عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
كانت وستبقى الحدث الأهم

كانت وستبقى الحدث الأهم

بقلم : محمود حبسة

كثيرة هي الأحداث المهمة التي كان لها تأثيرها في حياة الشعوب والأمم، وعلى مر التاريخ الإنساني هناك العديد من الشخصيات المهمة من رسل وقادة وساسة ومفكرين الذين أثروا في حياة شعوبهم وكانوا بمثابة محطات مهمة وفارقة فيها، وتبقى الهجرة النبوية الشريفة التي نحتفل بذكراها العطرة هذه الأيام هي الحدث الأهم والأبرز من بين كل هذه الأحداث ويبقى الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم هو الشخصية الأعظم من بين كل الشخصيات الكبيرة التي عرفتها البشرية.



غيرت الهجرة من مسار التاريخ بل صنعت تاريخا جديدا وبقيت هي الحدث الأهم والأبرز والأعظم لما لها من تأثير وما أحدثته من نتائج وما أفرزته من واقع جديد على كل المستويات السياسية والقانونية والمجتمعية والعقائدية، كما بقيت في ذاتها وتفاصيلها حدثا فريدا جليلا معجزا تتجلى فيه عناية الخالق جل وعلا ومعجزاته وحفظه لرسوله وهذه الكوكبة من البشر الربانيين قال تعالى: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" الأنفال 30، كما بقيت وباعتبارها عملا بشريا حدثا فريدا جليلا ومعجزا في الإعداد والتخطيط والصبر والمثابرة وقوة التحمل والأخذ بالأسباب بما في ذلك الاستعانة بمن هم على غير الملة، فقد استعان الرسول بدليل كافر، كما بقيت الهجرة النبوية الشريفة حدثا فريدا ونموذجا يحتذى في تلك العلاقة الفريدة التي جمعت الصديقين محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق الذي ضرب أروع الأمثلة لقيم ومعانى نحن في أمس الحاجة لها في وقتنا الحالي مثل الصداقة والفداء والتضحية.

تبقى الهجرة النبوية واحدة من أهم الأحداث التي شهدها تاريخ البشرية قديمه وحديثه، فلولا الهجرة لما قامت للإسلام دولة بسطت سيطرتها على كامل الجزيرة العربية ثم تفرعت منها دول في مختلف أنحاء العالم في شمال ووسط إفريقيا وفي آسيا وأوروبا في خلال سنوات قليلة حتى وصلت الدول الإسلامية إلى 54 دولة، ولولا الهجرة لظل الإسلام مجرد عبادة سرية يدين بها البعض على خوف من أن ينكشف أمرهم ولظل أصحابه مطاردون في كل مكان وليس دينا عظيما يزيد أتباعه على مليار و700 مليون نسمه، ولولا الهجرة لبقيت الجزيرة العربية موطنا للتخلف يسكنه جماعات من البدو الرحل وقبائل تتنازع فيما بينها لأتفه الأسباب، موطنا يحكمه شريعة الغاب وتمارس فيه الرذيلة بكل أشكالها، ولولا الهجرة لبقى العرب يوئدون بناتهم حتى هذه اللحظة ولما عرفت المرأة العربية كرامة وحقوقا من الميراث إلى العمل وتولى المناصب القيادية.

صنعت الهجرة النبوية مجتمعا قويا قادرا على الحفاظ على ذاته ومقدراته ومعتقداته، مجتمعا له قيمه وقانونه، تمارس فيه حقوق الإنسان بأسمى معانيها وصورها، مجتمعا قادرا على نشر ما يؤمن به بالحكمة والموعظة الحسنة والدعوة الخالصة لله وليس بالسيف كما يزعمون، مجتمعا يسوده الحب والسلام وليس العنف والتخريب والقتل والترويع، تبقى الهجرة النبوية المباركة حدثا فريدا والأهم في تاريخ البشرية كله لما قدمته من دليل على بلوغ الإنسانية نضجها وكمالها في ذلك الزمن البعيد، ورغم الفقر والحروب عندما آخى الرسول الكريم بين المهاجرين والأنصار في سابقة لم يشهد العالم مثيل لها لا قبل الهجرة ولا بعدها، حيث طهرت الهجرة النفوس ونزعت منها العداوة والبغضاء والأنانية وحب الذات، قال تعالى بحق هذا الإعجاز: "وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم لكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" الأنفال 63.

نحن في أمس الحاجة لنتعلم دروس الهجرة ومعانيها ونعلمها لأبنائنا وشبابنا ليكونوا أكثر إصرارا على تحقيق أحلامهم وبلوغ أهدافهم وأكثر قدرة على تحمل الصعاب ومواجهة التحديات، فكيف خطط الرسول للهجرة وأخذ بالأسباب كلها رغم أنه المؤيد من ربه ورغم أنه مأمور بها فهو القائل صلى الله عليه وسلم: "رأيت في منامي أني مهاجر لأرض بها نخل" ورؤيا الأنبياء حق، نحن في أمس الحاجة لنعلم أبناءنا كيف يختارون أصدقاءهم ومن يكون الصديق بحق وليس رفيق السوء الذي يدفع بهم إلى الضياع والهلاك في مجالس اللهو وتناول المخدرات.

ولنا في علاقة الصاحبين محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر المثل والقدوة، فكيف كان أبو بكر يسير مرة عن يمين الرسول ومرة عن يساره ومرة أمامه ومرة خلفه دفاعا عنه حتى لا يصيبه سهم من سهام الأعداء، وكأنه كتيبة من الحراس وفي الغار مزق ثيابه وسد بها الشقوق حتى بقى واحدا فسده بقدمه، ولذا زكى القرآن الكريم هذه العلاقة ونزل بشأنها قرآن يتلى قال تعالى: "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا" سورة التوبة 40، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حق الصديق فيما معناه: "لو وضع إيمان الأمة في كفة ووضع إيمان أبي بكر في كفة لرجح إيمان أبو بكر".

نحن في أمس الحاجة لأن نتعلم من الهجرة الكثير من دروسها وأولها أن الله لا ينصر إلا من ينصره، فمع العمل والإعداد والتخطيط والإصرار والثبات وتحدي الصعاب يكون التأييد الإلهي، نحن في أمس الحاجة لنتعلم من الهجرة ألا نلقي بأبنائنا إلى التهلكة في مراكب الموت في هجرات عبثية إلى دول أوروبا بلا عقد عمل ولا تأشيرة دخول فلم يذهب الرسول للمدينة إلا وقد دخل الإسلام كل بيت فيها.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز