

د. عزة بدر
أوشين
بقلم : د. عزة بدر
عادت ( أوشين ) فى أسبوع الأفلام اليابانية – فى دورته الثالثة والعشرين فى القاهرة 29 سبتمبر 2018 - لتستقطب اهتمام ومحبة المشاهدين فى مركز الإبداع بدار الأوبرا المصرية، (أوشين) الفيلم قد سبقه مسلسل يابانى سجل أعلى مشاهدة عام 1983.
وكان قد تم بثه فى أكثر من 60 دولة فى جميع أنحاء العالم، بعد أن أذيع فى اليابان على مدى 297 حلقة من 4 إبريل 1983 إلى 31 مارس 1984 .
وقد جذبت ( أوشين ) المشاهدين فى دار الأوبرا المصرية كما أحبوها منذ عشرين عاماً عند عرض المسلسل فى التليفزيون المصرى، وقد تابعنا بشغف رحلة هذه الطفلة التى تمتعت بإرادة ومحبة الحياة فتغلبت على صعوباتها وشدائدها، عملت كراعية للأطفال وهى طفلة، تقدم الأرز لصغار العائلات الغنية وهى وأسرتها يفتقدونه، تبتسم وتنحنى فى أدب جم، وكل النساء اللواتى تعمل لديهن يقسون عليها، وهى تناديهن "ماما"، ومعها عروستها الشهيرة ( الدمية كوكيشى).
بل هى تستطيع أن تضفى السعادة على الآخرين من خلال صنع دمى من الحشائش فتهديها إلى غيرها من الأطفال، أوشين ذات السبع سنوات تتعرف على حكمة الحياة فتحن إلى العدل، بعد أن جربت الظلم أثناء الخدمة عند الأثرياء، وتفر من عذاباتها فتلتقى بجندى سابق يعلمها القراءة والموسيقى والعزف على الهارمونيكا، لكنه يلقى مصرعه رغم انتهاء أحداث الحرب الروسية اليابانية (سبتمبر 1905- فبراير1904).
مما يجعل الطفلة تنشد السلام وتكره الحروب، وتبكى معلمها الجندى السابق.
عملت أوشين لتوفر لأهلها المال، تختزن عذاباتها الذى علمها القراءة والموسيقى Shunsaka .
لتوفر السعادة للآخرين، وتضع حدا للفقر الذى تعانى منه عائلتها، فالأم تعمل أيضاً إلى جانب الأب تحت وطأة ظروف وتحولات جذرية وسياسية واجتماعية عرفتها اليابان فى الثلث الثانى من القرن التاسع عشر.
تتواصل رحلة آلام أوشين ليتوحد المشاهدون معها ومع ثقافة يابانية عميقة تدعو إلى محبة الحياة وقوة الإرادة، ويبدو أنها فلسفة عميقة لازالت تؤكدها إبداعات المثقفين اليابانيين على مر العصور، فها هو الكاتب اليابانى المعاصر ريوهو أوكاوا قد كرس حياته لاستكشاف الحقيقة وإيجاد السبل لمنح السعادة الحقيقية للناس حول العالم، وهو مؤسس علم السعادة، ومن أجمل كلماته : "تحل بالشجاعة، واستجمع الإرادة لتفتح مساراً عبر الغابة الكثيفة "، و"سيفتح مسار رائع لمن يبذلون الجهد، ويتخذون موقفاً إيجابياً من صنع مستقبل مشرق بصرف النظر عن الظروف " ( من كتابه " أنا بخير") .
وهى المعانى التى ترمز إليها رحلة أوشين، كنا نرقب طفولتها على الشاشة الفضية وهى تجالد الأحداث وتقاوم الظروف و تدافع عن نفسها فهى قد أخذت كتاب مخدومتها لكى تقرأه، وليس للإستيلاء على ما يملكه الآخرون، لقد قرأت بفصاحة وظنوا أنها لن تستطيع ! وعزفت الموسيقى على الهارمونيكا حتى داستها طفلة عنيدة ومدللة لكن أوشين استعادتها لتعزف وتعزف وتذكر معلمها الذى أهداها الهارمونيكا فتمتلىء مآقينا بالدموع "الموسيقى رغم الآلم ، العزف الذى يثرى النفوس، والقراءة التى تنمى الوعى، وتجعل الطفلة أوشين تؤكد ضرورة أن يكون للحياة عمق ومعنى، كمواطنها ريوهو أوكاوا مؤسس علم السعادة عندما يقول " إذا كنت تريد مستقبلا سعيداً عليك أن تزرع بذرة إيجابية فى قلبك وترعاها بمواصلة التفكير بإيجابية "، أوشين نفسها هى التى دفعت مواطنها الكاتب الصحفى وين موريساكى ليكتب مقالة عن مدينة "ياماغاتا " اليابانية التى دارت فيها أحداث مسلسل "أوشين" فيصف المدينة، ومعالمها فيقول :"هنا نبع غينزان للمياه الساخنة الذى زارته أوشين أثناء تدريبها على التمثيل فى الفيلم ، هنا حيث الثلوج العميقة فى فصل الشتاء، وهناك نهر موغامى الذى عبرته أوشين على متن قارب بسيط، لكن السائحين الآن يمكنهم أن يستمتعوا برحلات قوارب أكثر دفئاً " ( موقع الكترونى : مرحبا بكم إلى اليابان الساحرة).
ومقالته مزدانة بالصور الجميلة عن مدينة "ياماغاتا" اليابانية ومعالمها السياحية، والمقالة نفسها بطلتها أوشين وعنوانها : "رحلة إلى موطن أوشين فى ياماغاتا"، وهنا يكتمل اللحن اليابانى الفريد، ريوهو أوكاوا مؤسس علم السعادة، والذى حصل على على لقب "صاحب أعلى رقم لكتب قام بتأليفها شخص واحد فى عام واحد " فدخل موسوعة جينيس، وكان قد ألف 52 كتاباً فى العام 2010.
وأوشين وصلابتها لتصنع حياتها وحياة أسرتها، والصحفى وين موريساكى الذى أمتع قراءة بمقالة وصور رائعة عن أمكنة أوشين ومزارات بلاده السياحية، وهذا الاستقصاء العلمى المرفق بدعوة حضور أسبوع الأفلام اليابانية وفيه : ما رأيك فى الفيلم ؟ هل ساعد العرض على زيادة اهتمامك باليابان وفهمك لها، وماهو انطباعك عن اليابان بعد مشاهدة الفيلم اليوم ؟ وكم مرة حضرت عروض أفلام نظمتها مؤسسة اليابان أو سفارة اليابان ؟ وهل تحب أن تشاهد أى نوع من الأفلام فى المستقبل ؟ والاستطلاع لكل الأعمار من (أقل من 18 سنة حتى فوق 55 سنة ).
إنها الطريقة اليابانية فى محبة الحياة، وصناعة المستقبل بالكلمة والصورة والفيلم والمقالة والفلسفة العميقة، الثقافة الناعمة فى الارتقاء بالحياة والتطلع للغد .