عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الشائعات الغائصة والزاحفة والعنف المفاجئ

الشائعات الغائصة والزاحفة والعنف المفاجئ

بقلم : د. فاطمة سيد أحمد

تتصدر الشائعات المجتمع فى حالات الحروب وتزيد فى أوقات السلم أو الوصول إلى الاستقرار.. وتشخيص حالة الشائعة يخضع لعاملين: الأول هو الوعى والإدراك المعرفى، والثانى الحالة الضميرية.. وتوصف الشائعة بأنها مغرضة ولكنها تنتهى إذا ما وجدت ردا سريعا على وأدها، ولكننا دائما ما نتساءل عن سلوكيات أو رد فعل المواطن تجاه أى شائعة؛ هل لدينا وعى بالحروب النفسية الواردة إلينا خارجيا وداخليا؟ وهل تنشط الشائعة فى مناخ يتيح ترديدها حتى ولو بنقدها أو عدم قبولها؟ ما هو السلاح الذى يجب أن نحارب به الشائعة؟ 




قبل الإجابة على ذلك.. نقف عند معرفتنا بالأوقات التى تزدهر فيها الشائعة ومنها تواريخ قديمة وحديثة فى أوقات مثل حربىّ ٦٧ و٧٣ وما قبلهما، وأيضًا فترة اتفاقية السلام والتشكيك فى مصداقيتها وجدواها.

وأيضًا فى تاريخ حديث عام ٢٠٠٥ تحديدا، وقت الترشح للرئاسة وتعديل الدستور حيث قام الإخوان بإشاعة حوادث مرتبطة بالمدارس على وجه الخصوص لإثارة الذعر فى المجتمع، أولها كان بمركز إدكو التابع لمحافظة البحيرة وهى مدينة صغيرة يشتهر أهلها بنقل الخبر بسرعة فائقة وعليه أوعز الإخوان لبعض فتياتهم «الطالبات» بالمرحلتين الإعدادية والثانوية أن يمثلن دور الإغماء فى أوقات متقاربة وبمدارس عدة فى أيام متتالية لإثارة الذعر بين الأهالى بأن هناك شيئا ما تم انبعاثه فى الهواء تسبب فى ذلك وعندما نقلت الطالبات للمستشفى وتم إجراء الكشف عليهن وإعلان عدم وجود شيء البتة لدى هؤلاء الفتيات لينشر بعد ذلك أنها ربما تكون حالة نفسية لدى إحداهن وقلدتها الآخريات وانتهى الأمر بوقف هذه المهزلة التى كان المقصود منها إبعاد نظر المسئولين عن أفعال إخوانية تحاك بمحافظة البحيرة وقتذاك.

ثم انتقل الأمر إلى القاهرة وتحديدا بحى المعادى لإثارة شائعة بأن هناك مدارس تنتشر بها الحمى الشوكية بين تلاميذ المرحلة الابتدائية ليهرول أولياء الأمور إلى المدارس لأخذ أولادهم والهروب بهم من العدوى المزمعة ليظهر بعد ذلك أن وراءها بنات خيرت الشاطر، لأنهن يريدن تسويق مدارسهن بنفس الحى والتى كانت مصاريفها باهظة فهرب الناس إلى مدارس أخرى فقاموا بإشاعة أكاذيبهن عن المدارس الأخرى.

وهكذا نرى أن أخطر ما فى الشائعة أنها تضر الأمن القومى فحين يروج خبر مختلق يكون المقصود هو تعمد المبالغة أو التشويه أو التهويل لتكون النتيجة الحتمية هى التأثير النفسى فى الرأى العام بإحداث نوع من البلبلة عن طريق معلومات كاذبة ويجب ألا ننسى أنه فى أحيان كثيرة الخبر الكاذب يطلقه صاحبه لكى يحصل على معلومات يريدها عن قضية أو مشكلة يجهل حقيقتها ويريد معرفة المزيد عنها.

ومنذ عام ٢٠١١ وحتى الآن والشائعات عرض مستمر تطلقها جماعات وشخوص مغرضة، لأن الشائعة ظاهرة اجتماعية تتم بعمليات نفسية تحدث (جذب الانتباه)، إذ عندما يقوم أحد الأشخاص بنقلها يعتقد أن هذا سوف يجذب الانتباه إليه، كما يظن أنه يمكن بذلك رفع مكانته لدى الآخرين، ولذا فإن الشائعة تأخذ شكل (الإسقاط) عندما تنعكس الحالة الاندفاعية للشخص دون وعى منه لتأويله على مجتمعه أو وطنه أو بيئته، وفى الغالب الشائعة تكون عدوانية ضد أشخاص أو هيئات أو طوائف معينة وهنا يقوم الشخص باختلاق شائعة أو التورط فى نقلها بدافع إيقاع الأذى أو التشهير بالطرف الآخر لأسباب تتعلق بالكراهية أو عدم تقبل الآخر.

وفى بعض الأحيان تأخذ الشائعة طابع (التوقع والاشتياق)، وعندئذ هى تبلغ أقصى قوتها وتأثيرها حيث يكون الجمهور متوقعا لأحداث مهمة أو خطيرة، ويتسع تأثيرها وانتشارها عندما تتدخل وسائل التواصل الاجتماعى وتنشر الشائعة كخبر عند ذلك يشتد تأثيرها ونشرها لأنه قد أشرك غيره معه وجعله يقاسمه حمل العبء المكلف به وهى الانتشار لأكاذيبه المغرضة وبذلك يحصل على الثقة والاطمئنان على نفسه بأنه نجح فى الترويج للعمليات النفسية المراد إحداثها بالمجتمع.

وتصنف الشائعات من الناحية (الزمنية والاستمرارية)، فمنها الشائعة (الزاحفة) وهى التى يأخذ مسار انتشارها (البطيء) وشائعة (العنف المفاجئ) وهى التى تكون سريعة وغير منتظرة، وأيضًا الشائعة (الغائصة) وهى التى تروج ثم تغوص وتطفو مرة أخرى وهو ما يتم إشاعته عن المشاريع القومية الكبيرة ذات الطابع الاستراتيجى مثل السد العالى وقناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة وغيرها، فإن الشائعات تنطلق من وقت لآخر عليها للتشكيك فى جدواها وخلق مناخ من عدم الثقة بين المواطن والدولة عن الأولويات وسقف المنفعة المجتمعية وحتى طريقة الإنشاء والتحديث والصيانة.

ولا يقف حد الشائعة عند النيل من الدولة والشعب ككل ولكن هناك شائعات تندرج تحت بند (خاص) وهى دائما ترتبط بالمشاهير والسياسيين أو المسئولين بالدولة، وبعضها يكون وراء إطلاقها الأشخاص أنفسهم على سبيل الدعاية ولفت الانتباه إليهم، وهذا ينطبق أيضا على النخبة السياسية أو ما يطلق عليهم صفوة المجتمع والذين يروجون شائعات عن أنفسهم بترشحهم لمناصب أو مراكز قيادية معينة وبعضهم يدعى أنه عرض عليه منصب ما أو أنه مستشار لجهة ما وإذا ما حكم العقل فيما يروج تكون النتيجة أنها ادعاءات لمناصب لم يحصلوا ولن يحصلوا عليها.. وللأسف هناك متخصصون لترويج مثل هذا لخدمة مصالح بينهم وبين المدعين.. وأخيرا نريد وعيا مثل الخبز تماما به.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز