عاجل
الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"ظاهرة" محمود نظمي

"ظاهرة" محمود نظمي

بقلم : محمود حبسة

يتعرض المجتمع المصري في الفترة الأخيرة لما يمكن أن نسميه ظاهرة محمود نظمي، ذلك الشخص الذي ألقى بطفليه في مياه النيل، وهي ظاهرة قتل الآباء أبناءهم دون ذنب أو جريرة اقترفوها، محمود نظمي بكل تأكيد ليس أول أب مدمن ومختل نفسيا يقوم بقتل أبنائه ولن يكون الأخير.



رغم اعتراف الجاني ورغم الأدلة حالة من النكران دفعت الكثيرين إلى التعاطف مع هذا الشخص المختل نفسيا، المدمن الذي دفعه إدمانه إلى الهاوية.

ويبلغ الأمر منتهاه بأن يسعى كثيرون إلى التظاهر ضد الدولة يتزعمهم شقيقه وبعض أصدقائه، وكالعادة تدخل جماعة الإخوان على الخط من خلال مواقعها وصفحاتها الإلكترونية في محاولة لتأجيج الأزمة وخلق حالة عامة من الرفض لتحقيق هدف أكبر، وهو التشكيك في الدولة وما تقوله مؤسساتها وفي المقدمة وزارة الداخلية والنيابة العامة.

في اعتقادي أن مجتمعنا يشهد منذ عدة سنوات ما يمكن أن نعتبره إعصارا يضرب قيمنا وتماسكنا الأسري في الصميم، بلغ ذروته بهذه الجريمة البشعة، ولذا يجوز أن نسميه ظاهرة محمود نظمي، وهو ما يفسر حالة الرفض للرواية الرسمية للجريمة بكل تفاصيلها رغم اعتراف المتهم التفصيلي، وهو ما يدفع البعض للادعاء كذبا وبهتانا أن المتهم أدلى باعترافاته تحت التهديد أو تحت الضغط والتعذيب، رغم أنه بداية لا يوجد أي مصلحة لوزارة الداخلية في إلصاق الجريمة بالمتهم، كما أنه لا يوجد أي آثار للتعذيب أو الضرب على قسمات المتهم، ناهيك عن الثبات الذي كان يتكلم به.

الكثيرون ذهبوا إلى رفض الواقعة والادعاء بعدم منطقيتها وأن نظمي بريء، في محاولة للتهرب من الاعتراف بحجم الخطر الذي أصاب المجتمع المصري، في محاولة للتهرب من الاعتراف بالمدى الذي وصل إليه حال الأسرة المصرية من تفكك وانهيار بسبب العنف، والذي بلغ ذروته بقتل الأطفال الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ودفع الضرر عنهم.

جرائم العنف داخل الأسرة التي وصلت إلى حد قتل الأطفال الأبرياء لا ترتبط بمستوى تعليمي، كما أنها لا ترتبط بالفقر أو الغنى، وذلك لمن ينفي جريمة محمود نظمي لأنه متعلم وميسور الحال، ففي الثلاثين من الشهر قبل الماضي، شهر يوليو، تم ارتكاب عدة جرائم قتل للأبناء كان أبطالها ثلاثة آباء، ففي محافظتي دمياط والبحيرة عذب أستاذ جامعي في كلية طب جامعة الأزهر ابنه بسبب سرقة 400 جنيه حتى الموت، وذلك بمساعد زوجته الطبيبة، كما عذب نجار ابنه حتى الموت لخروجه دون إذنه، وذبح سائق زوجته ودس السم في الطعام لأبنائه الأربعة توفي منهم اثنان، وسبقه في الثالث والعشرين من الشهر نفسه في مدينة كفر الدوار قيام أب بتوثيق أبنائه الأطفال وربطهم بخرطوم بسبب لعبهم في الشارع دون إذنه، ما أدى إلى وفاة الطفل طلعت عمره 10 سنوات بسبب التعذيب، بعد هذه الجريمة بيومين قام أب بحرق طفله بالماء المغلي بسبب سرقة 200 جنيه ولقي الطفل مصرعه في المستشفى متأثرا بجروحه.

أما حيلة محمود نظمي في التهرب من الجريمة بادعائه اختفاء أبنائه فقد سبقه إليها في الشهر الماضي أيضا أب يدعى جمال ع. قام بسرقة مشغولات ذهبية لزوجته ثم قام بتعذيب ابنه عبد الرحمن حتى الموت بدعوى سرقة المشغولات، ثم قام بإلقاء جثته في الشارع ثم حرر محضرا باختفاء ابنه في محاولة للتستر من الجريمة.

جريمة محمود نظمي ليست الأولى في شهر أغسطس ففي الأيام الأولى منه قام أب بقتل ابنه بسبب سبه جدته، وقالت الأم إن الأب كان مدمن مخدرات وأنه قام بتعذيب ابنه وابنته بالعصا والكرباج حتى لفظ الابن أنفاسه الأخيرة ودخلت شقيقته المستشفى، كما أشعل تاجر بمركز سمالوط بمحافظة المنيا النار في مسكنه باستخدام أسطوانة الغاز وفر هاربا لتلقى زوجته وأبناؤه الثلاثة حتفهم.

جرائم قتل الأبناء لا تقتصر على الآباء، ففي مدينة الخانكة في شهر إبريل الماضي قامت أم بتعذيب ابنها ذي الخمسة أعوام وحرقه بالمكواة لأنه كان دائم البكاء، وذلك خوفا من تهديد زوجها لها بالطلاق وإلقائها في الشارع، وهناك أخرى قامت بتعذيب ابنها وحرقه لأنه شاهدها في حالة تلبس مع عشيقها، والأم التي خنقت طفلها الرضيع منذ عدة سنوات لأنه كان يصرخ أثناء ممارسة العلاقة الحميمية مع عشيقها، والقصة الشهيرة للأم التي تسبب إهمالها في قتل أطفالها الثلاثة.

حكايات يندى لها الجبين وقصص تضرب مجتمعنا في الصميم لا تتوقف أسبابها عند الفقر أو الغنى ويتساوى فيها المتعلم والجاهل، فهناك أستاذ الجامعة وهناك النجار وهناك التاجر وهناك رجل الأعمال الذي قتل زوجته وأولاده بسبب خسارة أمواله في البورصة مدعيا أنه خشي عليهم من الفقر، كما ادعى نظمي أنه أراد تخليص أبنائه من مساوئ الحياة.

"ما عليكم من الفقر أخشى" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فالفقر ليس هو العامل الأول أو الأساسي في جرائم قتل الأبناء، ففي كل الأحوال يبقى الإدمان والبعد عن الدين هما العاملان الأساسيان في جرائم قتل الآباء أبناءهم حتى وصلنا إلى ما يمكن أن نسميه "ظاهرة محمود نظمي"، ذلك الإعصار الذي يضرب مجتمعنا بعنف وقوة ولا يجب أن نفعل مثل النعام وندفن رؤوسنا في الرمال وننكر الظاهرة التي أصبحت تميز المجتمع المصري دون غيره وتلطخه بالعار، على الجميع دولة ومؤسسات وإعلام ورجال دين وعلماء نفس واجتماع التصدي لهذه الظاهرة التي تهدد مجتمعنا ومواجهة أسبابها وتداعيتها.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز