عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ماذا يريد الرئيس من الإعلام؟ من المنتدى "١"

ماذا يريد الرئيس من الإعلام؟ من المنتدى "١"

بقلم : أيمن عبد المجيد

ماذا يريد الرئيس عبد الفتاح السيسي من الإعلام؟، الحديث عن "الإعلام"، معرفة مسبوقة بالألف واللام للعموم والشمول، تعني كل الإعلام المصري، وللدقة من غير المقبول هنا الحديث عن إعلام مؤيد وآخر معارض، لسببين:



الأول: أن المؤيد  على طول الخط بلا منطق، ولا قدرة على شرح وتوضيح مزيا ما يؤيده من قرارات، غير مقنع ولا مؤثر، غير موضوعي،  فالتأييد يحتاج وعي، والنقد البناء القائم على وعي ودراية وعمق مقبول ومطلوب، أيضاً.

والمعارضة الدائمة، من أجل المعلارضة وعلى طول الخط، إسفاف خلفه أغراض وأمراض، فلا يُعقل أن كل قرار يصدر عمن تختلف معه  خاطئ، وعندما تغمض عينيك عن كل انجاز، وتضخم المشكلات أو تسطح من أسبابها فهذا تضليل، ليس إعلاماً.

والثاني: أن حديث الرئيس عندما خاطب الإعلام، قال: «لا نريد إعلام صوت، مؤيدًا للسلطة، بل إعلام صوته مؤيد لمصر»، ومن ثم فإنه من غير المنطقي، أن يكون هناك خلاف حول هدف الإعلام الوطني المخلص، أن يكون إعلامًا داعمًا لثوابت الدولة، بمفهومها الشامل، وأمنها القومي، وجهود بنائها والارتقاء بشعبها.

خلال المؤتمر الصحفي، للرئيس عبد الفتاح السيسي، بالمراسلين الأجانب، بحضور عدد من الإعلاميين المصريين، ردًا على سؤال حول ما إذا كانت الدولة تريد إعلام الصوت الواحد؟ أجاب الرئيس: "لا نريد إعلام صوت للسلطة، بل صوت للوطن مصر"، وأوضح الرئيس: "الإعلام لا يقوم بدوره في توضيح أسباب تراجعنا في السنوات الأخيرة"... " نريد إعلاماً مخلص وأمين وواعي، أقول واعي فقد يكون مخلص وأمين بغير وعيي".

ما لاحظته هو أن الرئيس يريد إعلامًا، يغوص في أعماق المشكلات، يصل إلى جذورها، وأسبابها الجوهرية، ومن ثم طرح علاجات حقيقية  تقتلعها من جذورها، ما يحدث من معالجات إعلامية هي معالجات- إن جاز التعبير- "قشرية".

ضرب الرئيس مثالًا، التناول غير العلمي لأزمة ارتفاع أسعار إحدى السلع الغذائية مؤخرًا، وكيف أسهب الإعلام في المعالجة القشرية، دون اعتماد الأسلوب العلمي في التوعية بالسبب الحقيقي لارتفاع الأسعار، وهو تقلص الرقعة الزراعية، في مقابل الزيادة السكانية المتواصلة.

أظن الرئيس كان يقصد "البطاطس"، التي كثر الجدل حول ارتفاع سعرها، في بعض وسائل الإعلام، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وما هي إلا نموذج لمعالجات إعلامية سطحية، لقضايا  آخرى أعمق وأخطر هددت استقرار وبقاء دول.

وفي قناعتي، الرئيس محق في مأخذه على الإعلام المصري، في زاوية غياب العمق في التناول، وتسطيح المشكلات، وهو تغييب لوعي المواطن، وانسياب خلف إشباع رغبته في النقد، وتبرؤ الجميع من المسؤولية باستثناء الحكومة، وكأن الحل في الإطاحة بحكومة، وتعيين غيرها، كما هو الحال مع كل حادث قطار، يُقال وزير النقل، ويأتي آخر، فنفاجأ بعد فترة طالت أو قصرت بتكرار الكارثة، لأننا تجاهلنا الأسباب الحقيقية: تهالك البنية التحتية والإدارة الغير اقتصادية للمرفق وسلوك المواطن الموظف بالمرفق والمُستخدم له.

ما نشعر به من أزمات، هو أعراض لأمراض، والعلاج يبدأ من التشخيص الدقيق للمرض، فجسم الإنسان عندما، ترتفع حرارته، لا يكون ارتفاعها في حد ذاته هو المرض، بل هي عرض لمرض يستوجب الفحص، للوقوف على أسبابه الحقيقية، لإزالتها بالعلاج المناسب والشافي.

في علم الاقتصاد، أسعار السلع تحكمها نظرية العرض والطلب، "البطاطس" في الأسواق وغيرها من السلع، سعرها مرهون بكمية المعروض منها، وحجم الإقبال عليها من المستهلكين.

إذن علميًا وواقعيًا، ارتفاع سعر أي سلعة، سببه تراجع نسبة المعروض منها في السوق، أو زيادة الطلب عليها، أو الحاجة إليها التي تدفع المستهلك لطلب وحدات إضافية منها.

وفي قضية مثل هذه، الإعلام المخلص الأمين الواعي، الباحث عن حلول حقيقية، ينطلق من المنطق والحقائق العلمية، يدرس ويحلل تلك النقاط، للوقوف على السبب الحقيقي، لإزالته، وإلا سيبقى الصراخ شعارًا لدغدغة المشاعر، وستبقى المشكلات تلتهم قوت بسطاء الحال منا.

هذا مجرد مثال، إذا كان السبب المباشر هو تراجع نسب المعروض من السلع الغذائية بالأسواق، فإن العلة البعيدة، التي ينبغي البحث عنها، هو لماذا انخفض المعروض من السلعة؟ هل سببه قلة إنتاج الأرض الزراعية؟ أم سببه المحتكرون، الذين يكدسون السلع بالثلاجات الضخمة لتعطيش السوق، تمهيدًا لخلق حالة ضعف معروض، أقل من حجم الطلب فيرتفع السعر، فيطرحونها بالتنقيط للحفاظ على السعر المرتفع، فتتضخم ثرواتهم، بينما الإعلام غير الواعي، يصرخ ليشبع رغبة المواطن، دون بحث مهني للأزمات.

وإذا كان السبب تراجع نسب الإنتاج من الأساس، فإن السؤال المهني التالي: لماذا تراجع الإنتاج؟ هل السبب تقلص الرقعة الزراعية؟ أم هناك أسباب لها علاقة بالأمراض الزراعية أو الظروف المناخية، أثرت على إنتاجية ما يسمى في الريف بـ"العروة"، ويحدث ذلك كثيرًا مع الطماطم، عندما ترتفع درجات الحرارة أو تكون البذور غير جيدة، يقل الإنتاج، ومن ثم المعروض فترتفع أسعارها شهرين أو ثلاثة حتى تظهر ثمار العروة الجديدة.

وإذا كان ارتفاع الأسعار سببه زيادة في طلب المستهلكين على السلعة، وليس قلة المعروض، فما هو سبب تلك الزيادة في الطلب؟ يمكن أن يكون زيادة أسعار سلعة بديلة، مثلًا إذا ارتفع سعر اللحوم الحمراء، فإن البديل الدواجن والأسماك، فيتحول قطاع من المستهلكين للبديل، فيزيد الطلب فيرتفع السعر.

لكن إذا كانت الأسعار، ترتفع في غالبية السلع، فإن الحقيقة التي يخفيها بَعضُنَا، تكمن في الزيادة السكانية، التي لا يقابلها إنتاج يفي باحتياجاتها، ولا يقابلها توسعة في قاعدة الشعب المنتج، في مقابل المستهلكين.

والوقوف على حقيقة المرض، يُساعدنا على العلاج الناجع الفعّال، الذي هو في البداية والنهاية لوجه مصر، يستفيد منه شعبها، الحل في ضبط معدلات الإنتاج والزيادة السكانية، بحيث نصل لنقطة التعادل، للحفاظ على مستويات الأسعار، ثم زيادة نسب النمو الاقتصادي، لتفوق نسب النمو السكاني، يومها يشعر المواطن بتحسن تدريجي وطفرات في معدلات رفاهية الحياة، وجودتها، وجودة الخدمات الصحية والتعليمية.

قِس على هذا المثال، غيره من الخدمات التعليمية والصحية، الزيادة السكانية تلتهم الميزانية، فيزيد عدد المرضى على عدد القدرة الاستيعابية من الأسرة، هذه تبدو كارثة عندما يتعلق الأمر بأسرة العناية المركزة، في لحظة يكون غياب السرير ثمنه فقد حياة عزيز عليك.

هذا لا يعني إخلاء مسؤولية الحكومة عن بعض الأزمات، ولكن بحث موضوعي، في أسباب المشكلات، وخلق وعي لحقيقتها، ومسؤولية كل في خلقها، ودوره في علاجها، رحمة بأنفسنا وبلدنا هذه التي حفظها الله بقدرته وكرمه، رغم ما تعرضت له من أزمات.

قِس على ذلك حصتنا من المياه، الثابتة، منذ عشرات السنين، وتضاعف أعداد الشعب المصري، ما يعني زيادة الاستهلاك، ربط الطلب إلى أن الإعلام من الممكن أن يكون مخلصًا وأمينًا لكن غير واعٍ.

وهي نقطة مهمة لا يمكن لمهني الاختلاف معها، فالإعلام دوره بناء الوعي، ومن ثم إعلام غير واعٍ، لن يسهم في تنمية الوعي لدى المواطن، بل سيقدم له معارف مشوهة، تخلق قناعات مدمرة، ينتج عنها سلوك سلبي، ولعل الرئيس في سياقات أخرى أكد تلك الرسالة، عندما قال إن ما حدث بعدد من بلدان الدول العربية: "علاج خاطئ لتشخيص خاطئ"، وأكد ذلك أن من الخداع أن يوهم الإعلام شعبًا بأن حل مشكلات الدولة في الإطاحة بالحاكم، فعندما فعلها بعض الشعوب وجد نفسه "لبس في حيطة".

المعارضة نفسها تنتقد لإقناع الجماهير بعجز الحاكم، وأنها الأقدر على تقديم الحلول، وعندما تصل للحكم تجد نفسها أمام تحدٍ للمشكلات نفسها، وهي عاجزة عن تحقيقها أيضا.

قال، إنه يريد إعلامًا مخلصًا لوطنه، أمينًا على الكلمة، واعيًا بحقيقة المشكلات وأبعادها، يُسهم في تنمية تركيبة الوعي لدى الشعب، ولعل هذا ما تصدى له الرئيس بنفسه من خلال المكاشفة المكثفة في كلماته في مختلف الفعاليات.

تلك "المواجهة الأمينة بحقيقة المشكلات"، خلقت نموًا في تركيبة الوعي الجمعي لدى الشعب المصري، يقول الرئيس: "لم يكن مقبولًا في الماضي السماح ببناء كنائس في مصر، أو قبول القول بأن من يُؤْمِن أو لا يُؤْمِن له مكان في مصر، لكن الآن قُبِل بناء كنائس، وهذا نمو في الوعي، ناجم عن تجديد الخطاب الديني".

الرئيس يريد إعلامًا مخلصًا لوطنه أمينًا وواعيًا، ونحن أيضا أبناء المهنة، علينا أداء دورنا في الارتقاء بحرفية العمل بمهنتنا، وعلى مصادر المعلومات بالحكومة وغيرها من مؤسسات الدولة، وفي مقدمتهم الوزراء، الاقتداء بالرئيس في توفير المعلومات والمكاشفة.

علينا بذل الجهد والغوص- كصحفيين- في عمق القضايا، ومعالجتها معالجة مهنية، وعلى مصادر المعلومات بالدولة التجاوب، من أجل بناء وعي يُسهم في أداء كل مواطن لدوره في اجتياز التحديات والارتقاء بمصر، التي تستحق منا الكثير، لتظل مرفوعة الهامة، شعبها موفور الكرامة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز