عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
نجيب محفوظ الأكثر شجاعة وحرية

نجيب محفوظ الأكثر شجاعة وحرية

بقلم : د. عزة بدر

فى المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية  , وبمناسبة مرور 30 سنة على حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل  , كشفت د. فوزية العشماوى  عن تفاصيل مهمة حول فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل , وفوزية العشماوى هى صاحبة أول رسالة دكتوراه عن نجيب محفوظ فى أوروبا , فهى الباحثة المصرية التى كانت تعد رسالتها فى الأدب العربى عن ( المرأة ومصر الحديثة فى أدب نجيب محفوظ ) فى جامعة جنيف بسويسرا



كما كشف د. حسين حمودة  أستاذ الأدب العربى الحديث بجامعة القاهرة عن عديد من الحقائق فى أدب نجيب محفوظ فقال أنه الأديب الأكثر شجاعة وحرية فى فترة الستينيات خاصة  فى رواياته : " السمان والخريف " , و" ثرثرة فوق النيل " .

وأكدت الكاتبة الصحفية ماجدة الجندى أن الحرية هى القيمة الأساسية فى أدب محفوظ  .

وكانت الاحتفالية قد نظمتها العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة , وهى الاحتفالية التى بدأت بعرض فيلم فرنسى بعنوان : " مشوار نجيب محفوظ " للمخرجة الفرنسية آن لينيه .

على موسيقى سيمفونية  شهرزاد  - ألف ليلة وليلة  لكورساكوف بدأ الفيلم التسجيلى الفرنسى عن حياة نجيب محفوظ الذى ظهر فى الفيلم رشيق الخطوة , مرتديا قبعة ويرتدى نظارته الشمسية , وعصاه ربما تسبق خطوه بقليل , كان يمضى قسيما للنيل العظيم , شريكا لكل أبناء مصر فى محبته , وقد تلألأ ت موجاته , وقد جلس أمامها محفوظ متأملا  , رأيناه  بخطوه الوئيد فى حى الجمالية بين مواطنيه الذين يستوقفونه , ويتحدثون إليه فى دفء وشغف , وبدت مشاهد الفيلم مفعمة بأصوات الناس , وزحمة الأسواق , وفرحة المصريين بمواطنهم الذى عبَر عنهم فوصل إلى العالمية , وبدا صوت محفوظ عميقا وهو يتحدث فى الفيلم عن طفولته التى قال أنها تعيش فى نفسه , وأن أمورا أساسية لا تزال توجد باقية فى نفسه  منها , وإن كانت نظرته إليها قد تغيرت بحكم التجارب والمعرفة وخبرة السنوات .

وتحدث محفوظ فى الفيلم الذى تم إنتاجه عام 1991 عن والدته وتأثيرها فى حياته فقد كانت مغرمة بالتاريخ والآثار , وأنها لم تكن تحكى له قصة أو حكاية  مرتين بل كانت كل مرة تحكى بطريقة مختلفة عن الأخرى, ومعها زار المتحف المصرى عشرين مرة , وحفظ تماثيله  , وزار حجرة المومياوات واحتفظ بالكثير من الذكريات حتى درس تاريخ مصر القديم الفرعونى , والقبطى , والإسلامى , وتاريخ مصر الحيث.

كما اهتمت المخرجة بسؤاله عن مسألة مهمة وهى بحثه الحر عن كل حقيقة من حوله ليعرف ما يستحق البقاء , وما يستحق الزوال

ومن أهم مشاهد الفيلم تأكيده على أن الدين هو اللغة اليومية للمصريين , وأن الليبرالية لم تكن ضد الدين , ورأى أن التطرف الدينى هو رد فعل على أزمات يزول بزوالها , وأن هذا التطرف يذهب ضحيته المسلمون المستنيرون , وهم غالبية المستنيرين .

وبعد الفيلم الذى كان يذيع مقطعا باللغة العربية من حديث نجيب محفوظ , ومقولاته نفسها باللغة الفرنسية فى مشاهد أخرى , وبانت خلفية شوارع القاهرة القديمة , والجمالية , ومقاهى الحسين , كما ظهر فى الفيلم الكثيرون من أصدقاء نجيب محفوظ من الأدباء ومن الناس .

الكتابة لمدة 50 عاما

وتحدثت د. فوزية العشماوى فكشفت عن حيثيات فوز محفوظ بنوبل فقالت  : " من بيان الأكاديمية السويدية فى الثالث عشر من أكتوبر 1988 : " أنه واظب على الكتابة لمدة 50 عاما , وأعماله تخاطب الجميع , ورواياته الأولى تركزت فى البيئة الفرعونية لمصر , كما تناولت المجتمع المعاصر , وأنه أسهم فى تطوير اللغة الأدبية التى صورت القاهرة المعاصرة " , وأكدت على أنه نال الجائزة فى رأى لجنة نوبل عن أعماله التالية : " زقاق المدق " , والجزء الأول من الثلاثية " بين القصرين , و" أولاد حارتنا " , و " ثرثرة فوق النيل "

وكانت هذه الروايات فقط هى التى ترجمت إلى الإنجليزية حتى عام 1988  , ومن أسباب فوزه أيضا أنه جعل الرواية سجلا اجتماعيا لمصر .

وأشارت إلى دور د. عطية عامر رئيس قسم اللغة العربية  فى جامعة السويد والذى قدم مذكرة لترشيح  محفوظ  إلى لجنة نوبل عام 1987 , فقد رأى د. عطية   " أن نجيب محفوظ  أعظم ممثل للأدب العربى الحديث , وأحد أعظم كتاب القصة فى العالم " .

وتحدثت  أيضا عن رسالتها للدكتوراه وهى الرسالة الأولى فى أوروبا عن محفوظ , وكانت بعنوان : " تطور المرأة فى المجتمع المصرى الحديث " , ودراسة هذا التطور من خلال أعمال محفوظ مع ترجمة إحدى رواياته إلى الفرنسية , وقد وجدت وقتها بعض المراجع المهمة مثل كتاب " نجيب محفوظ – الرؤية والأداة " لعبد المحسن طه بدر , وببلوجرافيا تجريبية عن أعمال نجيب محفوظ للدكتور حمدى السكوت , وكتابا لأحمد عطية عن محفوظ , وترجمة بالفرنسية لروايته " زقاق المدق " , وأجزاء مترجمة من الثلاثية  إلى الفرنسية , وترجمة انجليزية لروايته " أولاد حارتنا " صدرت بعنوان : " أولاد الجبلاوى " ., ورأت أن تقابل نجيب  محفوظ قبل الشروع فى إعداد الرسالة فأرسلت له خطابا , وقابلته فى مقهى " بترو " فى الاسكندرية عام 1979 .

وتحدثت معه عن المرأة فى أدبه وتطورها فقال أن شخصية حميدة فى روايته " زقاق المدق " كان لديها رغبة فى التطور لكنه انتهى بالانحراف عما أرادته من تطور , أما نفيسة فى روايته " بداية ونهاية " فهى تمثل مأساة الطبقة المتوسطة بين الحربين .

لكن زهرة فى روايته " ميرامار " ففيها تطور حقيقى فهى فلاحة مصرية أصيلة , ثارت على تقاليد بالية للقرية فرفضت الزواج من رجل مسن , وحمت نفسها من كل الإغراءات التى تعرضت لها سواء من صاحبة البنسيون أو من الإقطاعى طلبة مرزوق , أو من عامر وجدى  , أو من سرحان البحيرى, وكلهم حاول إغراء زهرة لكنه حمت نفسها من كل تلك  الشخصيات , وما يمثلون من تيارات فكرية وأهواء شخصية مختلفة , وخرجت من البنسيون إلى العالم , وحرصت أن تتعلم , وتبحث عن وظيفة أفضل ولذ ا قال لها محفوظ أنه يعتبر زهرة فى روايته " ميرامار " نموذجا للمرأة المصرية المتطورة , ولما أتمت الباحثة المصرية رسالتها للدكتوراه أرسلت نسخة منها لنجيب محفوظ عندما صدر الكتاب عام 1985 ., وكانت قد حصلت على الدرجة العلمية عام 1983 .

وعندما أرسلت له نسخة على عنوانه 172 شارع المنيل – العجوزة , رد عليها بخطاب شكرتحتفظ به د. فوزية بخطه .

وترجمت روايته " ميرامار " إلى الفرنسية , وارسلت له خطابا للموافقة على النشر , وعلى الدار التى ستنشرها , واتصلت بها الدار ليلة 12 أكتوبر 1988 , وارسلوا لها التعاقد بالفاكس , وفى الصباح علمت بالمفاجأة فى الساعة الحادية عشرة صباحا فى الراديو عندما أذيع خبر فوز محفوظ بنوبل .

وقال لها : ترجمى كتابك إلى العربية , فترجمته بعد 25 عاما , ونشر الكتاب فى المركز القومى للترجمة فى مصر – فترة تولى د. جابر عصفور رئاسة المركز , ثم أهدت نسخة لنجيب محفوظ  .

وقالت أنها قابلته بعد محاولة اغتياله , وقال لها أنه فقد القدرة على الكتابة باليد اليمين لكنه تعلم الكتابة بيده الشمال .

عالمه رحب لم يقتصر على الطبقة المتوسطة

أما د. حسين حمودة  فقد كشف عن بعض الأوهام التى أحاطت بعالم نجيب مفوظ الأدبى وتمنى أن لا نتعامل إلا مع حقائق  عالمه, فقال : ان من الأوهام الشائعة أن محفوظ هو كاتب الطبقة اامتوسطة , وقد نُشرت دراسات نقدية فى منتصف الخمسينيات مرتبطة بإبداعه فى الفترة من الأربعينيات حتى منتصف الخمسينيات لكن أعماله التالية تجاوزت هذا , ولم ينحصر عالمه الرحب عند الطبقة المتوسطة فقط حتى فى روايته " زقاق المدق " لم تكن كل الشخصيات تنتمى إلى الطبقة المتوسطة .

لقد كان محفوظ يتجاوز نفسه باستمرار , وتجاربه متنوعة , ففى عام 1959 كانت روايته " أولاد حارتنا " نقلة مختلفة , وفى الستينيات كتب روايات تركز على شخص واحد مثلما فى روايته " اللص والكلاب " , و" ميرامار " .

وهناك نقلات أخرى فى " حديث الصباح والمساء " , وكتابته مغايرة فى تاريخ الرواية العربية وخاصة فى " الحرافيش " .

وهناك نقلة خاصة بنصوصه القصيرة أو ما يسمى الآن بالقصة الومضة , والقصة القصيرة جدا فى أعماله : " رأيت فيما يرى النائم " ,و" أصداء السيرة الذاتية " , و" أحلام فترة النقاهة " .

تطوره المعرفى

وتحدث د. حسين حمودة عن معارف نجيب محفوظ , وعالمه المعرفى الرحب فقال أن محفوظ قرأ رواية " البحث عن الزمن الضائع "

لمارسيل بروست بالفرنسية فى ستة أشهر إذ وجدها فى مكتبة – وفى مكانها الآن قصر ثقافة الغورى – لكنه كان يعرف أنه لن يصل إلى الناس إذا ما كتب بطريقة  مستنسخة  من حداثة آخرين , وكان له نهجه الخاص فى الكتابة والطرائق التى انتهجها .

ويرد حمودة على الذين لم يدركوا إدانة محفوظ للظروف التى دفعت بعض بطلاته إلى الغواية , وحتى تلك النماذج كن يحاولن تعديل اوضاعهن , وتغيير الآخرين مثل نور فى رواية " اللص والكلاب " التى تدفع سعيد مهران إلى عالم النور .

وريرى فى رواية  " السمان والخريف " التى تنجح فى حياة مختلفة فتتزوج وتربى ابنتها , وتعمل بجدية .

وأشار إلى القراءات المسيئة لأدب محفوظ والتى صورت بعض كتاباته على أنها ضد الدين فقال : " إن رواية أولاد حارتنا " تقدم أمثولة لمراحل النمو الروحى للإنسان , فتعرض لمحاولة اغتيال من ثلاث شبان لم يقرأوا له سطرا واحدا , وسامحهم , وحاول التدخل للعفو عنهم لكنه لم ينجح , ويضيف حمودة : " إن مأساة رواية " أولاد حارتنا " أنها قرئت ككتاب  " .

كما أن أوهام من قالوا أنه لم ينصف المرأة بسبب تصويره لاستسلام أمينة أمام سطوة شخصية السيد عبد الجواد فى ثلاثية بين القصرين – وهذا هو عنوانها الأول كما قال – لم ينصفوا لأن هذا كان فى مرحلة مبكرة عندما أخرجها السيد عبد الجواد إلى بيت أمها لأنها زارت سيدنا الحسين  , ولكن فى نهاية الرواية تتبدل الأحوال ويتاح لأمينة أن تذهب إلى كل المزارات الدينية , ويصبح السيد عبد الجواد قعيد البيت لمرضه .

بل ان هناك شخصيات نسائية فى رواياته مضيئة مثل حليمة التى ربت عاشور الناجى فى رواية " الحرافيش " .

وأضاف إن عروبة محفوظ , ودفاعه عن الفلسطينيين, ومهاجمته لما تقوم به إسرائيل من عمليات إبادة ضد الفلسطينيين , كان  من أبرز ما تحدث به فى خطاب نوبل , لكنه طوال حياته اتفقنا أو اختلفنا معه كان يرى بناء الدولتين كحل للقضية الفلسطينية .

 

لحظة تاريخية فى مسار الأدب العربى

وتحدثت الكاتبة الصحفية ماجدة الجندى قائلة : " نحن أمام كاتب عظيم يحمل منظومة من القيم على رأسها الإنسان والحرية , فقد صورأشواق الإنسان وأوجاعه , ووضعه وجها لوجه أمام قراره , وحرية اختياره .

وأضافت أنه لابد للإعلام أن يكون جسرا للمعرفة إلى الأدب يصفة عامة , وإلى عالم محفوظ الأدبى بصفة خاصة حتى لا نقف فى يوم من الأيام أمام فكرة محاكمة الأدب من منظور دينى , ان علاقتنا بأدبائنا ليست لأنهم يحصلون لنا على جوائز شهيرة لكن لأنهم يسهمون فى ذلك الإرث الإنسانى بأعمالهم الأدبية , كما تحدثت الكاتبة عن تأثرها بشخصية السيد أحمد عبد الجواد , واستحضرته عندما توفى والدها , وكانت تلك اللحظة مدخلها إلى عالم نجيب محفوظ , بالإضافة إلى أنها كانت فى معية زوجها جمال الغيطانى منذ كان عمرها عشرين عاما , وكان هو وثيق الصلة بنجيب محفوظ ( حيث قال محفوظ فى مقدمة كتاب الغيطانى بعنوان : نجيب محفوظ يتذكر " والذى صدر عام 1981 " هذا الكتاب أغنانى عن كتابة سيرة ذاتية فضلا عن أن مؤلفه يعتبره  ركنا من أركان سيرتى الذاتية " .

كما شددت الكاتبة على ضرورة الاهتمام بالإعلام الجيد عن الاحتفاليات والأحداث الثقافية , ودعت إلى العناية بتوصيل الجهود الثقافية إلى الجمهور من خلال وسائل الإعلام المختلفة .

وكانت العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة قد دعت إلى هذه الاحتفالية المهمة , والتى أقيمت على المسرح  الصغير بدار الأوبرا المصرية  بمناسبة مرور 30 عاما على حصول محفوظ على جائزة نوبل , كما تحتفل وزارة الثقافة أيضا بمرور 60 عاما على تأسيسها عام 1958 , وتشهد دار الأوبرا المصرية العديد من الأحداث الثقافية منها أيضا الاحتفال بمرور 30 عاما على إنشاء دار الأوبرا المصرية لتكون هذه الاحتفالات جميعا رمزا لقوة مصر الناعمة التى تجعلها دائما منارة الثقافة العربية , ومركزا مهما  من مراكز الحضارة فى العالم .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز