عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
القاهرة.. موسكو

القاهرة.. موسكو

بقلم : هاني عبدالله

غالبًا.. عندما يتصدى «رجال الاستخبارات» للعمل السياسى بأنفسهم، فإن تحركات «رقعة الشطرنج» تسمح فى كثير من الأحيان باستيعاب [المفارقات] إلى جوار سياسات الحذر [الاعتيادية].




فقبل يومين.. جددت «الأجندة البريطانية» (عبر صحيفة «صن») اتهاماتها للقيصر الروسى، ورجل الاستخبارات السابق «فلاديمير بوتين» بأنه يسعى (بكل قوته) لإدارة «الملف الليبى» بالطريقة نفسها التى أدار بها «الملف السورى» (!).. ونقلت الصحيفة عن مصدر حكومى بريطانى رفيع قوله: إنَّ هناك تقريرًا للاستخبارات البريطانية تم تقديمه إلى رئيسة الوزراء البريطانية (تيريزا ماى)، أشار إلى أنَّ هُناك رغبة روسية فى «تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة» (!).. وأن الهدف الرئيسى لـ«موسكو» هو السيطرة على أكبر طريق للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا (!)

بدوره هاجم «ألكسندر كرامارينكو»، مدير التطوير فى المجلس الروسى للشئون الخارجية، ما نشرته صحيفة «صن» البريطانية.. وقال «كرامارينكو» (الذى شغل - سابقًا - منصب نائب رئيس البعثة الدبلوماسية الروسية فى بريطانيا): إنَّ المزاعم البريطانية جزءٌ من [حملة مدبرة] تستهدف القوات المسلحة الروسية.. كما أن «الاستخبارات العسكرية الروسية» ما هى إلا جزء من هيئة الأركان العامة بالجيش.. وأن تلك «الحملة المدبرة» بدأت بالحادث المزيف الذى نفذته «الخوذ البيضاء» فى سوريا، مرورًا بـ[قضية الجاسوس البريطانى سكريبال].

لكن.. بالتزامن مع ما قِيل لصحيفة «صن» فى حق الاستخبارات الروسية؛ كان ثمة خبر [أكثر طرافة] يتعلق بمحاولة اغتيال الجاسوس البريطانى «سيرجى سكريبال»، يجوب عددًا من «وسائل الميديا» العالمية، ظهر الأربعاء الماضى (!)


يقول الخبر: إنَّ الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» قلَّدَ المتهم الثانى بقضية محاولة اغتيال الجاسوس «سيرجى سكريبال» وسام «بطل روسيا» (!)


قبل شهور (وتحديدًا فى مارس 2018م).. كان عديدٌ من العواصم الأوروبية (فضلاً عن واشنطن) ينتفض من أجل ما عُرف بقضية تسميم جاسوس بريطانى [روسى المولد والجنسية]، يُدعى «سيرجى سكريبال» (هو وابنته: يوليا) عن طريق غاز الأعصاب المصنع فى الحقبة السوفيتية (نوفيتشوك) بمدينة «سالزبرى» (جنوب غربى إنجلترا).


والجاسوس البريطانى «سكريبال»، كان قد تم القبض عليه فى موسكو.. إلا أنه تم تسليمه للولايات المتحدة الأمريكية فى صفقة لتبادل الجواسيس.. إذ طلبت «واشنطن» مبادلته لصالح بريطانيا [فى سياق تحالف «العيون الخمسة» الذى يجمع بين الطرفين، إلى جانب كلٍ من: كندا، وأستراليا، ونيوزيلندا].. وهو ما تم بالفعل.


وأخيرًا.. بدأت وسائل إعلام (بريطانية، وغربية) تُروّج إلى مسئولية شخصين بعينهما عن محاولة اغتيال «سكريبال» وابنته.. وقالت بريطانيا إنَّ المشتبه بهما استخدما اسمين مستعارين لدخول لندن (رُغم أنَّ شرطة لندن أوضحت أنها لن تُعلق على توقعات الهوية الحقيقة للرجلين اللذين يواجهان اتهامات).


ومع ذلك.. راج أن المُشتبه بهما هما: شخص يُدعى «ألكسندر بتروف»، واسمه الحقيقى «ألكسندر ميشكين»، وهو طبيب عسكرى يعمل لدى جهاز الاستخبارات العسكرية الروسى.. والمشتبه به الآخر، هو الكولونيل «أناتولى تشيبيجا» (!)


وبحسب رواية مُحققين [استقصائيين] أمام البرلمان البريطانى، فإنَّ المشتبه بهما تم تكريمهما «بشكل سرى» بالبرلمان الروسى؛ إذ مُنح الأول وسام «بطل روسيا»، والثانى أعلى وسام روسى بالعام نفسه (العام 2014م).. إلا أنَّ «الكرملين» رفض بدوره (الأربعاء الماضى) تأكيد تلك المزاعم.. وصرح «ديمترى بيسكوف» (المتحدث باسم بوتين) للصحفيين بأن «الكرملين» لم يطَّلع على تقرير الموقع الاستقصائى البريطانى.. كما أنَّه ليس لدى «الكرملين» أى نية للتحقيق فى تلك المزاعم (!)



تبدو – إذًا - لعبة [الاستخبارات/ والسياسة] مثيرة إلى حد بعيد، فيما تحمله من رسائل.. خصوصًا عندما يمارس السياسة شخص مثل «فلاديمير بوتين» (نشأ وتربى داخل غرف الاستخبارات المُغلقة).. إذ إنّ هذا الأمر يدفعه فى كثير من الأحيان لأن يُلاعب «الدولة الأمريكية العميقة» بالطريقة الوحيدة التى تفهمها (!)


فعلى هامش زيارته إلى مزارع شركة «راسفيت» فى إقليم ستافروبول (جنوب غرب روسيا) منتصف الأسبوع الماضى، صرَّح «فلاديمير بوتين» بأنه سيقدم حزمة من المنتجات الزراعية لبلاده إلى نظيره المصرى «الرئيس عبدالفتاح السيسى»، عندما يحل «الزعيم المصرى» ضيفًا على موسكو فى 17 أكتوبر الجارى.. وقال بوتين: «سأستقبل قريبًا الرئيس المصرى، دعونا نقدم له تفاحكم».. ورد مدير شركة «راسفيت» مراد جالييف (بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الروسية) قائلاً: «سنعطيكم كلاً من التفاح والغرسة؛ لكى تقدمونها لـ(الزعيم المصرى).. وتعهد «بوتين» بأنه سيقدم كل «هدايا ستافروبول» للرئيس المصرى بكل سرور.


.. واقترح رئيس الوزراء الروسى «دميترى مدفيديف» أن يطلع كذلك على نجاحات «المزارعين الروس» كلٌ من: السعودية والإمارات.. وأضاف قائلا: «الحمد لله.. علاقاتنا معهما جيدة للغاية».


فإلى جانب المعنى القريب الذى يُمكن أن يتبادر من عبارات «بوتين» [ورئيس وزرائه] من أنّ «موسكو» تسعى لخلق مساحات وأسواق جديدة تستقبل منتجاتها الزراعية.. فإنّ العبارات تنطوى على بُعدٍ آخر.. إذ درجت المنطقة العربية لفترات طويلة على الاحتفاء بالمنتجات الزراعية الأمريكية.. كما كانت ثمرة التفاح (الأمريكية) تُمثل ذروة «الرفاهية الاستهلاكية» داخل منطقة الشرق الأوسط.. وكأنّ «بوتين» أراد أن يُرسل لغرمائه رسالة تقول: [إننا موجودون أيضًا!].
 


بالتوازى مع رسالة المنتجات الزراعية الروسية، فإنَّ المتتبع للتحركات الروسية (خصوصًا داخل منطقة الشرق الأوسط)، يُمكنه ملاحظة العديد من المحاور الرئيسية التى تتحرك عبرها «الدبلوماسية الروسية».. إذ تجاوزت تلك التحركات سياسة «ملء الفراغ» الذى تتركه واشنطن إلى أبعد من هذا.. ففيما كانت سياسة [عدو عدو صديقى] هى السياسة الأبرز خلال فترة الحرب الباردة (وتكوين الجبهات) بين الطرفين، فإنّ «الدبلوماسية الروسية» الحالية تضع إلى جوارها أيضًا سياسة [صديق عدوى ليس - بالضرورة - عدوى].. ففى حين تُعتبر «إيران» (خصم أمريكا بالمنطقة) إحدى حلفاء روسيا، فى الوقت الحالى (خصوصًا فيما يتعلق بالقضية السورية)، فإن «موسكو» لم تدخر وسعًا فى أن تمد قنوات التواصل وتكثف من علاقاتها أيضًا مع «المملكة العربية السعودية» (خصم إيران بالمنطقة)؛ إذ أقامت مراسم استقبال [ضخمة] للعاهل السعودى «الملك سلمان بن عبد العزيز»، عند زيارته لروسيا العام الماضى.. كما وسعت «موسكو» من اتصالاتها مع كُلٍّ من: العراق والكويت والإمارات [وكذلك تركيا!].


وهو ما يعنى أن «الدبلوماسية الروسية» تحشد كل طاقتها إما لملء الفراغ الأمريكى.. وإما للاستفادة – أيضًا – من حالات التململ التى قد تُبديها بعض الأنظمة السياسية (الحليفة لواشنطن) من جراء السياسات الأمريكية المختلفة [والمتصادمة مع بعض المصالح الآنية لتلك الأنظمة، فى بعض الأحيان].. وإما لخلق (من حيث الأصل) مساحة «الفراغ المطلوبة»، بما يسمح لاستغلالها مُستقبلاً.


ومع ذلك.. يبقى الاقتراب «الروسى» من مصر (على وجه التحديد) بمثابة نقطة [مفصلية] تٌحدد شكل خريطة التحركات الروسية بمنطقة الشرق الأوسط (وبما يتجاوز - فى مضمونه - الدور التركى كثيرًا، أو حتى أى تحالفات أخرى).. إذ تظل «القاهرة» هى بوابة العبور إلى شمال إفريقيا، ومفتاح العبور نحو سواحل المتوسط.


.. ولذلك.. تكتسب القمم (المصرية/ الروسية) المتتابعة [بما فيها قمة الأربعاء المقبل] بُعدًا مُميزًا فى العلاقات بين الطرفين، من النواحى: [الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية].. إذ يُمكننا ملاحظة أنَّ العلاقة بين «القاهرة» و«موسكو» باتت – فى الوقت الحالى - بأحسن أحوالها [منذ 45 عامًا تقريبًا].. كما باتت السياسات الاقتصادية والتنموية، التى تتبعها [مُحفزًا] على استقطاب مزيد من الاستثمارات الروسية (إلى جانب الاستثمارات الأجنبية الأخرى).. وهى مساحات يُجيد استثمارها – يقينًا – كلا الطرفين.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز