عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
رحلة شادية ما بين "قولوا لعين الشمس وخلاص مسافر"

رحلة شادية ما بين "قولوا لعين الشمس وخلاص مسافر"

بقلم : المستشار أحمد المرشد

نواصل اليوم حكايتنا مع الطرب وعالم الأغاني عن المطربة المصرية الجميلة شادية صاحبة الوجه الملائكي الرقيق التي لا يزال جمهورها المصري والعربي يتذكرها في أغنية «مصر اليوم في عيد» في احتفالات تحرير سيناء في أعقاب معاهدة كامب ديفيد.



وكانت وقتها الأغنية الأشهر خاصة عندما تألقت في أدائها وكأنها تغني لحبيب، فتألقت شادية في هذه الأغنية وكأنها فتاة لم تتعد الأربعة عشر عاماً، فكل ما فيها غني، خدودها وعيونها وقلبها، واشتهرت وقتها بهز شعرها في الهواء من فرط فرحتها وذوبانها في الغناء وكأنها تؤدي قصيدة شجن، فكان الوطن عندها هو الحبيب والمبتغى.. أما أغنيتها الوطنية التي لا تتأثر بزمن هي «يا حبيبتي يا مصر» التي يشدو بها المصريون في كل مناسباتهم الوطنية، حتى أنها كانت الأغنية الأكثر غناء في ثورة 30 يونيو 2013 عندما أطاحوا بحكم جماعة «الإخوان» التي حاولت سلب المصريين حرياتهم ومستقبلهم، فكانت شادية المعتزلة حاضرة بصوتها وتاريخها في كل ميادين مصر.

ورغم شهرة شادية بـ«الدلوعة» حيث أدت في معظم أفلامها أدوار الفتاة الأرستقراطية الرقيقة، وغنت أغاني خفيفة يرددها كل عرسان مصر في أفراحهم وأشهرها «مكسوفة» و«يا دبلة الخطوبة» وغيرها، فكانت لأغانيها الوطنية صداها لدى جمهورها.

ومن أشهر أغاني شادية أغنية «قولوا لعين الشمس» وهي من الفولكلور المصري ولكن أعاد كتابتها الشاعر والفنان التشكيلي مجدي نجيب بعد أن ألح عليه الملحن بليغ حمدي أن يكتب أغنية مخصوصة لشادية وأسمعه لحنا كان قد قام بتلحينه مقدما لكي يكتب عليه الكلمات. المهمة كانت صعبة للغاية لمجدي نجيب فهو فنان وشاعر وليس مؤلفا للأغاني ورفض مرارا فكرة كتابة أغاني لمطربين ومطربات خشية التأثير عليه بحذف هذا وذاك، وليقينه بأن مؤلف الأغاني ربما يخضع لأهواء المطرب أو المطربة قياسا لما سمعه من بقية زملائه المؤلفين، فكان يرفض أي عرض في مهده ولا يقبل به، إلا أنه استساغ فكرة بليغ حمدي ليخرج بكلمات أغنية «قولوا لعين الشمس» التي تألقت فيها شادية وغنتها عام 1966 لتكون الأشهر وقتها. وتغلب مجدي نجيب على خوفه وأبدع ليخرج بكلمات خير من عبرت عن فراق الحبيب، وتنم عن إحساس عالٍ بالفراق والخوف على المحبوب لدرجة أن الحبيبة تتمنى من الشمس ألا تبث حرارتها غدا خوفا على حبيبها المسافر: «قولوا لعين الشمس قولوا لعين الشمس ما تحماشي احسن حبيب القلب صابح ماشي ماشي حبيبي ماشي ماشي بكره ماشي.. يا حمام يا طير قابله قوام يا حمام خلي له الشمس حرير يا حمام ويا ناس لو غاب ياناس خلوه يبعتلي سلام دي الآه يقولها وهو ما يدراشي وف بعده طعم الدنيا ما يحلاشي قولوا لعين الشمس ما تحماشي». وتتواصل كلمات الأغنية التي سبق وأن غنى المصريون مطلعها لبطلهم القومي إبراهيم الورداني الذي أعدم شنقا في 19 مايو 1910 لإدانته بقتل بطرس غالي رئيس وزراء مصر آنذاك انتقاما على حكمه الجائر – كان وقتها قاضي المحكمة في واقعة «دنشواي» - بإعدام أربعة فلاحين مصريين والأشغال الشاقة المؤبدة على اثنين آخرين والسجن 15 سنة على أحدهم، والأشغال الشاقة لمدة 7 سنوات على 6 آخرين، غير أحكام أخرى بالجلد 50 جلدة على 8 من أهل القرية، بتهمة قتل ضابط إنجليزي، مات جراء إصابته بضربة شمس، في أثناء قيامه وأربعة من زملائه في يوم صيفي قائظ برحلة لصيد الحمام من أبراج قرية دنشواي بمحافظة المنوفية.

فقد استعد المصريون لليلة إعدام هذا الشاب ببيت شعر يقول «قولوا لعين الشمس ما تحماشي لحسن غزال البر صابح ماشي» في إشارة إلى إبراهيم الورداني الذي انتقم من صلف الإنجليز وتحكمهم في العباد، ولما شعر به بأن القاضي بطرس غالي تم مكافأته ليتولى منصب رئيس وزراء مصر، في واقعة لم تتكرر في الحياة السياسية المصرية لما قدمه للاحتلال من حكم جائر بحق بني وطنه المصريين. وقد خرج المصريون في عرس جماعي ليلة تنفيذ حكم الإعدام في الورداني ليودعوا بطلهم الشاب مرددين في إيقاع فريد أخرجوه من جراب تراثهم الشعبي: «قولوا لعين الشمس ما تحماشي لحسن غزال البر صابح ماشي».

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يغني فيها المصريون «قولوا لعين الشمس»، حيث كانت مطلع أغنية شعبية غنوها أيضا لبطلهم سعد زغلول عشية نفيه خارج البلاد وقالوا فيها «قولوا لعين الشمس ما تحماشي لحسن رئيس الوفد صابح ماشي».

وقد تعرضت شادية بعد إذاعة الأغنية لسخرية شيخ شهير جدا كان ناقدا لاذعا للسلطة في مصر ولكل المطربين تقريبا، وهو الشيخ كشك الذي لم يسلم من لسانه حتى الرؤساء، فسخر من كلمات الأغنية وكيف تطلب شادية من الشمس ألا تكون حامية غدا، فمثل هذا الطلب شأن من شؤون الخالق وحده، وهاجم مجدي نجيب بضراوة لأنه تجرأ وأمر الشمس ألا تكون حامية حتى لا تؤذِ عيون حبيبها ووصفه بـ«الزنديق» الذي يأمر مخلوقات الله وكأنه من خلقها. ونسي الشيخ كشك أن الإبداع ربما يتطلب استعارة بعض المعاني والمضامين. وكانت أغنية «غاب القمر يا بن عمي» لشادية أيضا مسار سخرية الشيخ كشك بقوله لشادية: «لماذا تأخرتِ يا شادية مع ابن عمك حتى غاب القمر وأين كنتما حتى الفجر».

ولم ينس المصريون شادية في مظاهرات أيام «الجمعة» التي خرجوا فيها ليعبروا عن غضبهم من حكم الإخوان، وكانوا يغنون «قولوا لعين الشمس» حتى تمر المظاهرات بدون أي ألم للمتظاهرين. فهكذا هم المصريون يواصلون غناءهم في كل الأوقات، ولكل مناسبة الأغنية التي تتماشى معها، وتظل شادية المطربة الأولى في قلوب المصريين في هذا المضمار، ولا ننسى مشاركتها في أغنية «وطني حبيبي وطني الأكبر» مع عبدالحليم حافظ ونجاة ووردة وفايزة أحمد، بمناسبة الاحتفال بثورة 23 يوليو الخالدة.

وبمناسبة «قولوا لعين الشمس» والخوف على الحبيب من حرارة الشمس، فقد غنت شادية أغنية من أروع ما تعبر به الحبيبة عن لوعة فراق من تحبه وذلك في أغنية «خلاص مسافر» التي تحرك القلوب الساكنة والأحاسيس المتجمدة، ويكفي بدايتها الصعبة والمؤلمة على قلب كل ما فارق حبه، فقد عبرت عن شجون الوحدة والغيرة وضياع الأمل في عودة نار الحب والقلب والصدر الحنون، وتحدثت عن الذكريات التي كانت جميلة وكم تتمنى عودته.. وذلك في كلمات تقول: «خلاص مسافر مسافر مسافر صحيت في يوم من الأيام حسيت إني يا عيني غريب حسيت بغدر الصحاب والي افتكرته حبيبي أصبح أنا غريب غريب ولا حد جنبي قريب.. خايفة لما تسافر على البلد الغريب آه تنسى إنك فايت في بلدك حبيبي مستني بأشواق تعباه تعباه تعبان من الفراق ومولعلك شمعة نورها مستنيك.. آهو في عيونه دمعة إمسحها بإيديك كان نفسي أكون جنبك حبيبة من بلدك تسهر على راحتك تفرحلك في فرحك وتقاسمك في جرحك والهم تشيله عنك خايفة تلاقي وردة تحلو في عينيك تنساني وتميل تقطفها بإيديك وتجرحك الأشواك وتتعذب هناك اقطفها بإيديا وما تجرحش إيديك سيب الجرح ليا وخلي الفرح ليكبس إرجعلي تاني تاني تاني تاني تاني من البلد الغريب».

وبمناسبة شادية التي تمناها قلب كل مصري حبيبة له، يحضرني حكاية لصديق صحفي من فرط حبه وعشقه لشادية بما يحمله وجهها من جمال فائق وعيون ساحرة وخدود وردية وروح ملائكية، فقد قرر ألا يتزوج سوى شادية.. بمعنى أنه سيبحث عن شبيهة لشادية في كل مكان، حتى قادته الصدفة إلى زميلة في دورة دراسية بعد تخرجه تكاد تكون هي شادية بكل ما تملكه من أوصاف ساحرة، واقترب منها وشعرا معا بكيوبيد الحب يضرب قلبيهما، حتى أن زملاءه في نفس الدورة أشبعوه حسدا على فوزه بقلبها وجمالها ووصفوها بأنها «فولة وانقسمت نصفين»، في إشارة إلى شدة شبهها من شادية، ولكن يبدو في نهاية المطاف أن العائق المادي وقف حائلا دون اتمام الحب بالزواج ليفارق صديقي «شاديته بجمالها وعيونها وشعرها وروحها» لينخرط في عمل وراء عمل ليكتشف في نهاية الأمر أنه عندما وجد المال طارت الحبيبة، ولم لا؟ فمثل شادية لا تنتظر ففرسانها كثر.

إنها شادية – أيقونة الحب – التي من فرط حبها لحبيبها تتمنى جرح يدها هي حتى لا تصاب أيدي حبيبها بشوكة إذا قطف وردة، ولدى صديقي كل الحق في أنه لا يزال يعشقها ويستمع لأغانيها يوميا، ورغم اكتساء شعره باللون الأبيض إلا أنه يعيش على حبه الضائع ويتمنى أن تعود به الأيام ليعانق حبيبته شادية التي أحبها وتغنى بجمال قدها وخدودها وعيونها حتى أن صوتها الرقيق يرن في أذناه حتى يومنا هذا.

 

*خبير إعلامي ودبلوماسي بجامعه الدول العربية

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز