عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أشباه الحقيقة

أشباه الحقيقة

بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

أكبر خطأ يقع فيه البشر، هو رغبتهم في الوصول إلى الحقيقة الكاملة، وعلى الرغم من استحالة هذا الأمر، إلا أن مجرد البحث عنه والرغبة في الوصول إليه يتسبب في خسارة كبيرة، فعلى سبيل المثال، عندما نعرف أحد الأشخاص، وتكون علاقتنا به مُستقرة، ولا غُبار عليها، ثم نبدأ في محاولة معرفته أكثر، وهذه المعرفة للأسف لا نسعى إليها عن طريق العِشْرة والحوار، وتكوين الرأي الشخصي، ولكنها تتم عن طريق سؤال أشخاص آخرين عن طريق هذا الشخص، والاستماع إلى الحواديت والحوارات التي يتم سردها بتدفق عن هذا الشخص، والغريب أنها غالبًا ما تكون روايات مُتناقضة يشوبها أحيانًا المبالغة، وأحيانًا أخرى الكذب والافتراء، فكل شخص يحكي الرواية من وجهة نظره، ووفقًا لرؤيته وعقيدته، وهنا يتخيل من يُريد الوصول إلى الحقيقة أنه قد توصل إليها بالفعل، في حين أنه في الواقع يكون قد بدأ في الخروج من دائرة الحقيقة، والدخول في دائرة الأوهام، وللأسف، يبدأ التعامل على أساس الروايات التي سمعها والتكهنات التي باتت تسكن بداخله، وهنا يبدأ في خسارة الشخص الذي يتعامل معه، وتتعكر صفو العلاقة بينهما.



فالحقيقة هي الشيء الذي لا يمكن الوصول إليه بالكامل؛ لأن كل إنسان يراها من جانبه، ووفقًا لمفهومه، والإنسان صعب، بل يكاد يكون مستحيلا التوصل إلى حقيقته الكاملة؛ والسبب ببساطة شديدة، أن كل إنسان يصعب عليه أن يعرف حقيقة نفسه، والدليل على ذلك ردود الأفعال المتناقضة في الموقف الواحد، والتي تتغير تبعًا للظروف والأحاسيس والمصالح والرغبات، فكيف يتسنى إنسان آخر، مهما بلغ ذكاؤه وفطنته أن يصل لحقيقة إنسان آخر، حتى الجريمة، يظن الكثيرون أنهم باكتشافهم لمرتكبها، أنهم قد توصلوا إلى حقيقتها، ولكنهم في الواقع يكونوا قد توصلوا إلى عالمها وأركانها المادية، أما بواعثها ودوافعها، فربما تظل مطموسة، وإذا تم الوصول إليها، تظل هناك دائمًا منطقة مُعتمة، لا يمكن معرفتها، أو الدخول فيها، حتى الظواهر الطبيعية، والأحداث والأخبار اليومية، لا تخلو من بعض الأمور المُبهمة، فهي تبدو وكأنها حقائق كاملة، ولكن لو فتشنا في بواطنها، سنكتشف أنها شبه حقيقية، فتيقَّنُوا أن حياتنا، لا يمكن أن تصل بنا إلى الحقيقة الكاملة في أي موقف أو تقدير أو مشكلة أو حدث، فالواقع أننا مهما بحثنا، فلن نصل إلا إلى أشباه الحقيقة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز