عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
القرآن الكريم وفن الدبلوماسية "6"

القرآن الكريم وفن الدبلوماسية "6"

بقلم : سعدون بن حسين الحمداني

بروتوكول وإتيكيت الوجبات الغذائية



 

يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة بروتوكول وإتيكيت نظام الأكل والشرب، وكيف يتبارون في إتيكيت تقديم أنواع الأكل والمشروبات للضيوف في المناسبات الاجتماعية العائلية أو الرسمية (النهارية أو الليلية) وبمختلف الأنواع والأشكال وبكميات محسوبة رغبة منهم بأن يكونوا القدوة في ذلك، ويتفننون في شكل المائدة وألوان الأغطية والصحون وبقية أدوات الأكل حسب صنف الغذاء ونوعه، فكثير أو أغلب المدارس تبدأ بإتيكيت الطعام وبأنواع بسيطة ومتعددة وغير مسرفة بالكميات، كما هو معروف للجميع بالاحتفاظ بالموروث التراثي والشعبي لكل دولة وخصوصيتها.

إنّ القرآن الكريم تحدَّث عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ فإن الطعام والأشربة استخدمها القرآن في كثير من المواضع وكان رسولنا الكريم- صلّى الله عليه وسلم- يحث على هذا النسق الراقي في الحياة والاقتصاد فيه وعدم التبذير بأصناف الأكل والأشربة، عكس ما نراه الآن تحت مظلة ومسميات مكارم الضيافة وعادات القبيلة والعائلة، مبتعدين كل البعد عن السيرة النبوية الشريفة وكذلك حياة الصحابة وآل البيت الكرام. أما القرآن الكريم فقد تطرق إلى إتيكيت الأكل والأشربة في كثير من الآيات الكريمة، فقد وردت لفظة (طعام) في القرآن 48 مرة وذكرت لفظة (أكل) 72 مرة، وجاءت مع ذكر الزروع والفواكه 20 مرة ومع الفواكه واللحوم 11 مرة، وهو ما يؤكد المكانة الكبيرة التي تحظى بها التغذية في الإسلام، أما لفظة (شراب) فقد ذكرت 37 مرة. ويخبرنا القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة عن أخلقيات التغذية/ أدبيات الأكل والشرب/ نظافة الأغذية والأشربة/ الأكل المتوازن والحمية المتوازنة/ وأخيرا حول نوعية المأكولات والمشروبات، هذا التقسيم الإلهي يسمح بنظرة شمولية للأطعمة والأشربة مبينًا مكانتها في حياة الإنسان اليومية وكيفية التعامل معها.

ذكر القرآن الكريم الاعتدال وعدم الإسراف في الطعام في عدة آيات قرآنية، قال تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا" (31 الأعراف)، وهو ما يطبق بالمدارس الأجنبية بمختلف فروعها، حيث الأكل والشرب بكميات معتدلة ومتنوعة من الصنفين (الطعام والأشربة) وبسيطة بعكس ما هو موجود عندنا تحت مسميات الكرم والعادات والتقاليد، ومع كل الأسف سلة المهملات في بيوتنا مليئة بالأكل المتبقي.

قال تعالى: "كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غضبي.." (81 طه)، وهو تنبيه إلهي لنا بعدم الإسراف في الأكل وتحضير كميات كبيرة من دون داعٍ لهذا الإسراف، تحت مسميات الكرم وعادات القبيلة ورمي المتبقي منه في سلة المهملات.

ذكر القرآن الكريم الماء الذي له أهمية كبيرة للإنسان ويشكل حوالي أكثر من 70% من وزن الإنسان، فقد وردت كلمة (ماء) في القرآن الكريم نكرة ومعرفة أكثر من 50 مرة لأهميتها وجعل الأكل مقرونًا مع الشرب في عدة آيات وقال تعالى "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض.." ( 186 البقرة).

وحث الإسلام على شرب الماء لما له تأثير إيجابي على صحة الإنسان، كما أكد الرسول الكريم هذا الموضوع، ليس للشرب فقط وإنما نظافة اليدين والفم قبل الأكل؛ حيث قال: "بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ" وهو غسل اليدين والفم، لأهميتهما في تناول الوجبات الغذائية الصحية، وهو ما تؤكد عليه المدارس الأجنبية والطبية على وجه الخصوص.

وذكر القرآن الكريم الأكل وحث الناس على أهمية التنويع والاعتدال فيه، ولفتت عدة آياتٍ الأنظار إلى أصناف من الطعام والشراب؛ لأهميتها الغذائية والطبية قال تعالى 
"فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا" (61 البقرة) وهي أصناف الطعام المرغوبة في المجتمع منذ قديم الزمان، والتنوع الغذائي قد أوضحه الإسلام وبين مدى فائدته للناس والالتزام به سواء على مستوى العائلة أم الضيوف أم الأنشطة الرسمية. وهو التنوع في الأكل لفائدته الكبرى وليس البقاء على نوع واحد فالمقصود بالتفضيل هنا هو التفضيل بالمذاق واللون.

وقال تعالى: "كلوا واشربوا من رزق الله" (60 البقرة) وهو درس لنا على أهمية الاثنين معا "الأكل والشرب" ولا يجوز الفصل بينهما ليضع الأكل بالمرتبة الأولى وبعده الماء، ولقد أكدت المدارس الطبية على مختلف أماكنها بالقرون الماضية عدم جواز شرب الماء قبل الأكل، بينما نلاحظ القرآن الكريم قد وضع نسق الأكل والشراب معًا دون المساس بخاصية كل واحد منهما.

كما نلاحظ مدى اهتمام الغرب من أطباء وعلماء بالمأكولات البحرية؛ لأهميتها لصحة الناس نلاحظ القرآن يلقنّا درسا حول لحم السمك الطري ومعناه سهل الهضم وليس فيه أي انعكاسات كاللحوم الأخرى، قال تعالى: "وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا" (14 النحل)

وذكر القرآن الكريم الفاكهة حيث نلاحظ أن الغرب يركزون على هذه الناحية لأن الفاكهة تعمل على قلوية الجسم أما اللحوم فتعمل على حمضية الجسم، فكأننا قد أخذنا استعداداتنا الكافية للاستفادة من أكل اللحم من دون حصول أي ضرر للجسم ثم إن الفاكهة سريعة الامتصاص في الجسم، قال الله تعالى: "وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ.." (67 النحل)، وقال: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ" (1 التين)، فقد أقسم الله- عزّ وجلّ- بفاكهة التين، وقسم الله تعالى لهو دليل حقيقي على أهمية هذه الفاكهة، ومما يدل على أهميتها تنافس الغرب على فقرة الفاكهة ويعتبرونها من الأساسيات في الموائد العائلية أو الرسمية منها، لكن الإسلام قد سبقهم بهذه المعلومات بأكثر من 1400 سنة.

أما عن كيفية تناول الطعام، فلقد علمنا الرسول الكريم كيفية الأكل واحترام الطعام، فقال صلى الله عليه وسلم "كُلُوا مِنْ حَوَالَيْهَا وَدَعُوا ذِرْوَتَهَا يُبَارَكْ فِيهَا" وقَالَ "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلاَ يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْن وَلَكِنْ لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا فإن الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلاَهَا".

وفي الختام، نذكر من آداب تقديم كبار السن على غيرهم في الطعام أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إِذَا سَقَى قَالَ: "ابْدَءُوا بِالْكَبِيرِ، أو بِالأَكَابِرِ" وهو قمة في الذوق والإتيكيت عند البدء بالطعام وهذا شائع وموجود في مضايف أهلنا وكذلك عند القبائل والعوائل العربية وليس عند مدارس الغرب وعاداتهم فقط.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز