عاجل
الأحد 6 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الهجرة النبوية.. وقيمة الوطن

الهجرة النبوية.. وقيمة الوطن

بقلم : محسن عبدالستار

"ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني ما سكنت غيرك".. قالها الرسول- صلى الله عليه وسلم- حين أخرجه قومه من مكة، وآذوه ومن معه من المسلمين، وحينما اشتد العداء والتعذيب لصحابة الرسول- صلى الله عليه وسلم- خرج مهاجرًا من أحب البلاد إلى قلبه، إلى المدينة المنورة، وهنا تظهر قيمة الوطن، الذي لا نستطيع الاستغناء عنه أبدًا.. لأن الوطن تاريخ وثقافة وحضارة.



فهذا المشهد المهيب وهذه الكلمات التي تمس القلوب، تؤكد أن حب الوطن والانتماء إليه والولاء له نازع فطري وواجب إيماني لا يستطيع عاقل تركه إلا إذا أُجبر عليه.

ولذا فقد حذرنا القرآن الكريم أن نكون مثل اليهود، الذين خربوا بيوتهم بأيديهم واضطروا للخروج منها بأفعالهم حين نقضوا عهدهم مع الرسول، قال تعالى: "يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار".

فالأوطان لا تهجر ولا تخرب بل تبنى وتعمر، ولا يحمل السلاح أبدًا لتدميرها وتمزيق نسيجها وتشتيت من يعيشون فيها، وإنما يحمل السلاح لحماية الأرض والعرض، والدفاع عن حدود الوطن.

فمن أراد أن يعرف قيمة الوطن الذي ينتمي إليه، فإن عليه أن يتخيل نفسه دون وطن يعيش فوق أرضه ويحتمي بسمائه ويأكل من خيراته، وقد أسقطت عنه جنسيته وأصبح بلا وطن، يعيش غريبا فيه، وقتها سيعرف قيمة الوطن المدون في بطاقة هويته، وسيشعر بالعزة إن كان وطنه عزيزًا بين الأوطان، ويشعر بالذلة والانكسار إن كان وطنه- لا قدر الله- ذليلًا.

لقد خرج النبي الكريم وصاحبه الصديق، واتجها إلى غار ثور، وهو غار يوجد في أعلى جبل بمكة المكرمة، وأخذ الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالأسباب، فمكث بالغار هو وصاحبه أبو بكر الصديق ثلاثة أيام.

وهنا تحدث المفاجأة، فبعد بذل الجهد ووضع خطة الهجرة، واتخاذ الوقت والمكان المناسبين، قريش تصل إلى مكانهما، وهذا يعلمنا جميعًا أنه بعد الأخذ بالأسباب نتوكل على الله.

وهنا يبرز سؤال وهو: لماذا وصل فرسان قريش إلى النبي وصاحبه في الغار طالما هما في حماية الله؟

لقد كان الله سبحانه وتعالى قادرًا على أن يسخِّر لرسوله الكريم ما ينقله إلى المدينة المنورة دون مخاطرة وجهد مثل ما حدث في ليلة الإسراء والمعراج.. لكن الهدف هنا أن الله- عز وجل- أراد أن يعلمنا أن علينا بذل الجهد، لكن النصر يكون من عند الله سبحانه وتعالى.

عندما وصل رجال قريش إلى غار ثور.. قال أبو بكر للرسول- صلى الله عليه وسلم- يا نبي الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا. وهنا تظهر عظمة النبي فيرد عليه باطمئنان الأنبياء: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!"، وتحدث المعجزة من الله سبحانه وتعالى ويحفظ النبي وصاحبه من بطش قريش، ويمكث النبي وأبو بكر ثلاثة أيام في الغار، وحينما خفت أقدام قريش في هذا المكان، بدأت معاناة جديدة.

فمن فتحة صغيرة في غار فوق جبل يبدأ النصر العظيم.

وهنا أعلنت قريش عن مكافأة كبيرة لمن يأتي بمحمد حيًا أو ميتًا، وهي مئة ناقة، وترك النبي وصاحبه الغار متجهين إلى المدينة، ولم يتخذ الطريق الأساسي المألوف لقريش، وكان دليلهما عبد الله بن أريقط، وكان مشركًا لم يدخل الإسلام بعد، وهنا تظهر عظمة الرسول- صلى الله عليه وسلم- الذي يتعامل مع الناس جميعًا دون النظر إلى أصلهم ودينهم، إنما التعامل مع صاحب الأخلاق والقيم.

وفي الطريق لحق بهم أحد فرسان قريش الأقوياء وهو سراقة بن مالك، علم بالمكافأة الكبيرة التي وهبتها قريش لمن يأتي بمحمد حيًا أو ميتًا.. فقرر الحصول عليها.

وعلى مرمى البصر شاهد النبي وصاحبه، حتى اقترب منهما، وهنا غاصت أقدام فرسه في الرمال، ولم يستطع الحركة، وحاول مرة ثانية وأخرى ثالثة، لكن دون فائدة وكل مرة تغوص أقدام الفرس في الرمال، ويقع أرضًا، وهنا عرف أن الرسول ممنوع.. وأكمل النبي الكريم وصاحبه الطريق إلى المدينة، وبدأت حياة جديدة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز