عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الفرعون والقيصر وفالنتينا

الفرعون والقيصر وفالنتينا

بقلم : أيمن عبد المجيد

مصر دولة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، لمسافة تجاوزت 7 آلاف عام.



الحقائق صخور في بنيان التاريخ، لا يزحزحها رأي موتور، من صغار العالم المأزوم بأقزام الساسة، الذين يعانون عقدة العجز عن بلوغ هامة الكبار.

قامة وقيمة مصر، راسخة رسوخ الجبال، لا يوهن من قوتها متآمر، ولا ينال من إرادتها جسامة التحديات.

تمرض لكنها تعود عفية قوية، تبعث الفخر في نفوس أبنائها، تضيف حلقات جديدة من التاريخ المشرق للمزيد والمزيد من أجيالها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ما تشهده أروقة المؤسسات الروسية اليوم وأمس وغدًا، إحدى فترات عنفوان الدولة المصرية، الخارجة لتوها من فترة نقاهة، عبرت خلالها سنوات المرض، وتضميد الجراح.

سَجل التاريخ، فبات من غير الممكن لكائنٍ من كان، أن يعبث بما سُطر في سجلاته، من حقائق تبعث على الفخر، وترتفع ببنيان ما وضعه الأجداد من أساسات.

بات أمرًا مقضِيًا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، هو أول رئيس أجنبي، يقف خطيبًا، على منبر المجلس الفيدرالي الروسي، السلطة التشريعية الأعلى في البلاد.

والمجلس الفيدرالي الروسي، هو السلطة العليا في الاتحاد الفيدرالي، لكيانات روسيا الفيدرالية، البالغة 83 مجلسًا تشريعيًا، يضم 166 عضوًا، بواقع عضوين اثنين منتخبين عن كل إقليم روسي.

هو السلطة العليا، صاحبة الحق في إقرار الاتفاقات والمعاهدات التي تبرمها روسيا، ومن دون موافقته لا يستطيع رئيس الدولة استخدام سلطة التدخل العسكري خارجيًا، أي أنه المجلس الذي منح الرئيس بوتين حق التدخل لحماية الدولة السورية، والبقاء بها حتى الآن.

كتب الرئيس السيسي، صفحة في تاريخ المجلس ذاته، الذي دونت سجلاته، شغل الرئيس مقعد أول الرؤساء الأجانب المتحدثين في قاعة المجلس الأعلى الفيدرالي، وسط حفاوة بالغة، من السيدة فالنتينا ماتفينكو، رئيسة المجلس وأعضائه.

 

الرئيس السيسي في عيون فالنتينا

ثلاث دقائق وثلاثون ثانية فقط، قدمت فيهم السيدة فالنتينا الرئيس، غير أنها في تلك الدقائق التاريخية المعدودة، وصفته بعشر صفات، عكست إعجابها الشديد بالرئيس، وكيف تراه وهي السياسية الخبيرة.

قالت فالنتينا: الرئيس السيسي:

 شخصية سياسية تتمتع بالحكمة وبُعد النظر.
يتخذ مواقف مفعمة بالاحترام لروسيا وشعبها.
كرَّس جُلَّ حياته لخدمة بلاده بقواتها المسلحة.
يحمل أعلى رتبة عسكرية في مصر، المشير.
خلع الزي العسكري 2014، ليقود وطنه للمستقبل.
شخصيته، منهجها خدمة شعبه ووطنه.
يحظى بتأييد تام من الشعب المصري.
جندي محب لوطنه.
أول رئيس دولة أجنبية، يتحدث للمجلس الفيدرالي الأعلى الروسي.

هي كلمة تقديم، في رأيي، سُجلت في التاريخ، قبل أن تُسجل في أرشيف هذا المجلس، قطعًا لم تكن تلك الرؤية عن رئيس مصر وليدة الزيارة، بل نتاج نجاح دبلوماسية ترسيخ العلاقات، وتعزيز مستوى التنسيق، وترميم وبناء الجسور، التي انتهجها الرئيس منذ بداية دورته الرئاسية الأولى.

تلك الاستراتيجية الحكيمة، في اعتقادي، نابعة من تقديرات دقيقة للموقف، كان وما زال هدفها استعادة مكانة مصر ودورها، وشراكتها الاستراتيجية الشاملة، مع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في التأثير على درجة حرارة تفاعلات المعادلات الدولية، ومخرجاتها.

وها هي فالنتينا تدلل على ذلك، باستدعائها، خلال كلمتها، ذكرياتها الطيبة عن لقائها الرئيس السيسي، خلال زيارة مصر في مارس من العام الماضي، وما شهده اللقاء من مباحثات مستفيضة حول القضايا التي وصفتها بالملحة.

إذًا، هو النجاح المصري في استراتيجية كسب النقاط، التي تقدم بها الدولة رؤيتها، وتترك الأيام تثبت صحتها، لتخلق معها صورة ذهنية حقيقية لدى قادة العالم، عن مصر وحضارتها، ورقي قيادتها الحكيمة، في لحظات التعافي.

 

الشراكة الاستراتيجية الشاملة وثمار الزيارة

في رأيي أن القمة المصرية- الروسية، الخامسة، عبر الزيارات المتبادلة بين الرئيسين، هي قمة جني بشائر ثمار شجرة التعاون البناء، التي رويت بمياه الزيارات واللقاءات، الممتدة على مدار السنوات الأربع الماضية.

بيد أن تلك الشجرة ستثمر، ثمارًا، أكثر إنتاجية من حيث الكم والمضمون، ناضجة بفعل الحرارة التي ستنتج عن تفاعلات الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي وقعها الفرعون المصري، والقيصر الروسي في قمة سوتشي أكتوبر 2018.

فتلك الشراكة الموقعة اليوم، في تقديري، بلوغ لنقطة صعود في العلاقات المصرية- الروسية، غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الممتد على مدار 75 عامًا.

 

نقطة صعود غير مسبوقة في العلاقات بين البلدين

قناعتي هذه، نابعة من رصد دقيق، غوص في الماضي بخبراته، والحاضر بتحدياته، أملًا في استشراف المستقبل بتوقعاته، تولد معه دلالات ومؤشرات، خلصت منها للنتيجة السابقة.

تلك الدلالات، تكمن في فحص تاريخ العلاقات بين البلدين، التي بدأت عام 1943، في عهد مصر الملكية، التي وجدت نفسها في الحرب العالمية الثانية، مطلوبًا منها أن تتخذ موقفًا تجاه أطراف الصراع العالمي، وهي لا ناقة لها ولا جمل في ذلك الصراع الدامي والمدمر.

فكان أن وقفت مصر المناهضة للشيوعية، إلى جانب الحلفاء، ضد المحور الذي تقوده ألمانيا النازية حينها، فمصر تحت الاحتلال البريطاني المقاتل في صفوف الحلفاء، هنا العلاقات بدأت بمساندة حلف قبل أن تكون مع دولة.

يمكن أن نصف العلاقات المصرية- الروسية، في عهد الملكية والاتحاد السوفيتي، بمرحلة الطفولة المبكرة، بما تحمله تلك المرحلة من مواصفات عقلية وجسدية، وقدرة الأطفال على اتخاذ القرار.

فيما ولدت المرحلة الثانية من العلاقات، في مرحلة تأسيس الجمهورية المصرية المتحدة، عقب ثورة يوليو 1952، وقد كان ذلك الحلف خيارًا تكتيكيًا، لا استراتيجيًا، فرضته طبيعة المعادلة الدولية.

كانت المعادلة الدولية قطبين عالميين متصارعين، بينهما حرب ضروس باردة، ومصر الجمهورية في مرحلة الطفولة المتأخرة، تضع أقدامها على مرحلة الشباب، تبني جيشها واقتصادها، سعيًا لبلوغ مرحلة القوة والفتوة.

تبنت مصر في تلك الفترة التاريخية في عمر الجمهورية، مواقف حماسية، نابعة من إخلاص للمبادئ، ودوائرها العربية والإفريقية، دعمت حركات التحرر، والقضية الفلسطينية.

بينما كانت أمريكا، القوى العظمى، مفتولة العضلات، تسعى للتمدد والسيطرة، تغذي الكيان الصهيوني، تأبى إلا الاستقطاب.

كان الخيار الحتمي أمام مصر، التي تنتهج سياسة عدم الانحياز في الصراع الأمريكي- الروسي، أن تبني على علاقاتها مع الروس، لمواجهة العدوان الصهيوني، وداعميه، الأمريكان، ومن قبله العدوان الثلاثي، ومحاولات خنق مصر اقتصاديًا لعرقلة بناء السد.

ووجد الروس في دعم مصر الناهضة، الفاعلة في المعادلة الإقليمية تحقيقًا لمصالح روسيا، وتقوية لموقفها في مواجهة مساعي أمريكا في بسط نفوذها، عبر ربيبتها بالإقليم، إسرائيل، وقف الروس إلى جانب مصر بقوة، عبر دعم عسكري وفني، تمثل في التسليح والدعم المادي والفني، عبر الخبراء، لبناء السد العالي.

لكن ذلك الدعم بالسلاح والخبرات الفنية، لم يصل لمرحلة شراكة استراتيجية شاملة.

 

مرحلة فتور العلاقات

المرحلة الثالثة: بدأت في عصر الرئيس الشهيد أنور السادات، مع طرد الخبراء الروس، ثم الفتور في العلاقات، والتقارب مع الأمريكان، وإبرام اتفاق السلام مع الكيان الصهيوني، لإنهاء الصراع المسلح، وما تلاها من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي آثر السلامة، وتقارب مع الأمريكان، بينما فترت العلاقات مع الروس، فاستمرت لكن دون الدفء المعهود في العلاقات السابقة، علاقات دبلوماسية طبيعية، كأي دولتين.

 

المرحلة الرابعة: مرحلة العلاقات الاستراتيجية الشاملة

وهي مرحلة لم تبلغها العلاقات من قبل، بدأت مرحلة تكوينها، قبل وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم، عندما زار روسيا وهو وزير دفاع، فنمت مواقف روسيا العقلانية، التي احترمت إرادة الشعب المصري الذي ثار في 30 يونيو لإنقاذ دولته، وهويته.

ما بلغته العلاقات في عهد السيسي، غير مسبوق، والأكثر حكمة واحترافية، وتحقيقًا للمصلحة الوطنية، واستقلال القرار، فالرئيس السيسي، لم تمنع شراكته الاستراتيجية مع روسيا بناء شراكات استراتيجية مع الأمريكان، وهو توازن في العلاقات المصرية غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث، خاصة أنه توازن غير مسبوق في قوة العلاقات.

غير أن الدقة المهنية، تستوجب الإشارة إلى أن العلاقات الاستراتيجية، مع روسيا، أكثر عمقًا، ورسوخًا، وثباتًا، وتطابقًا في المواقف بشأن القضايا الإقليمية والدولية التي تشغل مصر.

فتحسن العلاقات مع الأمريكان، تأثر إيجابًا، بسقوط الديمقراطيين، وصعود الجمهوريين بقيادة ترامب، فموقف إدارة أوباما وهيلاري كلينتون كان مناهضًا لثورة 30 يونيو، داعمًا للفوضى في المنطقة العربية.

بيد أن مجيء ترامب، غيّر المعادلة، وأحدث تقاربّا مع جهود الدبلوماسية المصرية، وتحقيق إنجازات حقيقية، وفرض الإرادة المصرية، غير أن تلك العلاقات- الآخذة في التحسن التصاعدي- مهددة بالتأرجح حال عودة ديمقراطيين يسيرون على خطى أوباما/هيلاري.

ذلك الاحتمال يتضاءل نتيجة بصيرة الإدارة المصرية الحالية، واستباقها ذلك الاحتمال، بتعميق العلاقات مع الأمريكان، لتتخطى العلاقات مع إدارة، إلى علاقات استراتيجية مؤسسية، وشعبية، قائمة على المصالح المشتركة بين البلدين، وهذا يظهر من خارطة الرئيس في زياراته، قمة رئاسية، ولقاءات بالكونجرس، وقادة الفكر والإعلام، ورجال المال والصناعة.

 

ثمار الشراكة الشاملة مع روسيا

خمسة مجالات للتعاون، هي بشائر ثمار شجرة الشراكة الاستراتيجية المصرية- الروسية، التي غرست بذرتها منذ أربع سنوات، تتمثل في:

 

أولًا: الشراكة الاقتصادية والتجارية النامية

حيث زاد التبادل التجاري بين مصر وروسيا، في عام 2017 بنسبة 22%، وفي الثمانية أشهر الأولى من العام 2018 بنسبة 20%، بحسب ما ذكر الرئيس بوتين في البيان المشترك له والرئيس السيسي عقب قمة سوتشي.

هذا يعني نموًا في التبادل التجاري بنسبة 42% في 20 شهرًا فقط، ومرشح للنمو في الفترة القادمة، ليتجاوز 6.7 مليار دولار,الحالية.

التعاون في مجالات الطاقة، وتفعيل اتفاقية بناء محطة الطاقة النووية السلمية في الضبعة، ومجالات النقل باستيراد 1300 عربة قطارات روسية.

لكن الشراكة الاستراتيجية أعمق وأشمل من مجرد تزايد معدلات التبادل التجاري، المصحوبة بتحسن في الميزان بين واردات وصادرات كل من البلدين، هذا الميزان الذي سيتحسن لصالح مصر مع عودة رحلات الطيران بين كافة مطارات البلدين، وما يصحبه من عودة تدفق السياح الروس.

لذلك فإن الشراكة الاقتصادية المصرية، تتجاوز مرحلة التبادل التجاري، إلى مرحلة توطين الصناعة الروسية في مصر، عبر إنشاء منطقة صناعية روسية، شرق بورسعيد، برأس مال 7 مليارات دولار، تشمل مصانع للدواء، والصناعات الثقيلة والمعادن، وبذلك تنتقل الخبرة الفنية الروسية للكوادر المصرية، وتتوافر قرابة 35 ألف فرصة عمل جديدة للشباب المصري.

إذًا هي شراكة حقيقية، خاصة أن تلك المنطقة الصناعية الروسية، تستهدف منتجاتها الأسواق العربية والإفريقية أيضًا، وموقع مصر الجغرافي، وقناة السويس الجديدة ومحوراها، عززت من الفرص الاستثمارية، وما تبرمه مصر من اتفاقيات تجارة حرة مع دول إفريقيا، عامل جذب رئيسي للمستثمر، ففي محور قناة السويس، منفذ عالمي لنقل البضائع للعالم وإفريقيا، فيحقق لهم جدوى اقتصادية، المصلحة مشتركة.

 

ثانيًا: الشراكة العسكرية والفنية:

هذا الشق من الشراكة ضارب بجذوره في عمق العلاقات، منذ العام 1967، ووقوف روسيا القوي مع مصر، لإمداد الجيش المصري بالسلاح في حرب الاستنزاف، وإعادة بناء القدرات التسليحية، تمهيدًا للعبور في أكتوبر 1973، وهو ما أشار إليه الرئيس السيسي في كلماته، خلال زيارته لروسيا، وألمح إليه خلال كلمته بالندوة التثقيفية للقوات المسلحة منذ أسبوع، بمناسبة احتفالات أكتوبر، حين أشار إلى صعوبة المعادلة الدولية في ذلك الوقت، وصعوبة الحصول على السلاح إلا من إحدى القوتين العظميين حينها، أمريكا وروسيا.

غير أن ما يجعلك تصف التعاون العسكري المصري- الروسي اليوم بالشراكة، هو انطلاقه لآفاق التعاون الفني، ففي الوقت الذي تجرى فيه وقائع الزيارة التاريخية للرئيس السيسي لروسيا، كانت تجرى على أرض مصر مناورة عسكرية مشتركة مصرية- روسية، لقوات المظلات، تحت اسم "حماة الصداقة".

وما سبق ذلك من حصول مصر على طائرات روسية، وسلاح، أسهم في إنجاح استراتيجية مصر 30 يونيو، القائمة على سياسة تنوع البدائل والمصادر التسليحية، بما تتلاشى معه احتمالية خضوع مصر لأي ضغوط، حال اعتمادها على مصدر واحد للتسليح، فلدينا التسليح الأمريكي والروسي، والرافال الفرنسي، والكوري، وغير ذلك.

 

ثالثًا: الشراكة الأمنية

تتمثل في ما أعلن عنه الرئيس السيسي من التوافق، على التعاون الاستخباراتي والأمني، بين الأجهزة المعنية في البلدين، وتبادل المعلومات المتوافرة عن الإرهاب.

بل والعمل على الحيلولة دون انتقال الإرهابيين من الدولة التي تشهد صراعات إلى دول أخرى، وهو الخطر الأكبر، فهناك دول مخربة، تستخدم الإرهابيين سلاحًا، وتنقلهم من مكان لآخر، لتقديم أدوار جديدة، وهو ما يجرى العمل لمواجهته.

هذه الشراكة ناجمة عن تطابق في الرؤية المصرية- الروسية، حول خطر الإرهاب، وليس أدل على ذلك من موقف البلدين من التيارات الأصولية، المتاجرة بالدين، قالها الرئيس السيسي صريحة، في المجلس الفيدرالي، يجب التعاون لمواجهة المتدثرين زورًا بالأديان لتحقيق أهداف ومصالح شخصية، وهم بلا ولاء لدين ولا وطن.

وهذا التطابق في الرؤى حول قضية الإرهاب، ووجوب المعالجة الشاملة، نابع من خبرات الدولتين، وحضارتهما، والأهم اكتواؤهما بنيران الإرهاب، ففي حين كان الرئيسان مجتمعين في سوتشي، كانت العملية الشاملة 2018 في سيناء تواصل اقتلاع جذور الإرهاب، فيما كانت القرم الروسية تتألم، وينزف العشرات من الروس الدماء نتيجة عمل وصفه الرئيس الروسي- خلال إعلان البيان المشترك- بالعمل الإجرامي الذي ما زال قيد التحقيق، داعيًا للوقوف دقيقة حدادًا.

أحد أهم عناصر المواجهة للإرهاب، هو القضاء على الحواضن، ويتحقق ذلك من خلال الحيلولة دون انهيار الدولة الوطنية، بل الحفاظ على الدولة ومؤسساتها الوطنية، لتكون قادرة على بسط النفوذ على أراضيها، وهو ما ينقلنا إلى التطابق في الرؤى بين مصر وروسيا في الملفات السياسية.

 

رابعًا: الشراكة السياسية

نابعة من التوافق حول الحلول المثالية للأزمات الإقليمية، فخلال القمة تطرق الفرعون والقيصر، إلى الأزمة الروسية، وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إنهما توافقا على ضرورة العمل على وقف التصعيد الميداني في سوريا، مع التشجيع على بحث سبل الحل السلمي السياسي.

بل وهناك توافق على الهدف وآليات تحقيقه، فالهدف هو الحفاظ على وحدة الدولة السورية، ببلوغ حل سياسي شامل، يحقق الطموحات المشروعة للشعب السوري، وتكمن الآليات في دفع المسؤول الأممي للبدء في إطلاق لجنة صياغة الدستور، وإنهاء الأزمة في إدلب.

وفي ليبيا كان التوافق، فقد كرر الرئيس ما وجهه للعالم عبر منصة الأمم المتحدة، من أن ما حدث من اقتتال في طرابلس، يؤكد خطورة الاعتماد على ميليشيات مسلحة، وأن مهمة فرض الأمن يجب أن تكون حصرية، في يد قوات الأمن، الجيش الوطني للدولة، لتستطيع بسط نفوذها على أراضيها.

وآلية ذلك التزام المجتمع الدولي بالعمل على إنجاح مبادرة المبعوث الأممي غسان سلامة، حرفيًا، دون أي خيار موازٍ، منعًا لإطالة الخلافات وتجددها.

وأطلعت مصر روسيا على جهودها في دعم إعادة بناء الجيش الليبي، ليحمي الدولة، وهو ما تطابق مع الرؤية الروسية، التي عملت لسنوات لمنع انهيار سوريا، ومؤكد فإن استعادة الجيش الليبي عافيته، يتلاقى مع مصلحة استقرار المنطقة العربية، ومقتضيات الأمن القومي المصري، وتضييق الخناق على التنظيمات الإرهابية.

وفي الملف الفلسطيني، تطابق في ضرورة دعم حل شامل، ينطلق من الدولتين، بأن تكون الدولة الفلسطينية، وفق مبادرة السلام العربية، على حدود 67، وعاصمتها القدس الشرقية، بما يعني شراكة سياسية حقيقية، تدعم المواقف الدبلوماسية في المنظمات الدولية.

 

خامسًا: الشراكة الشعبية والثقافية

بشائر ثمارها، في ما أعلن من توثيق العلاقات والتعاون بين البرلمان المصري، والمجلس الفيدرالي الروسي، وهما السلطتان التشريعيتان الممثلتان للشعب، فضلًا على إعلان عام ثقافي مصري- روسي، يشهد العديد من الفعاليات الشعبية والثقافية المشتركة.

وهي شراكة توطد العلاقات بين الشعبين، فهي بالفعل اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة، لكل مناحي الحياة، من قمة الدولة لقاعدتها الشعبية.

هي عودة لمصر القوية، مصر الحضارة، العصية على الانكسار، المنطلقة بقيادة حكيمة، وبصيرة نافذة نحو المستقبل المدروس بدقة بالغة.

اعتقادي، ستنطلق وتتسع آفاق التعاون المصري- الروسي، بما يحقق الخير للشعبين، وللمحيط الإقليمي العربي بأسره، فعلى رأس الدولتين الفاعلتين، فرعون وقيصر، ينطلقان، من خلفية عسكرية، ومخابراتية، يملكان مهارات العمل الاستراتيجي، المنطلق من تقدير دقيق للموقف.

يعملان بخطط منضبطة، بأهداف تتحقق وفق مراحل زمنية دقيقة، ألم يقل بوتين في البيان المشترك: "توافقنا على التعاون المشترك، لتحقيق التسوية في سوريا، وضبطنا عقارب الساعة".

ألم يقل السيسي: "مواجهة الإرهاب، تتطلب مواجهة جماعية من منظور شامل، العقول والقلوب، والبعدان الاجتماعي والاقتصادي، بجانب الإجراءات العسكرية والأمنية".

هناك رصد لكل عرض، وتشخيص دقيق للمرض، وروشتة علاج، محسوب بدقة لكل داء دواء، محسوب معدلاته وتوقيتاته بدقة.

تحيا مصر قوية، جنة الخير لشعبها، وحصن وظهر قوي لأشقائها العرب وقارتها الإفريقية.

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز