عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
القرآن الكريم وفن الدبلوماسية .. بروتوكول وإتيكيت لغة الجسد "4"

القرآن الكريم وفن الدبلوماسية .. بروتوكول وإتيكيت لغة الجسد "4"

بقلم : سعدون بن حسين الحمداني

يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة بروتوكول وإتيكيت لغة الجسد لغة الجسد والتي هي تتألف من: اتصال العيون، حركة اليد، حركة الرأس وانفعالات الوجه وغيرها لما له الأثر الكبير في إيصال المعلومة إلى المقابل دون تكلم أو نطق، وهي اللغة الصامتة. إن الكلام ليس الوسيلة الوحيدة التي نعبر بها عن أنفسنا، فكثيرًا ما نتحرك ونعبر عما نقول بحركات وإيماءات معينة أثناء الحديث مع الآخرين، وتلك الحركات سواء بالوجه أم باليدين أم بالجسم كله في طريقة الجلوس أو المشي وبدأت المدارس الغربية تطور هذا الفن وتدرسه لكبار الشخصيات وكذلك للكادر التدريسي لما له الأثر الكبير في إيصال المعلومة بصورة أدق وأكثر تأثيرًا، حيث كانت المدارس الأوروبية خاصة البريطانية والفرنسية تتبارى؛ لتطوير هذا الفن والوصول به إلى أعلى وأرقى المعاني المطلوبة وكانت بدايته في القرن الماضي خصوصًا عندما نشر دجوليوس فاست كتابه عن لغة الجسد عام1970. بدأت المدارس الدبلوماسية تستخدم لغة الجسد كوسيلة مستقلة لتوصيل الفكرة أو بعض أجزائها لجذب انتباه المقابل لما سيطرح وأن لغة الجسد تشمل حركات الجسم وأعضائه؛ ليعبر عن الحزن والتجهُّم والتبسُّم وكل الانفعالات خاصة تعبيرات الوجه لأنه يعتبر هو الاتصال الصامت وعمقه عند الآخرين.



إنّ القرآن الكريم تحدَّث عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ فإن لغة الجسد من الأساليب التي استخدمها القرآن في كثير من المواضع وكان رسولنا الكريم يحث على إيصال المعلومة بواسطة نبرة الصوت المؤثرة الهادئة وهي إحدى علامات لغة الجسد الراقية في التعامل، قال تعالى "وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ" آية 19/ سورة لقمان. وقال تعالى: "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولا" آية 36/ سورة الإسراء، وفي هذا دلالة عظيمة من الخالق على أهمية هذه الجوارح؛ فهي التي سوف تكون يوم القيامة عليك شاهدًا لأنك تستخدمها في حياتك اليومية لتوصيل أفكارٍ إيجابية أو سلبية معينة.

أما تعابير الوجه ومعانيها، وهو من أهم أعضاء جسم الإنسان التي تُظهر انفعالاته النفسية، وأحاسيسه، يظهر الفرح/ الحزن/ الهدوء/ الانفعال والعصبية كما في قوله تعالى: "تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ" آية 24/ سورة المطففين، وقال تعالى: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ" 38 و39/ سورة عبس، حيث يخبرنا رب العزة عن لغة الجسد وخاصة الوجه وتعابيره ليعكس لنا الفرح والحزن والأمان والسعادة والارتياح والكآبة، وقال تعالى: "فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ" آية 29/ سورة الذاريات، صكت وجهها يعني وضعت يدها على جبهتها تعجبًا أو ضربت وجهها، والصكّ عند العرب: هو ضرب الشيء.

وفي المشي ومعانيها فيفضل أن يكون بكل سلاسة وتأنٍ مع قلة حركة اليدين ليعطي طابع الوقار والرزانة في الشخصية، قال تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا" آية 63/ سورة الفرقان، حيث يحثنا الباري– عز وجل- على أن يكون مشي الإنسان سواء من الذكور أم الإناث بكل تأنٍ ووقار، ويسمى هذا النمط من المشي بالمدارس الدبلوماسية (مشي الملوك) حيث طابع الوقار والهدوء.

وفي حركة اليد ومعانيها نقرأ الآية الكريمة: "يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ " 19/ البقرة وهي دلالة الخوف والحذر. أما في استخدام الإبهام أو السبابة وأهميتها فقال تعالى: "أَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا" آية 29/ مريم. أما هذه الآية الكريمة: "قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّا" آيةً 10/ مريم، فهي قمة في لغة الجسد ونظرياته لما لها من دلائل كبيرة على المعنى، فحبس سيدنا زكريا لسانه وبقي ثلاث ليال يكلم الناس بعلم الإشارة ومعاني العين وتعابير الوجه وهدوء النفس وراحة وطمأنينة القلب، لما أتاه الله سبحانه وتعالى من مكارم وفضل.

وفي العين ومعانيها ودلالاتها قال تعالى: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ" آية 84/ سورة يوسف؛ لتعطي دلالة على شدة الحزن وفراق يوسف عن أبيه وابيضت، أي فقد البصر ومن الجانب الآخر نرى دمع العين له دلالة فرح كبير وتمني بالخير قال تعالى: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ.." آية 83/ سورة المائدة.

أما رسولنا الكريم صلى الله وعليه وسلم فقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ)، والتي لها معانٍ كثيرة، من حسن النطق، والمعرفة بالأمور، وعدم التكلم بما ليس لك به علم ولا تجعل لسانك يتكلم بأمور تجلب لك الندامة، والصمت هو أعلى مراحل الصبر والحكمة، قال الإمام علي رضي الله عنه: اللسان ترجمان العقل وكذلك من سجن لسانه أمن من ندمه، وبالختام أجمعت الحكماء على "أن رأس الحكمة الصمت".

 

* دبلوماسي سابق

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز