عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
السيسي والجراحة دون مسكنات

السيسي والجراحة دون مسكنات

بقلم : أيمن عبد المجيد

يكتب من برلين 



 

قراءة في عقل السيسي الاستراتيجي.. انطلاقًا من قمة برلين ونتائجها

نشاط رئاسي كل أربع ساعات و١٤ فاعلية في زيارة الـ٧٢ ساعة أثمرت ٦ اتفاقيات

القفز بالعلاقات من مرحلة تلقي المنح إلى الشراكة الاستراتيجية الفاعلة القائمة على الدعم المتبادل

ذات يوم كادت المسكنات تودي بحياة الدولة المصرية.. واليوم تبرأ بفضل الجراحة بلا مسكنات

 

على بعد أمتار من بوابة برلين التاريخية «براندنبورج»، الشاهدة على أخطر حقب ألمانيا التاريخية، عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي، فعاليات زيارته التاريخية لألمانيا، بما شهدته من العلاقات المصرية- الألمانية من «قفزة نوعية»، و«حفاوة استثنائية»، وما حققته من نتائج لها، ما بعدها من مرحلة جني ثمار «سياسية»، و«اقتصادية»، وفِي مجال «بناء الإنسان المصري»، فضلًا على الثمار «الأمنية الدفاعية»، وتعزيز «رؤية مصر بشأن عدد من القضايا الدولية»، تقيم قواعد راسخة لعلاقات «استراتيجية».

«براندنبورج»، تلك البوابة التي استغرق بناؤها نحو أربع سنوات، من العام ١٧٨٨، حتى العام ١٧٩١، شهدت انطلاق جيوش هتلر في عهد النازية، في طريقها إلى معارك في الحرب العالمية الثانية، التي خلفت ٦ ملايين قتيل ألماني ٢٥٪ منهم مدنيون، شاهدة على هزيمة، وجحافل الحلفاء الغازية، شاهدة على سُوَر برلين، الذي قسم ألمانيا، على آهات الثكالى وأنات الجرحى.

شاهدة على التحدي الألماني، وإعادة البناء، لدولة استطاعت، في أعوام، أن تنفض عن نفسها غبار الهزيمة التي منيت بها، قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها عام ١٩٤٥، ليبدأ الألمان النساء- قبل بلوغ جيل الأطفال الناجين من الحرب- البناء والتحرر، فقد التهمت الحرب جيلًا كاملًا من الرجال والشباب.

البوابة التاريخية، باتت شاهدة أيضًا على النجاحات المصرية المتحققة، ١٤ قمة ولقاء ثنائيًا، ومتعدد الأطراف، شهدتها قاعات اجتماعات، قصر الرئاسة الألماني، «بيليفو»، ومبنى البرلمان الاتحادي الألماني، التاريخي «البوندستاج»، و«دار المستشارية الألمانية»، ومقر إقامة الرئيس السيسي بفندق: «أدلون كمبنسكي».

لم يكن قطع موكب الرئيس، أو زواره، على مدار ٧٢ ساعة، محيط البوابة التاريخية، لعقد اللقاءات الثنائية ومتعددة الأطراف، إلا عبور بالعلاقات المصرية- الألمانية لمرحلة الشراكة الحقيقية الاستراتيجية، التي قفزت من مرحلة دولة مانحة وأخرى متلقية، إلى مرحلة ما يمكن أن أسميه «الشراكة الاستراتيجية الفاعلة»، القائمة على «الدعم المتبادل»، في لحظة «احتياج تاريخية».

تلك التوصيفات التي وضعتها بين قوسين، ليست أمنيات، وتنبؤات، رَجْمًا بالغيب، بل حقائق يملك كاتب هذه السطور من الحقائق والمعلومات، ما ينبئ به، وما يمكن أن تؤول إليه مخرجاتها من تنبؤات واقعية تستند إلى معطيات وأدوات التحليل السياسي.

«الشراكة الاستراتيجية الفاعلة»، تنبئ بها مخرجات ونتائج، الزيارة التي استغرقت ظاهريًا أربعة أيام، بينما فعليًا ٧٢ ساعة فقط، من وصول الرئيس مقر إقامته في الواحدة والنصف ظهر الأحد ٢٨ أكتوبر، حتى مغادرته في الواحدة والنصف ظهر الأربعاء ٣١ أكتوبر متجهًا إلى شرم الشيخ.

«الشراكة الاستراتيجية الفاعلة»، وضعت مخرجات ١٤ نشاطًا رئاسيًا شهدتها الزيارة، بواقع نشاط كل أقل من ثلاث ساعات عمل، فقد مكث الرئيس ثلاث ليالٍ ببرلين، باستقطاع ست ساعات كل ليلة لاحتياجات الجسم الإنساني، وصعوبة عقد لقاءات من الواحدة إلى السادسة صباحًا، ليصبح المتبقي من الوقت الإجمالي ٥٤ ساعة، شهدت ١٤ فعالية رئاسية.

تلك النشاطات الأربعة عشر، ٧١٪ منها لقاءات ثنائية، جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي مع مسؤولين ألمان، ترتفع تلك النسبة إلى ٨٥٪، بإضافة لقاءين للرئيس، متعددي الأطراف، مع رؤساء شركات الاتحاد الفيدرالي الألماني للصناعات الأمنية، والدفاعية، والثاني مع رؤساء كبريات الشركات الصناعية الألمانية، بينما النسبة المتبقية، مشاركة في القمة الألمانية المصغرة للاستثمار في إفريقيا، وقمة العشرين للشراكة مع إفريقيا، بحضور ١١ رئيس دولة وحكومة.

«التحليل الرقمي»، لأنشطة الزيارة، يكشف «الاهتمام الكبير بمصر ورئيسها»، فهو الرئيس الوحيد من بين ١١ رئيس دولة وحكومة، الذي وضعت ترتيبات لعقد لقاء قمة ثنائية مع المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، وفِي توقيت بالغ الصعوبة، حيث تزامن ذلك مع انشغالها بانتخابات حزبها: «الحزب المسيحي الديمقراطي» في مقاطعة «هيسن»، الأصعب في تاريخ الحزب، فضلا على لقاءات الرئيس الثنائية مع رئيس ألمانيا، وزيارته البوندستاج، البرلمان الاتحادي، الذي يضم ممثلي ١٦ مقاطعة ألمانية.

بينما «بينما التحليل النوعي»، لتخصصات وصلاحيات ومهام، الشخصيات التي التقاها الرئيس السيسي، في اجتماعاته الثنائية، ومتعددة الأطراف، ينطق بالكثير من المؤشرات، على تطور العلاقات، بين البلدين، خطوات كبيرة على طريق الشراكة الاستراتيجية الفاعلة، فاللقاءات اشتملت على مباحثات ثنائية مع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، وهو وزير خارجية سابق، ملم بقضايا الشرق الأوسط، قبل أن ينتخب رئيسًا لألمانيا، مارس ٢٠١٧، ثم المستشارة ميركل، وفونجانج رئيس البرلمان الاتحادي.

الوصول لمشتركات سياسية تعزز الرؤى في الساحات الدولية

اللقاءات بقمة الهرم السياسي بالدولة، بشقيه التنفيذي والتشريعي، أسفرت عن التقاء في وجهات النظر، في قضايا مصرية مصيرية، غاية في الخطورة والأهمية، فمصر تحمل رؤية واضحة في الملفات الليبية والسورية والفلسطينية، ترتكز على مبدأ استعادة الدولة الوطنية، وتقوية مؤسساتها، وفِي فلسطين حل الدولتين، على أن تكون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، ولعل استعادة الاستقرار بالمحيط الإقليمي للدولة المصرية، يعزز من مقومات الأمن القومي، ويحد من المخاطر والتهديدات ومن ثم ما يتبعها من كلفة اقتصادية للتأمين، كلفة للأمن القومي العربي، حال استمرار التهديد.

فقد نجح الرئيس السيسي، في استثمار لحظة احتياج تاريخية، تبحث فيها الدولة الألمانية، عن دعم شريك قوي للقفز بالعلاقات لمرحلة الشراكة الاستراتيجية، القائمة على الدعم المتبادل، ففي تلك اللحظة التاريخية، تعاني ألمانيا من صدامات رؤى حادة بشأن الموقف من المهاجرين غير الشرعيين، ففي الوقت الذي رفعت فيه أنجيلا ميركل راية فتح أبواب ألمانيا للاجئين، فإن المخاطر الأمنية والاقتصادية والسياسية، الناجمة عن تأثير معارضيها، باتت مقلقة لألمانيا، والاتحاد الأوروبي كافة.

ألمانيا في حاجة لحلول جذرية، لقضية الهجرة غير الشرعية، ومصر تملك الدعم والمساعدة، ليس بالوعود بل بالنتائج، والتجربة الألمانية تشهد بذلك، فقبل ٢٠١٦ كانت الريبة هي الثمة الغالبة على نظرة ألمانيا لما آلت إليه الأوضاع في مصر، وبجهد دبلوماسي أبرم اتفاق تعاون أمني مصري- ألماني ٢٠١٦، قدمت مصر خلال فترة وجيزة، ما يؤكد مصداقيتها، خاصة في ما تذهب إليه من أن معين التطرّف واحد، وجماعاته المختبئة خلف ستار الاعتدال مخادعة.

إخوان ساكسونيا

التعاون الأمني أسفر عن إمساك الألمان بخيوط، تتبعها كشف لهم بالوثائق، وعبر مصادرهم، ارتباط مباشر بين التيار السلفي التركي المتطرف، والنظام التركي، والإخوان المتواجدين داخل ألمانيا، وانكشف مخطط تحركاتهم في بناء قاعدة اقتصادية، بأموال الدعم الخارجي، عبر شراء أراضٍ في مقاطعة ساكسونيا صاحبة الاقتصاد المزدهر، فانكشف إخوان ساكسونيا، واستبدل الألمان بمصطلح "المصالحة واحتواء الإخوان في مصر"، مصطلح «التنظيم المتطرف»، عندما يأتي ذكرهم.

الثقة تعززت، فأسفرت في ٢٧ أغسطس ٢٠١٧، عن توقيع اتفاق تعاون لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بعد أن نجحت مصر فعليًّا، في السيطرة التامة على حدودها البحرية والبرية، التي بطول ٥ آلاف كيلومتر، فلم يسجل العالم حالة واحدة للهجرة غير الشرعية منذ سبتمبر ٢٠١٦، عبرت من مصر.

الإنجازات المصرية في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية أوراق اعتماد الشراكة الأمنية

قبل أن يذهب الرئيس لألمانيا في هذه الزيارة، فقد سبقته أفعاله، التي عززت مصداقية الدولة المصرية، وقدرتها على بناء الشراكات، كونها تملك ما تقدمه للآخر من دعم، لا يقل أهمية عما يقدمه إليها، فالقضاء على الهجرة الشرعية عبر حدود بهذا الطول لدولة بحجم مصر، تحوي على أراضيها قرابة ٥ ملايين لاجئ، مندمجون في المجتمع المصري، بلا مخيمات ولا دعم خارجي، ولا ينجح فرد منهم في اختراق الحدود، نجاح منقطع النظير، وليد خبرة أمنية، وسياسية، وكلفة اقتصادية.

ألمانيا أدركت ذلك، وتقدر حجم التكلفة الاقتصادية التي تتحملها مصر، في توفير حياة كريمة لضيوفها، فهم يستخدمون مرافقها، ويستهلكون سلعها وخدماتها المدعومة، من مدارس ومستشفيات، ووقود وطاقة، وقد صرحت أنجيلا ميركل بذلك صراحة في المؤتمر الصحفي الذي عقد بدار المستشارية الألمانية عبر لقائهما، مشيدة بدور مصر في منع الهجرة الشرعية عبر حدودها التي وصفتها بـ«اللامحدودة»، وما يتبع ذلك من تكلفة.

وإن كانت الهجرة تأتي من سواحل أخرى مثل ليبيا، فإن الرؤية المصرية، ثبت لألمانيا أنها الأكثر منطقية، فهي تقوم على أساس التشخيص الدقيق للمشكلات، من أجل تقديم حلول جزرية، فما الهجرة غير الشرعية، إلا نتيجة منطقية، للفرار من الصراعات المسلحة، ومن الفقر والجهل، ومن ثم القضاء عليها يستوجب القضاء على مسبباتها، لذا كانت قناعة ميركل بضرورة دعم موقف مصر الداعي للحفاظ، على الدولة الوطنية في سوريا، ودعم جهود مصر لإعادة بناء الجيش الليبي الوطني، ومؤسسات الدولة لتتولى مهامها في السيطرة على حدودها.

نجاحات أخرى مصرية، قدمت أوراق اعتماد مصر شريكًا استراتيجيًا، تمثلت في تجربتها الناجحة في بتر أذرع الإرهاب، والوصول لشاطئ الاستقرار السياسي والأمني، في محيط عربي وإفريقي متلاطم الأمواج، فكان أول من التقى الرئيس السيسي فور وصوله ألمانيا، وولفجانج ايشنجر، رئيس مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية، الذي دعا الرئيس السيسي للمشاركة في قمة ٢٠١٩، للاستفادة من الخبرة والتجربة المصرية، في مكافحة الإرهاب، الآفة التي تهدد العالم.

وهو ما اتبعه لقاء ثنائي جمع الرئيس- قبل مغادرته برلين بأقل من ساعتين- بهورست زيهوفر، وزير الداخلية الألماني، لبحث مزيد من التعاون الأمني، للحد من تحديات وتهديدات الإرهاب ومافيا تهريب المهاجرين غير الشرعيين، ومافيا غسيل الأموال، وممولي وموفري الحواضن للتنظيمات المتطرفة.

لكن في المقابل، مصر أيضًا في حاجة للدعم الألماني، لتعزيز القدرات الأمنية، فألمانيا دولة تملك تكنولوجيا متطورة، تصنع الأجهزة الأمنية والدفاعية، ومن المهم أن تسهم في تحمل جزء من كلفة محاربة الهجرة غير الشرعية والإرهاب، العابرين للحدود، فنجاح مصر يوفر عليهم كلفة مواجهة الآفتين على أراضي ألمانيا والاتحاد الأوروبي، وربما يفسر ذلك لقاء الرئيس متعدد الأطراف بقيادات الاتحاد الفيدرالي للصناعات الأمنية والدفاعية، فمثل هذا التعاون يعزز قدرات مصر الدفاعية لحماية حدودها.

إذن الشراكة السياسية والأمنية نابعة من احتياج حقيقي متبادل، وقدرة حقيقية لدى طرفي الشراكة على العطاء والدعم، ومثل تلك الشراكات هي الباقية، والراسخة، والندية، والأكثر تحفيزًا لطرفي الشراكة على تعميقها، بيد أن الشراكة الاستراتيجية، تستوجب لتحققها اتساع مجالاتها لتشمل كافة مستوياتها الرسمية والشعبية، الاقتصادية والثقافية.

إفريقيا الدعم والكنز المخبوء

ألمانيا تحقق طفرات صناعية متلاحقة، وضعتها على قمة الدول المصدرة للمنتجات، فباتت ثالث مصدر على مستوى العالم، والحفاظ على هذا المستوى يتطلب أمرين: مصادر للمواد الخام، وأسواق لتصريف الإنتاج، إفريقيا سوق واعدة تحقق الهدفين، بيد أن ذلك يتطلب قدرة شرائية، تتحقق بالتنمية والاستقرار، وتطوير البنية التحتية والإصلاحات الاقتصادية، نمو إفريقيا في صالح ألمانيا الساعية للبحث عن أسواق جديدة للاستثمار.

مصر في غضون أربع سنوات قدمت النموذج الإفريقي الناجح في الاستقرار السياسي، والأمني، والاقتصادي، والطفرة في توفير مستلزمات البيئة المحفزة على الاستثمار، بنية تحتية، طاقة، وقد أشاد بذلك جو كايسر، المدير التنفيذي لشركة سيمنز، خلال كلمته في القمة المصغرة الألمانية- الإفريقية للاستثمار، قائلا: "نحن فخورون بالعمل في مصر، ليس لإنشاء أكبر ثلاث محطات توليد طاقة كهربية في الشرق الأوسط، بل لما تحقق في مصر من إنجاز بفضل دعم الرئيس السيسي، حيث تمت إعادة إصلاح وتأهيل البنية التحتية للطاقة الكهربية في مصر، في زمن قياسي، ثلاثة أشهر فقط"، في تلك الأشهر المعدودات تحولت مصر من دولة تعاني عجزًا إلى محققة للفائض.

عقلية السيسي والجراحة دون مسكنات

عقلية الرئيس السيسي الاستراتيجية- بما لدينا من معطيات- كانت تعمل منذ اللحظة الأولى وفق تشخيص دقيق للمشكلات، محددة الجراحات العاجلة للعلاج، رافضة المسكنات التي كادت ذات يوم أن تودي بحياة الدولة المصرية، فقرر الرئيس التدخل بجراحة إنقاذ عاجلة، متخليًا عن أي مسكنات، متحصنًا بقلاع الوعي التي وضع أسسها، وما زال يراهن على ضرورة اكتمال بنائها للتصدي لهجمات أي فيروسات أو انتكاسات، لما تشهده مصر من تعافٍ ونقاهة.

تلك العقلية الاستراتيجية، أدركت أن الشراكات الحقيقية، تتطلب امتلاك قدرات، تجعل لديك من الأوراق ما تقدمه للآخر، لقاء ما تحتاج أن يقدمه لك، ومثل تلك المعادلة الندية، التكاملية، متبادلة الدعم والمنفعة، تتطلب بناء قدرات مصرية قبل أي شيء بسواعد مصرية، حتى نتحرر من محاولات الاستقطاب والتبعية، أو الإملاءات والشروط، مقابل المساعدة.

لذا شرع الرئيس فور توليه حكم مصر، لإنشاء مشروعات عملاقة، في مدى زمني قصير، بسواعد وتمويل مصري، وكانت قناة السويس الجديدة، الاختبار والبرهان على القدرة، فنحّى مسكنات الأنظمة السابقة، واستخدم سلاح الوعي النابع من المصارحة، وكان النجاح، بالتوازي كان يضع روشتة لكل خلل، ينهض بالبنية التحتية، يسعى للاكتفاء الذاتي من الطاقة، ينوع مصادر التسليح، ومصادر الطاقة، ومصادر جلب الاستثمارات، يخلق البدائل، يملك ما يقدمه للشركاء، فكانت النتيجة بناء علاقات استراتيجية، مع الفرقاء، والحلفاء، بما يخدم المصلحة الوطنية، أمريكا وروسيا الصين وألمانيا، قبرص واليونان، طرق أبواب شركاء جدد كازاخستان وبلغاريا وغيرها من البلدان.

قالت ميركل: "سنستأنف منح مصر ٥٠٠ مليون يورو بلا أي شروط، قولها هذا يعكس تقدم مصر كشريك، يقدم بلا شروط، ليدعم بلا شروط، إن لم يكن لدينا ما نقدمه لما منحنا أحد بلا شروط.

التحرك في عمق القارة السمراء، العمل باستراتيجية ١+١، تنمية لدى الجميع، الجميع رابح من الشراكة، وبدا ذلك واضحًا في التعامل مع قضية سد النهضة، واستعادة عمق العلاقات مع الأشقاء في السودان، وما تسعى إليه مصر الآن من جلب شركاء التنمية، لتسهم مصر لتحقيق التنمية في إفريقيا التي سترؤس اتحادها في ٢٠١٩.

الشراكة في بناء الإنسان

تنمية إفريقيا، هدف تلاقت فيه مصر وألمانيا وقادة إفريقيا، يحتاج لسواعد البنائين، البناؤون يحتاجون إلى إعداد وتأهيل، مصر تملك القدرة البشرية، ١٠٠ مليون، ٦٠٪ منهم شباب، ألمانيا ٨٢ مليونً، منهم ١٨.٥ مليون من جنسيات أخرى، تعاني تراجعًا في معدلات الإنجاب، تتوقع إحصاءات ألمانية تراجع عدد السكان إلى ٦٠ مليونًا بحلول ٢٠٥٠؛ حال استمرار معدلات النمو بحالتها الحالية.

أحد حلول ألمانيا في الاستثمار بالخارج، مشكلة مصر البطالة، وحلها تأهيل الكادر البشري، وتشجيع الاستثمار كثيف العمالة على الأرض المصرية لخلق فرص عمل إضافية، الاستثمار يتطلب أمنًا، وقد تحقق، بنية تشريعية حمائية، صدر قانون الاستثمار الجديد، مصر تملك الآن مناطق بيئة استثمارية نموذجية بمحوري قناة السويس، القناة توفر طرق لنقل المنتجات لإفريقيا والعالم.

العقلية الاستراتيجية المصرية، خلقت البيئة المحفزة، اللقاءات ببرلين أثمرت ٦ اتفاقيات، جميعها تنطلق من ذات العمق الاستراتيجي في التفكير الرئاسي القائم على الحلول الجذرية، فكل اتفاقية تقدم خدمات متبادلة للشريك، تحرص على الانتقال التدريجي لتوطين الخبرة والتكنولوجيا والصناعة لنصل في المستقبل للقدرة على التنافسية، والإبداع، لذا أبرم بروتوكول للتدريب والتأهيل بهدف خلق قدرة تنافسية للمناطق الصناعية على أرض مصر في مجال التصدير.

على سبيل المثال، لاحظت أن سيمنز لا تنشئ مشروعات في مصر أو تقدم خدمات ومعدات مقابل أجر فقط، بل بالتوازي- نزولا على رغبة الرئيس السيسي- يقدمون التدريب لـ٥٥٠٠ عامل، وفِي لقاء مع الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، قال: الرئيس وجه بأن نطلب من الألمان منح فرصة لـ١٥٠ طالبًا مصريًا لدراسة العلوم الحديثة في ألمانيا، وتم بالفعل إبرام اتفاقية توءمة بين الجامعات المصرية والألمانية، لتبادل الخبرات، فضلا على إنشاء أول جامعة تطبيقية ألمانية خارج حدودها في العاصمة الإدارية الجديدة.

إحدى الاتفاقيات تختص بإنشاء هيئة ألمانية للرقابة على الجودة التعليمية في مصر، لضمان الارتقاء بمنظومة التعليم، وفِي لقاء معه ذكر الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، أن الاتفاقيات تستهدف إصلاح منظومة التعليم الفني في المدارس الحالية، فضلا على التوسع في إنشاء مدارس ألمانية في مصر، لنقل الخبرة والتأهيل.

ثمرة أخرى بروتوكول تعاون اقتصادي بقيمة ١٢٩ مليون يورو، وآخر لإنشاء تدريب لمعلمي التعليم الفني، فلا إصلاح من دون تأهيل المعلم.

إذن ما تحملناه من أعباء في السنوات الماضية، لم يكن سوى مرارة العلاج، والتدخل الجراحي العاجل لإنقاذ الوطن، وبناء قدرات للدولة تمكنها من التفاوض لبناء شراكات بكرامة، تثمر إنجازات في المستقبل، لشعب مصر وأبنائه وأحفاده، عقلية استراتيجية تستهدف تحويل مصر لدولة منتجة للتكنولوجيا، تنافس في سوق التصدير العالمي، حفظ الله مصر ومخلصيها.

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز