عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
القائد.. والرجال.. والقرار

القائد.. والرجال.. والقرار

بقلم : هاني عبدالله

كانت القلوب تدق بكل عنف.. مشاعر مرتبكة.. رغبات عارمة فى الثأر.. رفض قاطع للهزيمة.. يتنحى «عبدالناصر» عن الحكم، مُعلنًا تحمله المسئولية كاملة.. يحاول قبل أن يرحل أن يختار [فكرًا مغايرًا] لإدارة الدولة.. يختار «زكريا محيى الدين» لقيادة ثورة التصحيح.. ترفض الجماهير التنحى.. تخرج (عن بكرة أبيها) لتطالب «جمال عبد الناصر» بالاستمرار.. الذكاء الجمعى للشعب يضع، هنا، الرئيس [مُجددًا] أمام مسئوليته التاريخية.. أيام غاضبة.. تمر شهور عصيبة، قبل أن تقرر «القيادة السياسية» مواصلة التحدى.. ثم تبدأ حرب الاستنزاف.



تمر 3 سنوات، والرجال على الجبهة لا يهدأون.. القوات تُعيد تنظيم صفوفها من دون كلل.. النفوس لا يصيبها الملل.. تتطور العمليات النوعية للقوات الخاصة بشكل مذهل.. الضربات تنال من «إسرائيل» بشكل موجع.. خسائر الدولة العبرية تتضاعف.. تتدخل «واشنطن» باتفاق مع «تل أبيب».. تظهر مبادرة «روجرز» للعلن.. يتوقف تبادل إطلاق النيران.. ثم يتوقف [قلب الزعيم] الذى عشق تراب وطنه، بعدها بشهور معدودات.

تنتظر جماهير الأمة العربية (من المحيط إلى الخليج) بيانًا «مُهمًا» يأتى من القاهرة.. يُلقى البيان نائب رئيس الجمهورية (محمد أنور السادات).. يخرج [القائد] الجديد؛ ليعلن تفاصيل الوفاة.. يقول بعبارات خالدات:

[فقدت الجمهورية العربية المتحدة.. وفقدت الأمة العربية كلها.. وفقدت الإنسانية كلها.. رجلاً من أغنى الرجال.. رجلاً من أغلى الرجال.. وأشجع الرجال.. وأخلص الرجال.. هو الرئيس جمال عبدالناصر، الذى جاد بأنفاسه الأخيرة  فى الساعة السادسة والرُبع من مساء اليوم الموافق 28 سبتمبر سنة 1970م، بينما هو واقف فى ساحة النضال يكافح من أجل وحدة الأمة العربية، ومن أجل (يوم انتصارها).. لقد تعرض البطل الذى سيبقى ذكره خالدًا إلى الأبد فى وجدان الأمة والإنسانية لـ«نوبة قلبية» حادة بدت أعراضها عليه فى الساعة الثالثة والرُبع بعد الظهر.. وكان قد عاد إلى بيته بعد انتهائه من آخر مراسم اجتماع مؤتمر الملوك والرؤساء العرب، الذى انتهى بالأمس فى القاهرة، والذى كرَّس له القائد البطل كل جهده وأعصابه ليحول دون مأساة مروعة دهمت الأمة العربية].

.. وقال أيضًا: [إن جمال عبدالناصر كان أكبر من الكلمات.. وهو أبقى من كل الكلمات.. ولا يستطيع أن يقول عنه غيرُ سجله فى خدمة شعبه وأمته والإنسانية.. مجاهدًا عن الحرية.. مناضلاً من أجل الحق والعدل.. مقاتلاً من أجل الشرف إلى آخر لحظة من العمر.. إنّ الشيء الوحيد الذى يُمكن أن يفى بحقه وبقدره، هو أن تقف الأمة العربية - الآن - كلها وقفةً صابرة.. صامدة.. شجاعة.. قادرة.. حتى تُحقق النصر، الذى عاش واستشهد من أجله «ابن مصر العظيم»، وبطل هذه الأمة، ورجلها، وقائدها].

يتحمل السادات [القائد] المسئولية.. يُراهن على بسالة [الرجال]، قبل أن يتخذ [القرار].. كان قائدًا ذكيًا.

وسط جمع كبير من قيادات القوات المسلحة، لم يكن يعلم الضابط [صغير الرتبة] لماذا تم استدعاؤه إلى مقر وزارة الدفاع.. حكى لى الضابط (الذى أصبح لواءً فيما بعد) أنه فوجئ بالرئيس السادات على رأس اللقاء.. وفجأة قال السادات: «أين ابنى عبد الحميد؟».. لم يتوقع الضابط أنه المقصود.. كرر [القائد] السؤال: «أين ابنى عبدالحميد قائد السبت الحزين؟».. قام [المُلازم] وضربات قلبه تتسارع (!).. قال الرئيس [القائد] للضابط: «احكى كيف استطعتم بمعداتكم البسيطة تنفيذ العملية؟».

.. وبعد أن انتهى الضابط من الحديث.. قال السادات: [هذا هو ما أراهن عليه.. المقاتل قبل أدوات القتال].

شواهد «مُتعددة»، كانت تؤكد أنّ «السادات» (منذ اللحظة الأولى لوفاة عبد الناصر) كان قد اتخذ قرار الحرب.. «بيان الوفاة» نفسه يقول هذا.. لكن.. لكل مرحلة ظروفها، وسياساتها.. ورجالها أيضًا.

.. وفى طريق  عملية «الخداع الاستراتيجى» للعدو، حكَّم «السادات» الموازين والحساب.. إذ لم تستفزه الاتهامات، أو تحرفه الاستفزازات.

فى [برقية إلى الزعيم البطل]، كتب الكاتب الكبير «عبدالرحمن الشرقاوى» (فى أسبوع النصر، وهو على فراش المرض) موجهًا كلامه للرئيس السادات:

[لا يلويك عن طريقك شيء.. حتى الألم نفسه.. ولا الكيد ولا الطغيان اللئيم إذ اغتنى.. ولا صلف الجنون إذ انتصر.. انطلقت تحقق الوحدة الوطنية وتهيئ جوًا من الديمقراطية وسيادة القانون وكفالة حرية التعبير، وتقوى شعور الانتماء عند كل مواطن.. ومضيت على طريق التصحيح تجمع الكلمة العربية وتؤلف القلوب المتفرقة حول هدف واحد حمايةً للحياة من أعداء الحياة.. وضمانًا لمستقبل الشعوب من الذين يشعلون النار فى لحوم البشر ... وعندما اتخذت القرار بردع المعتدين وبسحق العدوان فى الوقت المناسب، كنت تُعبِّر عن أحلام المُعذبين، فى الليالى السود، بفجر الحرية والكرامة].

يقينًا.. يُمثل نصر أكتوبر على «الكيان الصهيونى» (إسرائيل) فجر الحرية والكرامة والعزة.. سيظل [احتفالنا] كل عام يؤرقهم.. وسيظل [فخرنا] بما حققه آباؤنا (ونتوارثه جيلاً بعد جيل) غصة فى حلوقهم.. وسيظل «إعلامهم» يحاول محو «عار هزيمتهم» بالكذب والتضليل، واختلاق الروايات.

نصر أكتوبر، هو ملحمة حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.. ملحمة صاغها رجال كانوا على قدر المسئولية، والقرار.. رجال سلموا الراية للرجال.. فألف تحية لـ[من بدأ المشوار]، وألف ألف تحية لـ[من اتخذ القرار].

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز