عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الاستراتيجية المفقودة.. وبطولات الأجداد والأحفاد

الاستراتيجية المفقودة.. وبطولات الأجداد والأحفاد

بقلم : أيمن عبد المجيد

 



"الجهد، والمقدرة، والعطاء"، مقدمات تحقيق النصر، في مثل هذه الأيام من عام 1973، عاشت مصر والوطن العربي عظمة النصر.

ذلك النصر لم يكن، وليد صدفة، ولا لحظة عابرة، بل نتاج إرادة، وعزيمة، صاغت هدفًا للوطن، تمثل في استرداد الأرض المصرية المحتلة، وفرض سلام القوة.

كانت غيوم نكسة 67، تخيم على الأجواء، نيران الغضب مشتعلة في الصدور، آلة الحرب النفسية الصهيونية، تعمل دون توقف، تنثر بذور اليأس، والدعاية السوداء، في محاولة يائسة، لإقناع المصريين بالاستسلام للأمر الواقع.

استدعت مصر، شعبًا، وقيادة وجيشًا، جينات العزيمة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ؛ نماذج من حلقات الكفاح الوطني، والانتصارات، وعبور التحديات.

وما أكثرها التحديات التي واجهت وتواجه وستواجه مصر، لمكانتها ومكانها، وثرواتها، فهي حصن العروبة المنيع، ضد محاولات نهب ثرواتنا العربية، ومهددات الأمن القومي.

أمام التحديات، لا تصلح الشعارات، بل الجهد المضاعف، الذي يفوق الطاقة، والقدرة التي تفوق التوقع، والعطاء الذي يمثل الدعم لتحقيق الهدف، المخطط له والمدروس، هذا هو الدرس وهذه هي الرسالة التي بعث بها لنا الآباء والأجداد أبطال أكتوبر.

وهذه هي أحد أهم رسائل الرئيس عبد الفتاح السيسي، لشعب مصر العظيم، في الذكرى الخامسة والأربعين للانتصار العظيم.

الانتصارات التاريخية، يصنعها تكاتف جهود الأمة كاملة، القيادة والشعب والجيش، لكل مواطن دور فاعل في موقعه، وجهد مضاعف يفوق التوقع، لإنجاز ما لا يتوقع، المصانع في حرب أكتوبر تحولت خطوط إنتاجها لصالح المجهود الحربي، المواطنون تحملوا آلام اقتصاد الحرب، الجنود ضاعفوا تدريباتهم، الجميع خاض التحدي وتقبل التضحية في سبيل هدف وطني.

"الشعوب العريقة ذات التجربة التاريخية الممتدة على مدار الزمن.. تعرف جيدًا معنى السلام.. تسعى إليه.. وتدرك أن السلام يجب أن يستند إلى العدل وتوازن القوة.. ولا تخشى في الحق لومة لائم ولا مزايدة مزايد.." يقول الرئيس السيسي في كلمته.

مصر تدرك معنى السلام، فالسلام يعني فرصة للبناء والتعمير، والحرب تخريب وتدمير، لكن مصر تدرك أيضًا، وهي الضاربة بجذور حضارتها في عمق التاريخ، أن الطامعين كثر، وقراصنة العالم لا يمكن تحقيق السلم معهم إلا بقوة الردع.

والقوة تنبع من القدرة الشاملة للدولة، هناك في وحدات الجيش المصري شعار: "كل قطرة عرق في التدريب توفر قطرة دماء في المعركة"، امتلاك مصر القدرات العسكرية المتطورة، والقدرة الدبلوماسية الفاعلة، والقدرة الاقتصادية المتزايدة، هي ضمان السلام، وقالها الرئيس: يجب أن يستند السلام إلى العدل وتوازن القوة.

في هذا العالم، لن تتوقف الحروب، غير أنها تغير من أسلحتها وتكتيكاتها، لم تعد الحروب الصلبة المستخدمة للأسلحة الثقيلة واحتلال الأرض هي الصيغة الوحيدة، بل باتت محاصرة الاقتصاد والتدمير من الداخل، والحروب بالوكالة عبر تنظيمات طائفية ومذهبية وعرقية أو تلك الإرهابية أنماطًا وأسلحة جديدة.

في الحروب الجديدة، لن يكون احتلال الأرض هو الهدف، بل احتلال العقول صناعة دمى يجرى تحريكها عن بعد، لهدم الدولة الوطنية، وفقدان مؤسساتها السيطرة، لتكون ساحة لبسط نفوذ التنظيمات والميليشيات التي تعمل لحساب أهداف المحتلين الجدد.

إفقار الدول سلاح جديد، لتأليب شعوبها، وهدم مؤسساتها.. "إن تحديات الحياة لا تنتهي.. وقدر الشعوب العظيمة مواجهة هذه التحديات وقهرها"، عبارة قالها الرئيس بخطابه أمس.

"وها نحن في مصر واجهنا تحديًا من أصعب ما يكون خلال السنوات الماضية.. تحدي الحفاظ على دولتنا ومنع انهيارها.. ومواجهة خطر الفراغ السياسي والفوضى.. وانتشار الإرهاب المسلح والغادر".

تحديات جسام عددها الرئيس، عبور جديد على أنقاض مخطط حيك للمنطقة، نجت منه مصر بفضل شعبها وجيشها، بينما سقطت دول مجاورة في شركه، نجاة مصر مكنتها من أن تمد يد العون لأشقائها، لعبور محنتهم واستعادة مؤسساتهم الوطنية، لاستعادة قوة منظومة الأمن القومي العربي.

العبور الثاني، الذي انتصرت فيه مصر، هو عبور مرحلة الاضطراب، عبور محاولات إسقاط الدولة، عبور على أجساد الإرهابيين، الذين أضمروا الشر لمصر، وحاولوا نشر فسادهم وخرابهم، فكانت سيناء مقبرة لهم كما كانت في أكتوبر المجيد مقبره للغزاة الصهاينة.

هناك في سيناء في تلك البقعة المقدسة، تجولت محققًا في عامي 2011، و2012، شاهدت بعيني روعة المكان، وأوجاع الإنسان، لم يكن الاحتفال بذكرى النصر سوى حفنة من الأغنيات "بالأحضان يا حبيبتي يا سيناء" وبعض الأفلام التي تحكي بطولات، ثم مجموعة من التصريحات في الصحف يصاغ منها المانشيتات.

40 عامًا، قضتها سيناء من التحرير في انتظار التعمير، حتى بدأت الاحتفالات الحقيقية، بالإنجازات والمشروعات التنموية، لم تُعق محاربة الإرهاب التنمية، عبور جديد أسفل القناة، شرايين حياة، أنفاق التنمية التي تربط سيناء بالوادي، أوشك العمل بها على الانتهاء.

على خطى الآباء والأجداد يسير الأبناء والأحفاد، يسطرون بطولات تعجز الكلمات عن وصفها، تستحق أن تروى للأجيال، بين بطولات في مواجهة الاحتلال خلال ست سنوات من 67 إلى 73، وبين بطولات منذ 2013 تسطر حتى الآن، في حرب ضد الإرهاب ومن يحركه ويموله.

كان العدو معلوم المكان والقدرات والشخوص، في معركة 1973، الآن عدو خفي يختبئ مثل الأفاعي في الجحور، ينتهز الفرصة لتوجيه لدغات الغدر، لكن أبطال الجيش والشرطة حاصروا الأفاعي واصطادوها في جحورها، انتصروا في معركة أشرس وأصعب.

التنمية تزدهر بالسلام، والسلام يتحقق مع امتلاك قوة الردع لا العدوان، والقدرة تزداد مع التنمية في المجالات كافة، مصر تمد يدها للعالم بالسلام والتنمية.

نحتاج إلى استراتيجية علمية مستدامة، قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، لتعريف الأجيال الجديدة، بما تحقق ويتحقق من بطولات، تعريف بالمهددات، والتحديات، ودور كل مواطن في مواجهتها، تبصير بالأهداف القومية التي نسعى إليها.

أين هي قصور الثقافة، ومراكز الشباب، والمدارس والجامعات، من أدب أكتوبر، وبطولات تطهير سيناء من الإرهاب؟! أين الدراما والسينما؟!

لقد تربينا على مسلسلي جمعة الشوان، ورأفت الهجان، تلك الأعمال الدرامية التي كنا ننتظرها وتتجمع الأسر في الريف لمتابعتها، تخلق في النفس شعورًا بالفخر والإنجاز.

جيل اليوم من 15 إلى 25 عامًا يعاني عدد غير قليل منه، ضعف المعلومات، ارتكبت في حقه جريمة الإهمال، فخرج المثل لغير قليل منهم، مطربو الأغنية الشعبية، وأبطال أفلام العنف والبلطجة، أجيالنا في خطر.

هناك احتلال خفي، يتوسع في احتلال عقول النشء، وتخريبها، عبر السوشيال ميديا، والسينما والدراما الغربية، تلك الحرب التي بدأت مبكرًا مع الأفلام الأمريكية التي تصور الجندي الأمريكي سوبر مان لا يقهر، مرورًا بالغزو المذهبي، الذي بدأ بمحاولات فرض قناعات مذهبية، مثال المسلسل الإيراني "يوزر سيف" الذي روى قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وجسد ممثل شخصية النبي، بالمخالفة لقناعات الدول العربية السنية.

مصر نجحت- في مدى قصير- في إحداث تنمية حقيقية في عدد من عناصر قوتها الشاملة، بتطوير البنية التحتية، والإصلاحات الاقتصادية، وتعزيز القدرات العسكرية، واستعادة قوة الدبلوماسية الخارجية والتواجد الفاعل في المنظمات الدولية.

لكن ما زالت لدينا ثغرات في القوة الناعمة، الإعلام، والسينما والدراما التليفزيونية، تحتاج لاستراتيجية، وإزالة المعوقات، وتنمية القدرات، لخوض المعركة الأخطر في ساحة العقول.

هناك بوادر استيقاظ في هذا الملف، لمستها في رسائل الجزء الثاني من مسلسل "كلبش"، الذي فضح بأسلوب درامي علاقة دول معادية بالإرهاب، وتلاقي مصالح الإرهابيين مع الجواسيس، وعرض تضحيات الشرطة في سياق درامي، وحطم محاولات إعادة بناء حواجز نفسية بين الشعب وشرطته.

لكنها ما زالت مجرد عمل، المطلوب: استراتيجية، غرس ثقافة البطولة، تنمية الوعي بالأمن القومي ومحدداته، توعية بحجم البطولات والتضحيات التي بذلها الأجداد والآباء، والأشقاء، تلك البطولات الممتدة والمستمرة حتى الآن.

غرس ثقافة القدرة الشاملة من أجل السلام، فلن ننعم بسلام ونحن في حالة ضعف، السلام بمعناه الأشمل والأعم، لا سلام في أسرة تقاتل من أجل لقمة عيش، فلا تبلغ حد الحياة الكريمة، ولا سلام اجتماعيًا في مجتمع يتألم من تفشي الفقر، ولا سلام اجتماعيًا في ظل الجهل، والتطرف، ولا أمن لدولة بلا جيش قوي يحمي حدودها ويردع أعداءها، ولن يتحقق ذلك إلا بالتنمية المستدامة والمتوازية في كافة المجالات التي تنتهجها مصر الآن.

يبقى صياغة استراتيجية قومية، تعمل كل مؤسسة بالدولة، حكومية أو مجتمع مدني، على تنفيذها، كل في مكانه، لتظل راية الوطن خفاقة، وستظل بعون الله مصر عصية على الانكسار شعبها موفور الكرامة.

[email protected]

 
 
 
 


 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز