر»، وأنهم أصحاب المركز الأقوى داخل التنظيم، إجمالاً.. وهو ما بدا، أكثر من مرة - فى مطالب تم تحريكها من داخل الرابطة – حول ضرورة إشراكهم، بشكل أكبر، فى العمل «العالمى» للتنظيم (2).. وذلك؛ فى مقابل تكرار دعوات «تقليص الصلاحيات» تلك، من قِبل الجماعات التابعة لـ«التنظيم الدولى».

والثانى: إن الامتداد الجغرافى، المتاخم للأراضى المقدسة، كان بمثابة البؤرة الأكثر أمانًا فى إتمام العديد من اللقاءات التنظيمية «الموسعة»، حيث يُصبح من الصعب رصد مثل تلك اللقاءات «أمنيًّا» فى ظل الحشود «الغفيرة» لجموع السائلين، والساعين نحو تأدية الفريضة، والشعائر «المتممة» لها (!)

.. وهى السُّنّة التى استنها – ابتداءً – الشيخ «حسن البنا» (المُرشد المؤسس للتنظيم)، إذ اهتمَّ الشيخ، منذ اللحظة الأولى لتأسيس التنظيم (بدعوى: أنّ الجماعة جاءت لتعظيم شعائر الله، كما هو واردٌ بلائحتها الداخلية فى العام 1928م)، بأن تكون الأرض التى شهدت ميلاد الدعوة الأولى (دعوة الإسلام) هى الأرض، نفسها، التى ستنطلق منها دعوة «إخوان مصر» للبلدان الأخرى، كافة؛ عبر «التواصل المباشر»، مع زائرى البقاع المُقدّسة (وذلك بعد أن أضحى الإسلام – وفقًا للتصور الإخوانى – غير موجود فى العصر الحديث!)... وبالتالى.. حرِص «البنا» على تشجيع إخوانه؛ للاستعداد لأداء «النُّسُك» بكل عزم.. وعلى هذا.. ألَّف لجانًا «خاصة»، تكون مهمتها الرئيسية التنسيق لمثل تلك الرحلات.. فضلاً عن صوغ الطريقة «المُثلى» التى يدّخر بها كلُ أخٍ من ماله؛ لتحقيق هذا الغرض.. وأن تكون فى كل منطقة لجنة فرعية تُسمى «لجنة الدعاية للحج»؛ لتشجيع أفراد صف الجماعة على نشر أفكارها (أى: أفكار الإخوان) بين جموع الحجاج، فى أعقاب أداء الفريضة (!)

وبحسب الوقائع التاريخية.. كان أن اجتمع مجلس شورى الإخوان فى القاهرة - خلال الفترة من 16 إلى 18 مارس من العام 1935م – ليكون من بين قراراته (أى: قرارات «شورى الإخوان»)، التى تم اعتمادها، وقتئذ: تأليف لجنة من: الشيخ محمد الهادى عطية (رئيسًا)، وعبد الرحمن أفندى رضا (سكرتيرًا).. وعضوية كلٍّ من: «الشيخ محمد العربى، والشيخ سيد محمد مطر، والشيخ مبارك غنيم، والشيخ أحمد منصور، والشيخ محمد على صالح خميس، ومحمد أفندى الطاهر منير»؛ لوضع أول لائحة للحج عند الإخوان.. وهو ما تم بالفعل.

وظلت الجماعة تعمل بهذه اللائحة (كانت تتألف من 10 بنود)، حتى العام 1944م، إذ شهد ذلك العام إدخال تعديلات «نوعيّة» على اللائحة الرئيسية، بما يسهم فى زيادة إقبال «أفراد الصف» على الحج (ترغيبًا، أو ترهيبًا)؛ للاعتماد عليهم بصورة أكبر فى نشر أفكار الجماعة (!)

وتدريجيًّا.. وفى أعقاب ما يُعرف فى الأدبيات الإخوانية بـ«محنتى: الخمسينيات، والستينيات» (الفترتان اللتان شهدتا أحداث «المواجهة» بين الجماعة، و«النظام الناصرى» فى مصر)، شكلت، أيضًا، الأراضى المقدسة – فضلاً عن دول الخليج العربى الأخرى – نقطة تمركز رئيسية للفارين من نيران المواجهة، حيث بدأت القيادات الإخوانية «المصرية» فى إعادة تنظيم صفوفها (حركيًّا، ودعويًّا) من داخل هذا الامتداد «الجغرافى» المُتسع.. وباتت «المملكة العربية»، بما تشمله من «بقاع مقدسة» نقطة انطلاق جديدة للجماعة – فضلاً عن الجانب التمويلى – إذ أسهمت حركة التفاعل مع «صفوف الحجيج»، والدارسين للعلوم الشرعية بـ«المملكة» فى الترويج لأفكار الجماعة على نطاقٍ أوسع.. وهو ما تزامن، كذلك، مع حركة دؤوبة، ونشطة لقيادات الجماعة، و«المتأثرين بأفكارها» على النطاقين: الأوروبى، والأمريكى.

.. ومن ثمَّ؛ باتت عملية تنظيم حركة، و«أنشطة الجماعة»، على المستوى الدولى، وتضمينها فى لوائح «داخلية» (سرية، أو شبه سريّة) تأخذ طريقها للتنفيذ بشكل أكبر.. وكان مما تمخضت عنه عملية التنظيم تلك – خاصة خلال العقود الثلاثة التالية لمرحلتى المحنة – وضع اللائحة العالمية للتنظيم، التى نصت بنودها على الاحتفاظ بـ«نصيب الأسد» من مقاعد «مكتب الإرشاد العالمى» للقيادات المصرية (8 من أصل 13 عضوًا).. ومع اتساع «رُقعة التنظيم»، فى وقتٍ تالٍ؛ أصبحت تلك «القِسمة» محلاً للعديد من المطالب «الداخلية» الراغبة فى الحد من «الهيمنة المصرية» على مُقدّرات التنظيم.

وما إن بدا فى الأفق – عبر العديد من قنوات الاتصال بين قيادات التنظيم، والإدارة الأمريكية (3) – أنّ ثمة رياحًا للتغيير ستلقى بظلالها على الشرق الأوسط فى القريب؛ كان أن تجددت (4) مطالب تعديل اللائحة الداخلية للتنظيم العالمى، بما يتوافق والمُتغيرات الدولية «المرتقبة».. وهو ما ألقى – قطعًا – بظلاله الكثيفة على مقترحات «الوثيقة» التى عرضنا بنودها سابقًا.. فالملاحظة «الجوهرية»، التى لم تُكتب، بشكل مباشر، داخل الوثيقة (المُقترح)؛ هى أن الجماعة تريد أن تُرسّخ صفتها «العالمية»، قفزا فوق ما تقوم به فى مصر.. أى أنها سوف تجعل من مهمتها فى مصر (جزءًا من كل).. ولنا، هنا، عدة ملاحظات:

أولاً: إن أصحاب «التفكير القُطبى» – نسبة إلى «سيد قطب» – ممن سعوا، من حيث الأصل؛ لتأسيس «التنظيم الدولى»، لم يتراجعوا أمام توجهات أكثر «انفتاحًا» – كما يبدو من الوهلة الأولى عند مطالعة الوثيقة – رغم احتكاك العديد من قيادات التنظيم والعديد من الأفكار الغربية داخل العمقين: «الأوروبى، والأمريكى».. بل عاد أصحاب هذا التفكير - القائم على «عالمية الدعوة»، والسعى لتأسيس «الخلافة الإسلامية» - لترسيخ وجودهم، وتوجهاتهم؛ تأسيسًا على إعادة تقديم «التنظيم» فى صورة تتلاءم والمتغيرات الإقليمية، والدولية التى ستشهدها منطقة «الشرق الأوسط» فيما بعد، إذ لم تختلف توجهات القيادات الأوروبية «حقيقةً» فى جوهرها، ومضمونها عما تُنادى به القيادات المصرية (وريثة التوجهات «القُطبية» التى وضعت – ابتداءً – بذرة التنظيم الأولى).. وهو ما كشف عنه، بوضوح، العديد من الأوراق التنظيمية، وخطط العمل داخل المجتمع الغربى.

ثانيًا: حديث الجماعة عن التواصل من خلال «التنظيم الدولى» مع «التنظيمات الإسلامية الأخرى»، كان يؤشر – بشكل لافت – نحو أنَّ كاتبى [المقترح/ الوثيقة] كانوا يسعون بكل قوة؛ لأن يستعيد التنظيم قبضة السيطرة على «الحركة المتطرفة» دوليًّا، بعد سنوات من بزوغ «تنظيم القاعدة» فى صورته العالمية، وقيادته لأصوات «العُنف الدينى».. الأمر الذى يقطع – بالتبعية – بأن ثمة عناصر داخل تنظيم الجماعة الدولى، كانت على «علمٍ مُسبق» برغبة «الولايات المتحدة الأمريكية» فى الارتباط سياسيًّا بالتنظيم (أى: تنظيم الإخوان)؛ بزعم احتواء تيار العنف المسلح داخل الحركة الإسلامية .. وهو البرنامج الذى أخذت «إدارة أوباما» على عاتقها تنفيذه(5).. لذلك.. كان أن حاكت طريقة «التقسيم الجغرافى» التى اقترحتها الوثيقة - إلى حدٍّ بعيد - التوزيع الجغرافى الذى يعمل من خلاله «تنظيم القاعدة» (!)

ثالثًا: ما يدعم الملاحظة السابقة – يقينًا – هى تلك الحال التى نشأ خلالها «تنظيم القاعدة»، من حيث الأصل.. أى حينما قاد «تحالف الإخوان الدولى» (برعاية أمريكية) عملية تجنيد الشباب للجهاد فى «أفغانستان» ضد «الاتحاد السوفيتى»، مما أدى إلى نشوء ظاهرة «الأفغان العرب»، التى أفلتت بمضى الوقت من «سيطرة الإخوان».. وذلك؛ بعد أن أنتجها أشهر مُجَنِّد للشباب العربى «الإخوانى الفلسطينى عبد الله عزام» (أستاذ أسامة بن لادن)، قبل أن يُقتل بأيدى بعض من جندهم.

رابعًا: فى ضوء التفاصيل التى تم الكشف عنها، مؤخرًا، حول برنامج الارتباط بين «إدارة أوباما» وقوى الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط – يُمكننا الجزم بأن الرهان، هنا (بغض النظر عن دقة مضمونه) كان على قدرة تنظيم الجماعة الدولى فى الانتشار على المستوى العالمى، واجتذاب «القطاع الأكبر» من الحركة الإسلامية؛ لتصطف من خلفه.. إذ إن محور هذا التصور، من حيث الأصل – وفقًا لبرنامج الارتباط الأمريكى – كان فى قدرة حفاظ الجماعة (الإرهابية) على خطابها – الذى يبدو معتدلاً (!) – حتى النهاية.. ونقصد هنا؛ الخطاب الذى احترفت قيادات التنظيم فى كلٍ من: «أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية»، تصديره للحكومات الغربية.

خامسًا: يبدو واضحًا من مضمون الوثيقة أن مقترحات تقليص العضوية (بشكل عام) فى كل من: مكتب الإرشاد العالمى، ومجلس الشورى العالمى؛ يرجع لأسباب «أمنية» بحتة.. أو بمعنى أدق: لأسباب «تأمينية» بحتة، إذ يفترض هذا التقليص: بقاء أسرار التنظيم العليا فى أضيق نطاق، إلى النهاية؛ حفاظًا على طبيعة «المهام» المُوكل للتنظيم تنفيذها، مستقبلاً.

سادسًا: لا شك أنّ مقترح تقليص أعداد المصريين بمكتب الإرشاد العالمى كان يعكس رغبة «مُلحة» فى التحلل – بشكل تدريجى – من هيمنة «إخوان القاهرة» على مقدرات التنظيم الدولى.. لكن.. أوضحت العديد من المعلومات الواردة من داخل التنظيم، أن قيادات مكتب إرشاد القاهرة، كانت حريصة كل الحرص على ألا تُفرّط فى أمر احتفاظها بالأغلبية «المطلقة» داخل مكتب إرشاد التنظيم العالمى.. لذلك أصدر «بديع»، فى وقتٍ لاحق، على كتابة الوثيقة (المُقترح) قرارًا جديدًا باعتماد ممثلى القاهرة الثمانية داخل مكتب الإرشاد العالمى، من دون الالتفات لطموحات قيادات التنظيم بأوروبا (حدث هذا فى إبريل من العام 2010م).. وهو القرار الذى شمل مضمونه إلحاق «د. محمد سعد الكتاتنى» بمكتب الإرشاد العالمى، كممثل مصرى «ثامن»، إلى جوار كُلٍّ من: إبراهيم منير، ومحمود حسين، ومحمود عزت، وخيرت الشاطر، وجمعة أمين عبد العزيز، ورشاد البيومى، ومحمد مرسى.

ربما تعكس الأجواء المتعلقة بـ«الوثيقة» السابقة، حجم «برجماتية» الجماعة على مستويى: (الأفكار والممارسة) إلى حد بعيد.. لكن.. لا شك، أبرز ما تعكسه من «براجماتية»، هو تدثر التنظيم بتأدية «الفرائض والمناسك الدينية» (الحج والعمرة)؛ لتحقيق أغراض تنظيمية بحتة.. إذ يُمكننا – هنا - أن نَتفهّم: لماذا حمل «بديع» أمر الوثيقة معه خلال رحلته للأراضى الحجازية، وقتئذ؛ لعرضها على قيادات «رابطة الإخوان المصريين العاملين بالخارج».. إذ يُمثّل الامتداد العالمى للرابطة – كما أوضحنا سابقًا – إحدى «نقاط الارتكاز» بالنسبة لـ«إخوان مصر» فى استعراض القوة داخل التنظيم (ككل)، والتأكيد على أن «إخوان مصر» هم عنصر الدفع الرئيسى فى بناء التنظيم.. وهى دائرة كانت تتحلق-كذلك- داخل ما يسمى «الاتحاد العالمى» الذى أسسه الشيخ المثير للجدل «يوسف القرضاوى».

.. وفيما جرت العادة على أن تكون اجتماعات تلك «الرابطة» (حتى وقت أخير) خلال موسمى: الحج أو «عمرة رمضان».. فإنّ الجماعة – ترجيحًا – لم تتخل عن تلك العادة [الاستغلالية] خلال الأيام القليلة الماضية (!).. إذ كثيرًا ما كان الحج داخل الجماعة لـ«غير الله» (!)

 

الهوامش

(1)- بدأ العمل – فعليًّا - على تأسيس كيان دولى للجماعة، بمعرفة القيادات القُطبية للتنظيم (نسبة إلى «سيد قُطب») فى النصف الأخير من سبعينيات القرن الماضى.. ثمّ وضعت اللائحة «المؤقتة» لهذا التنظيم، فى بداية الثمانينيات (29 يوليو 1982م).. ثمّ تم اعتماد اللائحة «الأساسية» للتنظيم الدولى فى 12 إبريل من العام 1994م، فى عهد مرشد الجماعة الأسبق «محمد حامد أبو النصر».

(2)- لمزيد من التفاصيل عن مثل هذه المطالب؛ يمكن مراجعة كتابنا: ( كعبة الجواسيس : الوثائق السرية لتنظيم الإخوان الدولى)، (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 2015م).. فصل بعنوان: [رابطة المشتتون فى الأرض].

(3)- كعبة الجواسيس (مصدر سابق).

(4)- استخدمنا هنا لفظة (تجددت)؛ لأن هذا الأمر تم طرحه فى السابق، أكثر من مرة.

(5)- Pete Hoekstra (*): Architects of Disaster: The Destruction of Libya (The Calamo Press)- october 2015.(*)the former chairman of the House Permanent Select Committee on Intelligence.

  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز