يقولون ما لا يفعلون
بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى
(كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)، صدق الله العظيم، سؤال يُحيرني، كيف يستطيع الإنسان أن ينظر إلى نفسه في المرآة، وهو يُردد أقوالًا لا يفعل منها شيئًا واحدًا، هل يشعر حينها بأنه يستحق احترام من حوله، أو على الأقل يستحق احترام نفسه؟!
فالإنسان لكي يستحق أن يُلَقَّب ويُنْعَتَ بالإنسانية، فرقم واحد، لا بد أن يكون لديه كلمة يحترمها مهما حدث، ومهما عاندته الظروف؛ لكي يشعر بالفخر بذاته وبكيانه، ولكي تكون له هيبته وسط من حوله، ولكي يكتسب أهم صفة بشرية عند أقرانه، وهي "المصداقية"، فكيف يكون محل ثقة بين الناس، وكيف يثق في نفسه، وفي سلوكه، وهو يتحدث بمنتهى السهولة؛ والسبب ببساطة، أن الكلام لا يُفرض عليه ضريبة، أما الفعل فهو دائمًا له ثمنه وضريبته.
وبالقطع، فالحياة فيها من يدفع الضريبة، وفيها من يتهرب من دفعها، ولكي يكون الإنسان قويًا، ومحل تقدير، لا بد أن يكون صاحب كلمة وميثاق ورأي، وهذا ليس كلام المنطق فقط، لكنه كلام المولى عز وجل، فليتنا نُفكر قبل أن نتكلم، هل لدينا القُدرة على تنفيذ ما تفوهت به ألسنتنا، وقبل أن نُطلق التصريحات، ونكتب المانشيتات، علينا أن نُفكر أولًا، هل هي قابلة للتنفيذ أم لا؛ لأن هذا هو ما سيحُدد مسارنا، سواء أمام أنفسنا، أو أمام الآخرين.
فالمسألة لا تُقاس فقط بلحظة القوة والنشوة، التي تنتابنا أثناء الحديث، فللأسف، الكلمات لها بريقها وسحرها، سيما لو نُطقت أمام من يهُمنا شكلنا أمامهم، أو لو كانت بهدف جذب الآخرين، والتأثير عليهم، ولكن بمجرد أن ندخل في حيز التنفيذ، وتتحول الكلمات إلى سراب، يسقط القناع، وتذوب الكلمات وتتبخر في السحاب، ويفقد الإنسان نفسه، ومن حوله، وهنا تنطبق عليه جملة "يقولون ما لا يفعلون".