عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
شراكة القاطرتين.. الإنجازات المصرية تعمق العلاقات الألمانية

شراكة القاطرتين.. الإنجازات المصرية تعمق العلاقات الألمانية

بقلم : أيمن عبد المجيد

يكتب من برلين 



أربع ساعات، هي المسافة الزمنية التي تقطع فيها الطائرة، ٢٨٩٥ كم، من القاهرة إلى برلين، بيد أن الدبلوماسية المصرية، في قوتها وسرعتها وثباتها، كانت أقدر على قطع مسافات على طريق التفاهمات، على مدار أربع سنوات لبلوغ نقطة الشراكة الاستراتيجية مع ألمانيا، التي يزورها الرئيس عبد الفتاح السيسي الْيَوْمَ بدعوة من المستشارة الألمانية.

شوائب سياسية كثيرة، تلك التي التصقت بالصورة الذهنية لعدد من البلدان الغربية، عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013، ناتجة عن خطاب المظلومية الكاذب لتنظيم الإخوان الإرهابي، ومن والاه، من داعمين بالمال وتوفير الملجأ والمدفعية الإعلامية، تطلب تصحيح الصورة الذهنية عمل مدروس وتقديم حقائق، وبراهين من الإنجازات على الأرض المصرية، ورؤى ثاقبة حول العديد من الملفات الدولية طرحتها مصر، وأثبتت الأيام للعالم مصداقيتها.

ستة لقاءات قمة، جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي، والقيادة الحديدية في ألمانيا المستشارة أنجيلا ميركل، تسبق القمة السابعة المقرر لها أن تجمعهما بعد غد الثلاثاء، بمقر المستشارية الألمانية، كانت مخرجاتها، بمثابة لبنات سعت مصر لوضعها، لبناء هرمي لشراكة صلبة، قاعدته المصالح المتبادلة للبلدين، علاقات راسخة، لا تقوى أعاصير السياسة وأنواؤها على أن تجعله يهتز.

تلك الزيارة التي تشمل في شقها الأول، لقاءات ثنائية بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقمة الهرم السياسي في ألمانية، ورجال الأعمال وممثلي كبريات الشركات الصناعية، وما ينتظر أن يبرم من اتفاقيات وفق تفاهمات الإعداد التمهيدي للزيارة، ينبئ بزيارة ناجحة وتطور غير مسبوق في العلاقات المصرية- الألمانية التي قفزت في غضون الأربع سنوات الماضية من نقطة علاقة دولة مانحة بدولة متلقية للمنح، إلى شراكة استراتيجية متبادلة المنافع، تفرضها ضرورات الواقع وخريطة أولويات واحتياجات كل من البلدين.

وفِي شقها الثاني: المشاركة في فعاليات القمة الثانية، لمبادرة مجموعة العشرين للشراكة مع إفريقيا، احتياج حقيقي لدور الدولة المصرية، بوصفها ركيزة الأمن والاستقرار في إفريقيا، وقاطرة التنمية بها، بما يجرى على أرضها من مشروعات عملاقة تخلق فرصًا استثمارية، فضلًا على رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي يناير المقبل.

شراكة القاطرتين

ألمانيا هي قاطرة التنمية في الاتحاد الأوروبي، فهي الدولة التي استطاعت أن تضمد جراح حربين عالميتين، خرجت منهما أنقاضًا، ليضمد شعبها جراحه، ويعيد بناء الدولة، لتصبح صاحبة أكبر قلاع الصناعة، ومعدلات دخول، فقد بلغ حجم الناتج المحلي ٣.٣ تريليون يورو بمتوسط دخل للفرد ٣٨.٢ ألف يورو سنويًا، ولا يتجاوز معدل التضخم ١.٨% وهي معدلات تضعها في المراتب المتقدمة لاقتصاديات أوروبا.

ومصر هي الدولة التي استطاعت، أن تعبر أمواج الفوضى العاتية، التي ضربت منطقة الشرق الأوسط، فتصدعت دول وانهارت أخرى، فضلًا عما نال بعض دول إفريقيا من دمار الصراعات الدامية، ونجحت مصر أن تثبت أركانها، وتحشد قدراتها الشاملة، وتنطلق في طريق التنمية، خالقة فرص غير مسبوقة للاستثمارات الضخمة من جانب، وداعمة لاستقرار بلدان إفريقيا ودول الجوار من جانب آخر.

ومن ثم فإن الحفاوة الألمانية بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، واختصاصه وفق أجندة الزيارة بلقاءات تبدأ من لقاء الدكتور فرانك فالتر شتاينماير رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية، ثم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، والدكتور جيرد مولر، وزير التعاون الاقتصادي والإنمائي، وبيتر التماير وزير الاقتصاد والطاقة الألماني، فضلًا على لقاء المائدة المستديرة التي تجمع الرئيس السيسي مع رؤساء كبريات الشركات ورجال الاستثمار في ألمانيا، وما ينتظر توقيعه من بروتوكولات واتفاقات تعاون بين مصر وألمانيا في مختلف المجالات، يعكس تشعب العلاقات وانتقالها لمستوى العلاقات الاستراتيجية.

خاصة أن تلك اللقاءات الثنائية الكثيفة للرئيس السيسي، على هامش المشاركة في فعاليات قمة مجموعة العشرين- الشراكة مع إفريقيا، لم تجرَ مع أي رئيس آخر مشارك، بما يعكس تنامي العلاقات المصرية- الألمانية، وما تلمسه ألمانيا من دور مصري فاعل وما توفره مصر من فرص شراكة حقيقية بين البلدين، تحقق مكاسب متبادلة.

وعلى المستوى الاقتصادي

ذكر السفير بدر عبد العاطي، سفير مصر في ألمانيا، أن الملف الاقتصادي يحتل مرتبة متقدمة في اللقاءات التي تشهدها زيارة الرئيس السيسي لألمانيا، في مجالات الطاقة والصناعة، ونقل الخبرات التكنولوجية، حيث يلتقي الرئيس عبد الفتاح السيسي وزيري الاقتصاد والطاقة وزير التعاون الاقتصادي والإنمائي، يعقب ذلك لقاء بحضورهم مع قادة شركات في مجالات متعددة ليس فقط المستثمرين في مصر بل من لديهم رغبة في الاستثمار بمصر، لاطلاعهم على الفرص الاستثمارية الواعدة، وما شهدته بيئة الاستثمار من إصلاحات جارية.

لافتًا إلى أن العجز في الميزان التجاري بين مصر وألمانيا انخفض بنسبة ٤٪ وهذا ليس ناتجًا عن انخفاض نسب الواردات المصرية، فقط، بل وزيادة الصادرات المصرية لألمانيا، مع الأخذ في الاعتبار أن الواردات في أغلبها معدات زراعية وماكينات، وهي واردات استثمارية تستخدم في التنمية، وليست سلعًا استهلاكية.

ما ذكره سفير مصر بألمانيا، وما تكشفه خارطة اللقاءات، الرئاسية في عدد من الدول بينها أمريكا وروسيا والصين، يؤكد انطلاق مصر في علاقاتها الدولية من استراتيجية واضحة، تستهدف بناء شراكات استراتيجية شاملة، مع قوى دولية وإقليمية متعددة، تتنوع معها الشراكات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية، وبناء المواقف حول قضايا دولية، والتعاون البناء في مواجهة التهديدات التي تواجه العالم، سواء كان الإرهاب أو تحديات الهجرة غير الشرعية.

ففي الزيارات الرئاسية التي نتابعها كإعلاميين، يلتقي الرئيس صناع القرار، وممثلي الشعب في السلطة التشريعية،الكونجرس في أمريكا، والمجلس الأعلى الفيدرالي بروسيا، حيث كان الرئيس السيسي أول رئيس أجنبي يلقي خطابًا به، وفِي ألمانيا يلتقي الرئيس غدًا رئيس البوندستاج الألماني، بالمقر التاريخي للمجلس التشريعي العريق.

بينما تمثل اللقاءات مع رجال الأعمال، خطوة ناجحة تثمر الكثير من الاتفاقيات التي تجذب مستثمرين للسوق المصرية، خاصة أن تطور العلاقات المصرية- الألمانية على المستوى السياسي يجعل الحكومة الألمانية محفزة للشركات الألمانية للعمل في مصر.

وفِي ملف السياحة، قفزت معدلات زيارات السياح الألمان إلى مصر، لتتجاوز أعلى مستوى تحقق في العام ٢٠١٠، وهي عودة قوية يعززها ويضاعفها تنامي العلاقات وما سيبرم من اتفاقات على هامش الزيارة.

الإنجازات المصرية خلقت شراكات حقيقية

قوة الدولة المصرية، وسياستها الخارجية، نابعة من وقوفها على أرض صلبة، من الإنجازات الأمنية في مواجهة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، التي تؤرق أوروبا خاصة ألمانيا، فقد نجحت مصر في القضاء نهائيا على الهجرة غير الشرعية، ولَم يعبر سواحلها فرد واحد إلى أوروبا منذ العام ٢٠١٦، وهذا دليل على ما ذهبت إليه مصر، وما تؤكده مرارًا وتكرارًا من أنه لا أمن للعالم إلا بالحفاظ على الدولة القوية القادرة على بسط نفوذها على أراضيها، وقد أكد ذلك المعنى الرئيس السيسي للعالم في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، شارحًا أن الدولة هي اللبنة الأساسية في المنظومة الدولية، ومن ثم بقاؤها وقوة مؤسساتها الضمانة الأساسية للأمن والسلام الدولي.

تلك الروية المصرية حول القضية الليبية والسورية وغيرهما من الدول، التي تشهد مواجهات مع التطرّف أو صراعات مسلحة، ألمانيا في حاجة الْيَوْمَ لمناقشتها، خاصة وهي تستعد في يناير المقبل إلى عضوية مجلس الأمن، كما هي في حاجة للتعاون مع مصر العربية، لاستعادة قوة مؤسسات الدول في ليبيا خاصة، لوقف نزيف الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي عبر أراضيها، وما يمثله ذلك من تهديد لاقتصادات الدول الأوروبية وأمنها وما يخلقه من أرق لساستها.

قيمة مضافة أخرى لمصر، دورها الإفريقي، ورئاستها المقبلة للاتحاد الإفريقي، وما استهدفت من تعزيز فرص التنمية في إفريقيا، بما يتبعه من خلق فرص عمل، تحقق الاستقرار لشباب إفريقيا، وتحد من التوترات ومن ثم خفض معدلات الهجرة غير الشرعية، فضلًا على خلق فرص استثمارية للدول الأوروبية بالقارة الإفريقية، وهو ما سعت إليه ألمانيا أثناء رئاستها لمجموعة العشرين في ٢٠١٧ بإطلاق مبادرة الشراكة مع إفريقيا بهدف تعزيز النمو الاقتصادي، وحرصت على مواصلة المبادرة للعام التالي على التوالي.

مصر نجحت كدولة إفريقية في إحداث إصلاحات جوهرية في بنيتها التحتية، وتحقيق فائض في مجال الطاقة، وإصلاح البنية التشريعية الجاذبة للاستثمار، وهو ما يتوافق مع ما سعت مجموعة العشرين لتحقيقه، من خلال الشراكة مع إفريقيا، كخطوة أولى للدفع بالمستثمرين الأوروبيين لدول إفريقيا، وتوفير حزم حمائية لهم حال تعرض استثماراتهم لأي مشكلات ناجمة عن توترات سياسية.

إذن مصر نموذج ناجح للشراكة، وقاطرة حقيقية للتنمية في إفريقيا، تحقق الشراكة مكاسب متبادلة، فهي شريك حقيقي قوي ليست مجرد متلقٍ للدعم، هي بقناة السويس الجديدة ومحوريها، بوابة الاستثمار في إفريقيا، بكلفة أقل كثيرًا للمستثمر الأوروبي، فالاستثمار في مصر بالقرب من المجرى الملاحي العالمي، يوفر للمستثمر الأوروبي فرص تسويق منتجاته، بأقل كلفة نقل، ومصدر لمواد خام من القارة السمراء، ومنفذ بحري عالمي للوصول للعالم.

مكاسب مصر في مجال التعليم الفني

بسواعد الفنيين، أعاد الألمان بناء ألمانيا، وبسواعدهم تصدرت اقتصاديات العالم، ومصر الآن تسير على طريق إصلاح منظومة التعليم، وتولي الفني اهتمامًا كبيرًا، ومن المقرر توقيع اتفاقية إنشاء جامعة ألمانية للعلوم التطبيقية في العاصمة الإدارية الجديدة، بما ينقل الخبرات الألمانية لمصر، ويوطن التكنولوجيا، ويخلق منتجًا تعليميًا قادرًا على الإيفاء بمتطلبات سوق العمل محليًا ودوليًا.

خريج فني حاصل على بكالوريوس، قادر على الوصول إلى درجة الدكتوراه، ما حصل عليه من علوم تطبيقية، يرتبط بحاجة سوق العمل الفعلية، قادر على الإنتاج والابتكار.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز