عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ضريبة.. سيئة الحظ
بقلم
محمد نجم

ضريبة.. سيئة الحظ

بقلم : محمد نجم

الضريبة العقارية.. التي تواجه بهجوم شرس حاليًا من أصحاب المصالح، ليست جديدة على مصر، كما أنها مطبقة في جميع دول العالم، مع اختلاف النسبة وطريقة الحساب.. طبقا لظروف كل دولة.



ومشكلة هذه الضريبة أن سوء الحظ لازمها منذ تطبيقها في مصر عام 1882، فقد اعترض عليها الأجانب عند تطبيقها، فاضطرت الدولة وقتها لإدخالهم في لجان الحصر والتقييم، لكنهم لم يشاركوا فتعطلت إلى حين.

وعندما قررت الدولة تفعيلها في منتصف القرن الماضي، عرفتها الأجيال السابقة باسم «العوائد» حيث كان مُلاّك العقارات يدفعونها كنسبة من القيمة الإيجارية السنوية، ومؤخرًا حمَّلها المُلاّك على السكان!

وفى السنوات القليلة الماضية دخلت مصر في العديد من برامج الإصلاح الاقتصادي، ومن ثم كان الاهتمام بإصلاح منظومة الضرائب والجمارك، وقاد العبقري د. يوسف بطرس، وزير الاقتصاد الأسبق، عمليات الإصلاح بإصدار ضريبة المبيعات التي تحولت إلى ضريبة القيمة المضافة، ثم صدرت تعديلات ضريبة الدخل، والجمارك، وفي عام 2008 صدر القانون الجديد للضريبة العقارية ولازمه أيضا سوء الحظ، حيث تمت مواجهته باعتراضات شديدة، بداية من بعض أعضاء مجلس الوزراء ثم أعضاء البرلمان، وانتهاء بأصحاب الثروات العقارية الذين توحشت ممتلكاتهم بحُكم مناصبهم السياسية والتنفيذية.. للأسف الشديد!

ولم يقتصر سوء الحظ على اعتراضات «النخبة» المهيمنة على أمور البلاد وقتها، بل كان الوقت أيضا عاملًا مضادًا، حيث جاءت أحداث 25 يناير 2011 وتداعياتها!

أضف إلى ذلك.. عدم الاستعداد التام قبل تطبيق هذه الضريبة، حيث كان من الواجب تفعيل ما يسمى "السجل العيني"، أي حصر جميع الثروات العقارية (مبان وأراض) بجميع أنحاء الجمهورية وتحديد مُلاّكها وقيمتها السوقية.

ومع كل ما تقدم، وعندما عدلت بعض قواعدها بقرار جمهوري عام 2014، حددت الضريبة بسعر 10% من القيمة الإيجارية السنوية للعقار، بعد خصم نسبة 30% من تلك القيمة كمصروفات وصيانة.

والأدهى مما تقدم أنه عندما بدأ التطبيق الفعلي لها في منتصف عام 2013، طبقت على 11 مليون وحدة عقارية فقط على مستوى الجمهورية، باعتبارها مسجلة داخل كردون المدن! ومن ثم لم تزد الحصيلة على 500 ألف عام 2014، ثم بدأت عمليات الحصر على الطبيعة خاصة للمدن الجديدة ومنتجعات الساحل الشمالي، فارتفعت الحصيلة إلى 500 مليون عام 2016، ثم زادت العام الماضي إلى مليار و300 مليون جنيه.

والطريف في الموضوع أن القانون أعفى الوحدة السكنية التي لا تزيد قيمتها على 500 ألف جنيه من الضريبة، ثم أدخل تعديل جديد عليه فقرر بمقتضاه رفع حد الإعفاء إلى مليوني جنيه ثمنا للوحدة السكنية.

أضف إلى ذلك.. أننا بدأنا نظام السجل العيني عام 1902، أي منذ 116 عامًا، ومع ذلك لا تزيد نسبة العقارات المسجلة على 2%، حيث أغلب الإشهارات التي تتم في الشهر العقاري شخصية!

وعلى سبيل المثال.. الخرائط القديمة لمدينة العاشر تكشف أن عدد العقارات فيها 17 ألف عقار، لكن مع تحديث تلك الخرائط اكتشف المسؤولون أن عدد تلك العقارات وصل إلى 42 ألف عقار، وبالطبع لا يعلم عنها أحد لأنها ليست مسجلة!

ونزيدك من الشعر بيتًا.. وكما يرغب الإخوة من النخبة الذين دائمًا ما يستشهدون بما يحدث في أمريكا وأوروبا والدول المتقدمة! فقد بلغت نسبة الضرائب العقارية إلى إجمالي الإيرادات الضريبية عام 2015 في أمريكا إلى 12.6%، وفي فرنسا 11.8% وفي بريطانيا 9%، بينما في مصر لم ترد نسبتها على 0.1%! ومع ذلك فالمستهدف منها هذا العام 3.5 مليار جنيه فقط، في حين المستهدف من الإيرادات الضريبية ككل يزيد على 600 مليار جنيه.

وأعتقد أنه لا مانع بعد كل ما تقدم من الإشارة إلى ما هو معروف للكافة أن هدف الضرائب تحقيق موارد مستحقة للموازنة العامة للدولة، والأهم من ذلك هو تحقيق ما يسمى "العدالة الاجتماعية"، وهو ما يطلق عليه الاقتصاديون «إعادة توزيع الدخل القومي»، أي تقوم الدولة بتحصيل الضريبية من الأغنياء وأصحاب الثروات وتعيد توزيعها عل الفقراء ومحدودي الدخل في صورة خدمات أساسية مثل التعليم والصحة والتنمية البشرية، هذا بخلاف تمويل مشروعات البنية الأساسية من طرق ومواصلات ومياه شرب وصرف صحي.. إلخ، والتي يستفيد منها الجميع.. أغنياء وفقراء.

ولسنا بدعة في ذلك، بل إن التهرب الضريبي في أمريكا وأوروبا والدول المتقدمة.. يعد من أخطر الجرائم التي تستوجب العقاب الصارم!

ثم إن القاعدة الفقهية تقول «الغُرم بالغُنم» أي «على قدر ما ربنا يديك من ثروة.. واجب أن تدفع ما عليك».. رضاء وليس جبرا.

نقول كمان.. سيادتك تمتلك قطعة أرض معدة للبناء أو وحدة سكنية.. ثم جاءت الدولة وشقت طريقًا مجاورًا، أو أقامت مطارًا أو أصلحت المرافق ومن ثم ارتفعت قيمة الأرض وكذلك قيمة أو إيجار الوحدة السكنية.. فلماذا لا تدفع نسبة من هذه الزيادة- التي لم يكن لك يد ولا جهد فيها- للدولة.. أي للمجتمع؟!

والغريب أن البعض يدفع في فيلا في الساحل الشمالي أكثر من 110 ملايين جنيه، ثم يتبجح ويرفض دفع الضريبة العقارية عليها بحجة أنها مسكن خاص!

وماذا عن فيلا التجمع الخامس، والأخرى التي بالعين السخنة، والرابعة التي في أبو تلات بالإسكندرية، والخامسة في الشيخ زايد؟

والخلاصة.. اغتنِ كما شئت أو كما شاء لك الله..، لكن ادفع حق المجتمع الذي حققت ثروتك من خلاله.

انتهى عهد «الاستهبال» والصوت العالي، فنحن في دولة عريقة ومحترمة وقوانينها تسري على الجميع.. ولا أكثر ولا أقل من ذلك.

وشكر واجب للمركز المصري للدراسات الاقتصادية على المعلومات التي استخدمتها في المقال.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز