عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مقابر الأحياء

مقابر الأحياء

بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

في أحد الأيام، وكانت من أصعب أيام العمر، التقيت شخصية، شعرت بأنها من أتقى الشخصيات، وأطهر النفوس على وجه الأرض، في الحقيقة، وقتها لم أدرِ ما الحكمة من لقائي بهذه الشخصية، رغم قراري الذي كنت قد قطعته على نفسي، بعدم التواصل الروحي مع أي إنسان، ولو لفترة، ولكن شيئًا ما جذبني رغمًا عني، لكي أتعامل مع هذه الروح الطاهرة، ورغم قصر المدة التي تعاملت فيها مع هذه الشخصية، إلا أنني لا أُنكر كم كان قدر استمتاعي بهذا التعامل، فقد وجدت الثقافة والرقي والنقاء والإخلاص والإحساس، فشعرت بأن الحياة ملأى بالنفوس الطيبة، وهذا أغلى وأثمن كنز، أسعى دائمًا للحصول عليه. ولكن من أول خلاف، وجدت الوجه الآخر المُتناقض تمامًا مع الصُّورة البرَّاقة التي جذبتني وراقت لنفسي، فكانت صدمتي بالغة، ولكن ما هي إلا لحظات، حتى عادت الأمور إلى نصابها، عندما وجدت سيل الاعتذار الراقي، والقادر على محو أي آثار لأي تصرف أو كلمة.



 

وللأسف، ولست أدري، هل يجب أن أقول للأسف أم لحُسْنِ الحظ، في هذه اللحظة أشعر بالأسف، ولكن يقيني هو أنه بعد فترة صغيرة، كانت أو كبيرة، سأقول لحُسْنِ الحظ، المُهم بسبب سُوء تفاهم بسيط للغاية تيقنت أنني رأيت هذه الشخصية من خلال مرآتي أنا، يبدو أنني أستمتع برؤية الآخرين من خلال النظر إلى نفسي، فأنا أحب أن أرى فيهم صورتي، وتحدث الصدمة عندما أنظر للمرآة، ولا أجد صورتي، حينها أراهم كما هم، فالصوت الرقيق، يتحول إلى نبرات مُمْتلئة بالتَّهكُم والسُّخرية، والإحساس الدافئ يتلاشى، ويستحيل إلى برود وعنف، والكلمات المعسولة تُصبح مُجرد صدى صوت، لا وجود له، وهنا ينهار التمثال، وتتحطم الصُّورة، وتذوب المعاني الجميلة، وتتلاشى الأحاسيس الصادقة، حتى الذكرى تأبى أن تستمر؛ لأنها بُنِيَتْ على الكذب، وما أبشع أن يكون الأساس كاذبًا، حينها لا يكون أمامك سوى خيار واحد، وهو أن تردم على الأمر برمته، وتنساه، وكأنه لم يكن، ولكن صدقوني، كلما دفنت إحساس أو ذكرى أو علاقة، أو لحظة جميلة، تشعر وكأنك تدفن شخصًا عزيزًا تحت الثَّرَى، فهل نُدرك كم شخصًا ندفنه بأيدينا؛ بسبب صدماتنا في نُفوس البشر، حقًا ألم دفنك لذكرياتك وأحاسيسك، لا يقل ألمًا عن دفنك لأعز الناس إلى قلبك، أظن أنه كما يُوجد مقابر للأموات، فلا بد أن تكون هناك مقابر أيضًا للأحياء، الذين يُدفنون كل يوم بكامل إرادتهم واختيارهم.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز