عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
شوقي.. أمير القوافي

شوقي.. أمير القوافي

بقلم : محسن عبدالستار

لو أردنا أن نختار ممن خلقهم الله أناسًا، نالوا أمانيهم شبه كاملة، في الدنيا لكان أمير الشعراء أحمد شوقي واحدًا منهم، فهو تربى وفي فمه ملعقة من ذهب، فعاش بنعمة ومات بنعمة، لم يتمتع بها شاعر عربي في كل العصور على الإطلاق.



 

فقد ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة 16 أكتوبر، عام 1868، وهو لأب شركسي وأم يونانية تركية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديو إسماعيل، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر.

 

نشأ مقربًا من العائلة المالكة، فجاء شعره مصقولًا، بعيدًا عن التغني بالسيف والرمح، كما فعل البارودي، ولم يذكر في شعره التعاسة والشقاء، مثل حافظ.

 

كان شوقي من الشعراء العظام، فكان يتميز بعفة اللسان، ولم يذم أحدًا، ومع شدة خوفه من النقد وبغضه لناقديه، كان يلاطفهم إذا اجتمع بهم.

 

 كان شوقي لا ينظم إلا أهم أبيات القصيدة، بعد نصف الليل، ثم يتمها في الغد، أو ما يليه.. وكان مولعًا بالسينما، يشهدها دائمًا، وكان محبًا للموسيقيين، وهو ما قربه من الملوك والأمراء.

 

ولد ونظره يتجه للأعلى دائمًا، فأتوا إليه بجنيهات من الذهب يلهو بها، فحين تسقط أرضًا ينظر إليها حتى اعتدل بصره.. لقد أوتي شوقي حظًا كبيرًا من الحياة، فكان لا يستطيع إلقاء شعره، فكان ينظم شعره وغيره يلقيه.. أم هو فلا، ورغم ذلك أبدع في كل فن، وقال شعرًا في كل الفنون، وظهرت فيه قدرته الشعرية، سواء في الاجتماعيات أو الرثاء أو المدح أو السياسة، أو الغزل أو الفخر وفي جميع أغراض الشعر.

 

يملك قدرًا كبيرًا من الثقافتين الغربية والعربية، فكان أسلوبه متميزًا بالاعتناء بالإطار والصور والأفكار المستوحاة من الأحداث السياسية والاجتماعية التي تدور حوله.

 

 وله حس لغوي وفطرة موسيقية في انتقاء الألفاظ، حيث تحافظ على توازن الشعر وتضيف له الانجذاب، فهو لا يجد أي صعوبة في نظم القصائد.

 

لقد أقام شوقي في فرنسا ثلاثة أعوام فتأثر شعره بالفنون الفرنسية، لدراسته كمًا كبيرًا من الشعر الفرنسي، والتمكن منه.

 

اشتهر شعر أحمد شوقي كشاعر يكتب من الوجدان في كثير من الموضوعات، فهو نظم في مديح الرسول صلى الله عليه وسلم، ونظم في السياسة وكان هذا سببًا لنفيه إلى الأندلس، إسبانيا حالياً، ونظم الكثير من الشعر في الشوق إلى مصر وحب الوطن، كما نظم في مشاكل عصره مثل مشاكل الطلاب، والجامعات، كما نظم شوقيات للأطفال وقصصًا شعرية، ونظم في الغزل، وفي المديح وفي التاريخ أيضًا.. فكان ينظم مما يجول في خاطره.

 

في 29إبريل، عام 1927 اجتمع أعلام الأمة العربية في دار الأوبرا، لمبايعة شوقي بلقب "أمير الشعراء"، والاحتفال بصدور الطبعة الثانية من ديوانه (الشوقيات)، وبعضويته في مجلس الشيوخ، وفي هذا الاحتفال ألقى حافظ إبراهيم قصيدته التي قال فيها:

 

أمير القوافي قد أتيت مبايعًا   وهذى وفود الشرق قد بايعت معي

 

حين بويع أميرًا للشعراء بقي هاجس المسرحيات يتفاعل في خاطره، فرأى أن تكون الإمارة حافزًا له لإتمام ما بدأ به عمله المسرحي، فأخرج مسرحية "مصرع كليوباترا" سنة 1927 ثم "مسرحية مجنون ليلى" 1933 وفي السنة نفسها "قمبيز"، وفي سنة 1932 أخرج إلى النور مسرحية "عنترة"، وغيرها.

 

لقد جعل شوقي شعره أداة أدبية فنية، فاستخدم شعره في الحث على احترام المعلم وتبجيله، لما يحتله المعلم من مكانة عظيمة في حياتنا.. فقال شوقي واصفًا المعلم:

 

قم للمعلم وفيه التبجيلا     كاد المعلم أن يكون رسولا

 

أعلمت أشرف أو أجل من الذي  يبني وينشئ أنفسا وعقولا

 

ومن جميل شعره، أنه مر على جسر، وكان وقتها متهالكًا فقال شوقي يخاطب الخليفة:

 

أمير المؤمنين رأيت جسرا   أمر على الصراط ولا عليه

 

له خشب يجوع السوس فيه   وتمضي الفأر لا تأوي إليه

 

هنا تظهر في شعر شوقي ثقافته المتأصلة وعلمه بالكثير من القضايا، فأثرت في شعره، واستطاع توظيفها لخدمة هذا النوع من الشعر.. وله أيضًا الكثير من الأبيات في حب وطنه، فكان وفيًا محبًا له فهو القائل:

 

ويا وطني لقيتك بعد يأس  كأني قد لقيت بك الشبابا

 

ولو أني دعيت لكنت ديني عليه أقابل الحتم المجابا

 

أدير إليك قبل البيت وجهي  إذا فهت الشهادة والمتابا

 

فهو هنا قلب كبير يخفق بالوطنية الصادقة، التي لا زيف فيها ولا رياء.. رحم الله أمير الشعراء شوقي.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز