عاجل
الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
القرآن الكريم وفن الدبلوماسية (إتيكيت نبرة الصوت) 1

القرآن الكريم وفن الدبلوماسية (إتيكيت نبرة الصوت) 1

بقلم : سعدون بن حسين الحمداني

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ..."، (آية 2 سورة الحجرات).. يعتبر إتيكيت نبرة الصوت من أهم العلامات المدنية الحديثة بفن الدبلوماسية، وعلم الاجتماع ولغة الجسد. يقصد بإتيكيت الصوت هو "نبرة ومستوى الصوت لدى الشخص"، وكان من أهم الدروس التي تدرس في المدرسة الفرنسية الدبلوماسية في نهاية القرن الثامن عشر، لكنه يعكس شخصية الإنسان في المجتمع، وكلما كانت نبرة الصوت هادئة ومنخفضة كلما دلل على رقي الشخص في أخلاقه وتربيته ومستوى تعليمه، ويعتبر إتيكيت الصوت في السلك الدبلوماسي من أحد أهم الدلائل الإيجابية للدبلوماسي، ورقي معلوماته وحنكته وشخصيته، خاصة في المحافل الدولية، وحضور المناسبات الوطنية في ساحة عملهم.



إن هدوء نبرة الشخص ومستوى صوته يسمى في العرف الدبلوماسي (الصوت الملكي أو السلطاني) لكونه منخفض المستوى وهادئ النبرة ومعبرًا بنفس الوقت، وهذا ما هو مطلوب في كل شرائح المجتمع بدءًا من العائلة، والتي هي أصغر مكون أو نواة بالحياة إلى أكبر المجمعات البشرية وهي الأسواق والمولات ومحطات القطارات وصالات المطارات.. إلخ، ويستثنى من ذلك الجانب العسكري.

كانت مدرستنا الإسلامية سباقة وهي الأولى في هذا المجال، حيث حثت على الصوت الهادئ المنخفض، وهناك آيات قرآنية كريمة بهذا الخصوص، واضعين بعين الاعتبار المكانة الاجتماعية والدينية والعلمية والعمرية لكل شخص، وكانت هذه الآية الكريمة ذات دلائل كبيرة في هذا الموضوع، حيث قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ...". وهو مثال ودرس رباني راقٍ وكامل علينا الاقتداء والعمل به لنا جمعيًا ابتداءً من الأسرة الصغيرة، من الابن والوالدين، الرعية والمسؤول بين الأدنى والأعلى، الموظف ومديره إلى آخر الأمثلة التي يمكن تطبيقها، لأن الله سبحانه وتعالى خاطب أصحاب الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم"، بعدم رفع أصواتهم فوق صوت النبي، لمنزلة الرسول الكريم، وهو سيد وخاتم الأنبياء، وعليه يجب علينا نحن أن نقتدي بهذه الآية الكريمة، ونجعل طبيعة تعاملنا مع الآخرين بنفس الأدب الرباني.

إن إتيكيت الصوت وما يحمله من أدب التعامل يعكس صورة حضارية وراقية، وسوف ينظر لك الجميع بكل احترام وتقدير لما له من سمات جميلة وحساسة وهادئة. ولا ننسى اختيار الكلمات المناسبة والمتداولة، على العكس من الصوت المرتفع والنبرة العالية المستهجنة من أغلبية أفراد المجتمع.

حيث قال تعالى: "إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير". (آية ١٩ سورة لقمان).

 وقد أدبنا القرآن الكريم بهذه الآية الكريمة بأن صوت الحمير عالي النبرة ومرتفع الصوت، لذلك يكون مكروهًا وغير محبذ عكس الأصوات الجميلة الهادئة.

وأكد الخالق أهمية خفض الصوت لما له من هيبة ووقار، وقال تعالى: "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ". (آية 12 سورة لقمان)، وهنا كلمة أغضض بمعنى أخفض الصوت، على أن يكون هادئًا وجميلًا.

إن هناك تكريمًا من رب العزة، للذين يخفضون الصوت أمام الرسول الكريم، لذلك فإن الإسلام والقرآن الكريم يعلمان البشرية لغة الجسد وإتيكيت الصوت نزول القرآن الكريم، لما له أهمية كبيرة في المجتمع، ويبرز للشخص هيبته ووقاره بين بقية الأفراد، قال تعالى: "إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ". (آية ٣ سورة الحجرات).

إن هذا التكريم الإلهي الأخروي يقابله في الدنيا كل الاحترام والتقدير من هذا الشخص الذي يجسد ويعمل بما أمره الله سبحانه، وأن قرآننا الكريم لهو فعلًا أفضل من كل المدارس الدبلوماسية، لذلك علينا الالتزام والعمل به على مختلف الأزمان والأماكن من العائلة، إلى أسرة الموظفين، سواء في الوزارة أو الأماكن الرسمية الأخرى بمختلف وأنواعها.

 إن حسن الصوت وهدوء نبرته ووضوح مخارج الأصوات من العلامات، التي علمنا إياها رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم" في حديثه الشريف: (زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ) أي بتحسين أصواتكم عند القراءة، فإن الكلام الحسن يزيد حسنًا وزينة بالصوت الحسن، لذلك نرى الخشوع وحسن الصوت في الترتيل والتجويد، لتظهر نعمة الصوت التي وهبها الله لنا، لذلك علينا أن نربي أطفالنا وأبناءنا على ذلك بدلًا من أن نلهث خلف المدارس الغربية.

* دبلوماسي عماني سابق

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز