عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مصر في الأمم المتحدة.. من المواجهة إلى العلاج

مصر في الأمم المتحدة.. من المواجهة إلى العلاج

بقلم : أيمن عبد المجيد

يكتب من نيويورك



 

ماذا يفعل الرئيس السيسي في نيويورك؟

 

لماذا حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي، على المشاركة في خمس دورات متوالية، للجمعية العامة للأمم المتحدة؟ وما الهدف، والاستراتيجية التي تنتهجها الدولة المصرية؟

لعل المدقق لمشاركات الرئيس منذ العام ٢٠١٤، يكتشف أن هناك رؤية واستراتيجية، ذات أبعاد دبلوماسية، واقتصادية وإعلامية، وتنموية للصورة الذهنية بحقيقة الأوضاع المصرية وما يشهده الوطن من إصلاحات.

كانت المشاركة الأولى بمثابة طلقة البداية، في طريق طويل، زاخر بالنجاحات، في مواجهة المؤامرات التي حيكت ضد مصر ومحاولات خنقها، عقابًا لها على ثورة شعبها في ٣٠ يونيو، ضد تنظيم إرهابي، وصل للحكم في غفلة من الزمن.

جاءت كلمات الرئيس في خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ٢٤ سبتمبر ٢٠١٤، باترة لكل زيف يستهدف تشويه حقيقة ما حدث في مصر، مرسخة للواقع وحقيقة قائمة على الأرض، قال الرئيس بلسان مصري مبين، وصدق اليقين بأن الله حافظ مصر:

"أقف أمامكم اليوم كواحدٍ من أبناءِ مصر، مهد الحضارة الإنسانية.. شعب مصر العظيم الذي صنعَ التاريخَ مرتين خلال الأعوام القليلة الماضية، تارة عندما ثار ضد الفساد وسلطة الفرد، وطالب بحقه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وتارةً أخرى، عندما تمسك بهويته، وتحصن بوطنيته، فثارَ ضد الإقصاء، رافضا الرضوخ لطغيان فئة باسم الدين، وتفضيل مصالحها الضيقة على مصالح الشعب".

بإيجاز شديد، أوضح الرئيس للعالم، معالم اللحظات الفارقة التي عاشتها مصر في تلك الفترة العصيبة، وما دفع الشعب للثورة مرتين في أقل من ثلاثة أعوام.

 

مصر من استعادة الثقة في نفسها ليقين العالم بها

كان الرئيس صادقًا، يملك رؤية استشرافية، نابعة من استراتيجية عمل للمستقبل حين أضاف: "لكنها ليست إلا مرحلة من مسيرة ممتدة، بطول وباتساع آمال وتطلعات المصريين، ليومٍ أفضل وغدٍ أكثر ازدهارًا".

بهذه العبارة لخّص الرئيس للعالم، أن ما حدث ما هو إلا خطوة على طريق ممتد، للوصول بمصر لغدٍ أفضل، لكن الطريق كان محفوفًا بالمخاطر، مفروشًا بالتحديات والصعاب، التي رغم ضخامتها، فإن الإرادة المصرية كانت الأقوى.

مخاطر المؤامرات، التي حيكت من بعض الدول الداعمة للإرهاب، في محاولة لعرقلة مسيرة مصر، وتحديات محاولة حصار مصر، وخنقها اقتصاديًا، في مسعى لتأليب الشعب، ونشر اليأس، تحدي الإرهاب ومحاولات زعزعة الأمن، تحدي تشويه الصورة الذهنية عن مصر في العقلية العالمية.

وقف الرئيس، مخاطبًا العالم من منبر الأمم المتحدة، شارحًا ما صنعه المصريون، طارحًا رؤية مصرية لمواجهة الآفات والأمراض العالمية.

حذر الرئيس من تفشي الإرهاب، الذي لا يفرق بين بلد نامٍ ومتقدم، طرح الرؤية المصرية، لعلاج العديد من القضايا الإقليمية، في سوريا، وليبيا، الحل في دعم بناء واستعادة قوة مؤسسات الدولة الوطنية.

كان خطابًا يعبر عن استعادة مصر الثقة في نفسها، وخطوة أولى لاستعادة يقين العالم بها.

لبلوغ الهدف، لم يكن الحديث وحده كافيًا، بل يجب القفز وردع المتآمرين، وبناء شراكات مع محبي السلام المحايدين، وتصحيح الصورة لدى المخدوعين، كان السلاح الأول إيقاظ وعي المواطن المصري، الذي وجّه إليه الرئيس تحيته في بداية كلمته.

كان الرئيس يخاطب الشعب المصري، والعالم، كان يعد بمستقبل، أفضل، ذهب للأمم المتحدة، وقد حقق إنجازات في زمن قياسي، قناة السويس الجديدة هدية مصر للعالم.

لم تكن الكلمة إلا جزءًا من استراتيجية شاملة، احتوت على عناصر متشابكة ومتداخلة تصب جميعها في تحقيق الهدف، بناء القدرة الشاملة للدولة المصرية، سياسيًا، ودبلوماسيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا.

 

كل عام يزداد بنيان الثقة في مصر صلابة وارتفاعًا

كانت وما زالت، اللقاءات الكثيفة على هامش الجمعية العامة، نابعة من تلك الرؤية الشاملة، ففي المشاركة الأولى، التقى الرئيس نحو ٤٠ قيادة في مختلف المجالات، بينهم ١٢ رئيس دولة، بخلاف رؤساء حكومات، ورؤساء مؤسسات اقتصادية عالمية كرئيس البنك الدولي، ومديري كبريات الشركات الاقتصادية الأمريكية، وقادة الفكر والمراكز البحثية.

يدرك الرئيس أن صناعة القرارات وتشكيل الرأي العام في الدول الكبرى، مثل أمريكا، متنوع المؤسسات، ومن هنا ترسم خريطة اللقاءات، فاللقاءات الرئاسية بقادة العالم، ساهمت في وضع أسس شراكات اقتصادية وسياسية تحقق مصلحة مصر وشركائها، وتؤسس لزيارات متبادلة للانتقال لشراكات اقتصادية واسعة.

فيما تأتي اللقاءات مع قادة الشركات الاقتصادية العالمية، للتعريف بالفرص الاستثمارية في مصر، وما شهدته بيئة الاستثمار من إصلاحات جذرية، والاستماع لمسؤولي الشركات، وما يمكن أن يقدموه في مصر.

أثمرت تلك الأنشطة الرئاسية، في إذابة الجليد مع قوى عالمية، في مقدمتها أمريكا وفرنسا، وبناء شراكات مع قوى إقليمية بمختلف القارات، أثمرت عن تصحيح الصورة الذهنية عن حقيقة ما حدث ويحدث وسيحدث بإذن الله في مصر.

مرت السنوات، دون انقطاع للمشاركة المصرية الفاعلة، ومع كل عام يزداد بنيان الثقة في قدرة مصر، صلابة، وارتفاعًا، حتى تحطمت على صخوره أطماع الطامعين، ومخططات المتآمرين، ونمت شراكات مصر مع الصادقين المحبين للسلام العالمي.

واليوم يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الدورة الخامسة على التوالي، لكن مصر ليست هي التي كانت، والبيئة المحيطة التي انطلق منها الخطاب الأول تغيرت، للأفضل.

فمصر 2018، أقوى، والسنوات المنقضية على الخطاب الأول، وما شهدته، خير شاهد وبرهان، على قوة العزيمة وصدق الرؤية المصرية، محليًا وإقليميا ودوليًا.

فقد تعافت مصر، وعبرت المراحل الأصعب في الإصلاحات الاقتصادية، استكملت بناء مؤسساتها التشريعية والسياسية، وضعت الدستور والقانون موضع التطبيق، المرسخ للدولة المدنية الديمقراطية، الساعية لترسيخ العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات.

تعافت مصر اقتصاديًا، وانطلقت مشروعاتها الاقتصادية، وتطورت بنيتها التحتية، وبيئة الاستثمار، بترت أذرع الإرهاب.

أثبتت الأيام وحدها، عمق وصدق الرؤية المصرية، النابعة من دراية ومعرفة بطبيعة المنطقة، فبعد كل هذه السنوات وما شهدته من محاولات، احتواء للصراعات في ليبيا وسوريا، واليمن، وغيرهم، يكتشف العالم أن رؤية مصر الثابتة كانت وما زالت هي الحل.

ففي لقاء بوزير خارجية مصر سامح شكري، قال: لعل العالم اليوم يدرك صواب الرؤية المصرية، بأن الاعتماد على الميليشيات في تحقيق الأمن أمر غير وارد، وغير مأمون العواقب، فما حدث من أعمال إرهابية أخيرة في طرابلس خير دليل، وما زال الحل في ما طرحته مصر، بضرورة التكاتف العالمي لدعم بناء مؤسسات الدولة الوطنية.

هذه حقيقة، فالميليشيات، ما هي إلا أذرع لقوى دولية متصارعة، تحترق بنيرانها الدولة، ويعاني مواطنوها العذاب وويلات الاغتراب واللجوء.

مصر ذاهبة اليوم، للتحدث للعالم، عن نفسها بلسان رئاسي فصيح، واثق، مُنجز، مقدم للنموذج والتجربة، ناجح في تجربة محلية لعلاج أمراض عالمية، علها تعمم في العالم، ليعم الأمن والسلام.

 

تحمل مصر روشتة مجربة لعلاج أمراض فكرية وجسدية ودولية

هذه حقيقة خالية من أي مبالغات، سياسية، ولا ضرورات الكتابة البلاغية، مصر بالفعل تطرح علاجات لأمراض عالمية، ثبت فاعليتها بالتجربة، تقدم النموذج لعلاج الأمراض، والآفات الجسدية، والاقتصادية، والفكرية، وروشتة علاج للقضايا الإقليمية والدولية، وإليك الدليل.

فيما يتعلق بالأمراض والآفات الجسدية، تتحدث مصر عبر وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، عن تجربة مصر الناجحة في مواجهة الأمراض السارية، وفي القلب منها فيروس سي، واستراتيجية مصر للقضاء عليه، وكيف تنجز مصر أكبر مسح طبي في التاريخ لخمسين مليون مواطن للكشف المبكر، وخطط مصر لتطوير المنظومة الصحية.

أما فيما يتعلق بالآفات الفكرية، فتجربة مصر ناجحة، في التصدي للإرهاب، وردع محاولات الاستقطاب، وبتر أذرع التمويل، والانتصار على الإرهاب الذي استهدف مصر بشراسة في السنوات الماضية خير دليل.

ويبقى التأكيد أن الروشتة المصرية التي يطرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمته بالقمة الأمريكية- العربية بالرياض، تحوي العلاج الناجع لاجتثاث فيروس الإرهاب الذي يهدد العالم.

يومها تحدث الرئيس عن ضرورة المواجهة الدولية الشاملة، التي يجب أن تستهدف، ليس فقط الإرهابيين، بل الممولين والداعمين، لوجستيًا، أو معلوماتيًا أو تسليحيًا، أو إعلاميًا، وكان لتلك الروشتة آثارها الإقناعية، فأعلنت الأمم المتحدة ضمها لوثائقها الرسمية، فهل تنظر اليوم تفعيلها؟!

وفي الأمراض الاجتماعية، الناجمة عن الحروب والصراعات المسلحة، والفقر، تأتي قضية اللاجئين والهجرة غير الشرعية، التي تؤرق العالم، وقد حققت فيها مصر نجاحات منقطعة النظير، وقدمت نموذجًا إنسانيًا رفيعًا، خاليًا من أي مزايدات أو ضجيج.

فلم ترصد المنظمات الدولية، منذ العام ٢٠١٦، حالة هجرة غير شرعية واحدة، عبر السواحل والأراضي المصرية، هذا ما أكده وزير الخارجية سامح شكري، وهذا إنجاز لو تعلمون عظيم، وقضية محورية على أجندة أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

من أجل المبادئ والإنسانية تتحمل مصر التكلفة الباهظة

هذا النجاح لم يكن وليد صدفة، أو بلا كلفة، فسبقه رصد لنقاط التسلل، ومافيا التهريب، وتقديم علاجات جذرية، بداية من تطوير بركة غليون، للتحول من معبر هجرة غير شرعية، لمنطقة تنموية تدر الخير على مصر وأبنائها، ومرورا بالضربات الأمنية لمافيا التهريب، وضبط الحدود والسواحل بدوريات أمنية، بما يستتبعه ذلك من كلفة اقتصادية على مصر، غير أن ما تقدمه للإنسانية، وحماية المهاجرين أنفسهم تتضاءل أمامه أي تكلفة.

فعلى أرض مصر، بحسب الإحصاءات الرسمية، يعيش 5 ملايين لاجئ عربي وإفريقي، بلا مخيمات، ولا تمييز، مثلهم مثل أي مصري يحصلون على الخدمات مدعمة، كأي مواطن مصري، تقدم لهم مصر الخير بلا شكوى ولا ضجيج، وهو ما يستوجب تقدير العالم.

قدمت مصر 30 يونيو للأمم المتحدة، الدورة الخامسة، مقدمة للعالم، دلائل صواب رؤيتها، ونماذج لقدرتها، ونفاذ بصيرتها، وروشتة علاج لما تعانيه المنطقة، الحل العادل للقضية الفلسطينية، لن يكون بغير الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، على أساس حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

دعم جهود الحل السياسي، في سوريا وليبيا واليمن، ودعم بناء مؤسسات الدولة الوطنية، والخلاص من الميليشيات، ليصبح السلاح فقط في يد مؤسسات الدولة الوطنية، وترسيخ دولة القانون.

سيسجل، التاريخ بأحرف من نور، ما تشهده الجمعية العامة للأمم المتحدة، من نشاطات مصرية، وما تشهده نيويورك على هامشها من أنشطة للرئيس عبد الفتاح السيسي، وما جنته مصر وتجنيه من ثمارها السياسية والاقتصادية، بل والصورة الذهنية الايجابية التي تزداد بريقًا عامًا بعد عام.

من جديد سيصدح صوت مصر الواثق، بما تحقق من إنجازات، تبرهن على صدق ما طرحه الخطاب الأول، من أن الثورتين، ما كانتا إلا خطوة على طريق ممتد، يستهدف نهوض مصر وازدهارها.

 

من جديد يصدح صوت مصر الرخيم القادم من حضارة 7 آلاف عام

من جديد، سيصدح صوت مصر، مقدمًا روشتة علاج ناجع للآفات والأمراض العالمية، وشروط جدواها، استيقاظ الضمير العالمي، وصدق الإرادة، بدعم الدول النامية، وقطع دابر داعمي الإرهاب ومموليه.

قالها الرئيس من قبل في خطابه على منبر الأمم المتحدة، ٢٠١٧: "بصراحة شديدة، لا مجال لأي حديث جدي عن مصداقية نظام دولي يكيل بمكيالين، ويحارب الإرهاب في الوقت الذي يتسامح فيه مع داعميه".

قطعت مصر مسافة إنجازية، أضعاف المسافة الزمنية، بين عامي ٢٠١٤-٢٠١٨، تحولت من المواجهة لترسيخ صورة ذهنية صحيحة عما حدث في مصر، إلى مقدمة للنموذج، المطببة لأمراض العالم، المصححة للمفاهيم المغلوطة، المواجهة للمنظومة الدولية بثغراتها الأخلاقية، وما تعانيه من ازدواجية.

أليست مصر من قالت على لسان رئيسها الدورة السابقة: "يتعين على أعضاء التحالفات الدولية المختلفة، الإجابة عن الأسئلة العالقة التي نطرحها، من منطق الإخلاص لشعوبنا، والتي يمنع عن الإجابة عنها كل من يُفضِّل المواءمة والازدواجية، لتحقيق مصالح سياسية على أنقاض الدول ودماء الشعوب، والتي لن نسمح أن تضيع هدرًا تحت أي ظرف".

"أي مصداقية يمكن أن تكون للأمم المتحدة، وأجندة ٢٠٣٠ وأهداف التنمية المستدامة، عندما يكون النظام الاقتصادي نفسه مسؤولًا عن تكريس التفاوت وبعيدًا عن قيم العدل والمساواة".

من المواجهة بالأمراض، إلى روشتة العلاج، يستمع العالم لصوت مصر، العميق، القادم من حضارة، سبعة آلاف عام، يفوح منه عطر الحضارة، وصدق المبادئ، ونفاذ البصيرة، وصلابة العزيمة، على بناء دولة عصرية، تليق بعبق تاريخها، تقدم الخير لمحيطها العربي والإفريقي والعالم أجمع.

تحيا مصر

[email protected]

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز