عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أيام في جنيف

أيام في جنيف

بقلم : عصام شيحة

لا شك أن ملف حقوق الإنسان سهل، لين، طيع، يمكن تسييسه ببساطة، وقد صعد بالفعل مع اختفاء الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة بزعامة النظام العالمي مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ليحتل مركزًا متقدمًا في أولويات الأمم المتحدة، شأنه في ذلك شأن الهجرة غير الشرعية، ومكافحة الاتجار في البشر والمخدرات والسلاح، إلى جانب الاهتمام بحرية حركة السلع والأموال والخدمات، فيما شكل تجسيدًا لمفهوم العولمة.



وامتدادًا لذلك الأمر، أنشئ عام 2006 مجلس حقوق الإنسان التابع مباشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة بديلًا عن لجنة حقوق الإنسان التي كانت تابعة للمجلس الاجتماعي الاقتصادي التابع للأمم المتحدة، الأمر الذي عبر عن زيادة الاهتمام العالمي بحقوق الإنسان، حتى باتت عنصرًا لا يغيب عن العلاقات الدولية المعاصرة.

وقد عُقدت الدورة 39 لمجلس حقوق الإنسان مؤخرًا،10- 28 سبتمبر 2018، في جنيف، وكان جدول الأعمال حافلًا بكثير من القضايا الحقوقية المثارة على الساحة الدولية.

وباعتباري الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، حرصت على حضور العديد من فعاليات الدورة. حاملًا ملفًا أعدته المنظمة المصرية تضمن ثلاثة موضوعات حقوقية محددة، وكانت ندوتنا الأولى عن "الاختفاء القسري في مصر"، والثانية عن "تعويض ضحايا الإرهاب في مصر ومقاضاة الدول المسؤولة عن دعم وتمويل الإرهاب"، والثالثة عن "مأساة قبيلة الغفران القطرية وتبني المنظمة المصرية لحقوق الإنسان قضيتهم". وقد عُقد هذه الندوات على التوالي أيام 12، 14، 18 سبتمبر.

وفيما يتعلق بالندوة الأولي، الاختفاء القسري في مصر"، أكدت أن الدستور المصري وقانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات، يُجرم "الاختفاء القسري"، وإن كان بشكل غير مباشر؛ إذ إن تعبير الاختفاء القسري لا يوجد في الدستور المصري ولا في القوانين المصرية، لأنه مفهوم دولي حديث؛ إذ ورد في الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الذي اعتمدته الأمم المتحدة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 ديسمبر 1992، ومن ثم صدور الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي صدرت في ديسمبر 2006.

وعليه، فقد أكدت أن روح اتفاقية الاختفاء القسري حاضرة وبقوة في مصر؛ وإن كانت مصر لم تنضم إليها، ومع ذلك لا أري لمصر وهي تتطلع إلى بناء دولة مدنية حديثة، إلا أن تنسجم مع محيطها الدولي بثقلها الإقليمي الكبير، وتنضم للاتفاقية، وبل وتسن تشريعًا خاصًا بالاختفاء القسري، ولا ينبغي أن يحجبنا عن ذلك أن كثيرًا من الذين اتهمت بهم السلطات المصرية تحت راية "الاختفاء القسري" تبين أنهم انضموا خلسة إلى جماعات إرهابية، وبعضهم هاجر بشكل غير شرعي، وبعضهم هرب من أسرته لخلافات عائلية، والبعض ترد الحكومة المصرية على المنظمات الحقوقية "المصرية" بأنهم في السجون بقضايا محددة؛ ومن ثم لا ينطبق عليه مفهوم "الاختفاء القسري".

وفي الندوة الثانية، "تعويض ضحايا الإرهاب في مصر ومقاضاة الدول المسؤولة عن دعم وتمويل الإرهاب"، حرصت على توضيح موقف مصر من الحملة الإرهابية الموجهة إليها، وكيف أن العملية الشاملة سيناء 2018 نجحت إلى حد بعيد جدًا في وقف الأعمال الإرهابية. وبالطبع كانت الإشارة واجبة إلى دور قطر الداعم والممول للإرهاب، وبمساندة تركيا، وهو أمر بات يحوز إجماعًا دوليًا، لا ينقصه إلا اتخاذ تدابير عقابية ضد هذه الدول، تعبيرًا عن جدية المجتمع الدولي في مجابهة الإرهاب.

والندوة الثالثة، "مأساة قبيلة الغفران القطرية وتبني المنظمة المصرية لحقوق الإنسان قضيتهم"، فهي ليست جديدة على المجتمع الدولي، فأبناء القبيلة بذلوا جهودًا جبارة في تعريف المجتمع الدولي بقضيتهم، مطالبين باسترداد حقوقهم المسلوبة من جانب النظام القطري، حيث كان النظام القطري عام 2004 قد سحب الجنسية من 6 آلاف أسرة من عشيرة الغفران، وصادرت ممتلكاتهم. حتى أبناء القبيلة يطالبون بسحب تنظيم قطر لكأس العالم 2022 لأن المنشآت الرياضية الجديدة يبنيها النظام القطري على أراضيهم.

وبصفة عامة تضمنت الدورة 39 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عرضًا مثيرًا للمفوضية السامية لحقوق الإنسان للتقرير الذي أدته بعثة الأمم المتحدة عن الحالة الإنسانية في اليمن خلال الفترة من 2014 وحتى الآن، أظهر حجم المأساة اليمنية وضرورة نهوض المجتمع الدولي بدور حقيقي وفاعل على أرض اليمن لوقف مأساته.

والواقع أن ثقافة حقوق الإنسان باتت من أبرز علامات الشعوب المتحضرة، مثلما هي أداة طيعة يمكن تسييسها وممارسة العلاقات الدولية على أساسها، تحقيقًا لكون السياسة فن المصلحة، ربما أكثر من التعبير عن مركزية حقوق الإنسان في الضمير الإنساني.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز