عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
التعليم وحمو بيكا وثورة يوليو

التعليم وحمو بيكا وثورة يوليو

بقلم : محمود حبسة

نحن أمام اختبار حقيقي لنثبت لأنفسنا إذا كنا فعلا نريد إصلاحًا حقيقيًا للتعليم في مصر أم لا، الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم ألقى حجرًا في المياه الراكدة منذ سنوات طوال بتصريحه عن مجانية التعليم وأنها لا يمكن أن تستمر بوضعها الحالي.



بداية لا بد أن نعترف بأننا بالفعل نعاني من تدهور العملية التعليمية في مصر وأن القضية لا تنحصر فقط في ارتفاع الكثافة الطلابية داخل الفصول لدرجة أن فصلًا واحدًا قد تصل كثافته لأكثر من مائة طالب، فهذا جانب واحد من جوانب المشكلة يحتاج علاجه لأكثر من 130 مليار جنيه لبناء 250 ألف فصل، الأهم أننا أصبحنا في ذيل الأمم بمقياس التعليم، وأن دولا كثيرة في المنطقة سبقتنا في هذا المجال باستحداث نظم تعليمية متطورة تفوقت على نظم التعليم في مصر.

أوجه القصور في العملية التعليمية متعددة، وأكبر من أن يحصيها مقال، وهي معروفة للجميع، يكفي أن خريجي مرحلة التعليم ما قبل الجامعي، لا سيما المدارس الفنية، لا يتقن العديد منهم القراءة والكتابة، أما الجامعات المصرية التي تخرج سنويا عشرات الآلاف من الخريجين فالكثيرون منهم ينضمون لطوابير العاطلين، بسبب عدم قدرتهم على الانضمام لسوق العمل، لأنهم غير مؤهلين له، وهو ما يعني تراجع قيمة الانتماء للوطن وإيجاد البيئة الحاضنة للجريمة والتطرف، التعليم في مصر غير جيد وغير لائق في كل مراحل العملية التعليمية قبل الجامعي وبعده، يدلل على ذلك انتشار العديد من الظواهر المجتمعية السلبية، يأتي في مقدمتها التطرف والعنف وسقوط العديد من الشباب في براثن الإرهاب، وتحويلهم لأدوات للقتل وقنابل موقوتة تنفجر في أوطانهم بعد أن تتلقفهم الجماعات الإرهابية في الداخل والخارج، مستغلة جهلهم وعدم قدرتهم على التمييز والتفكير السليم، كذلك انتشار ثقافة الدجل والشعوذة والإيمان بالخرافات فمن فترة لأخرى يتساقط في قبضة رجال الأمن من يدعون قدرتهم على علاج الأمراض المستعصية ورد الغائب وجلب الحبيب وفك السحر، ويتساوى في ذلك أبناء الريف بأبناء المدينة لا سيما أن عددا كبيرا من الضحايا يكون من النساء الحاصلات على مؤهلات عالية.

أزمة التعليم في مصر تحولت بالفعل إلى مرض وكارثة خطيرة باتت تهدد السلم الاجتماعي فالأسرة المصرية التي تنفق أكثر من 60% من دخلها على تعليم أبنائها كيف لها أن تعيش حياة طبيعية فيها قدر من الرفاهية وتلبية العديد من متطلبات الحياة الأخرى، ورغم الحرمان والمعاناة لا يتلقى الأبناء تعليمًا جيدًا، بل ولا ينفعهم ما تعلموه في شيء، وهو ما يزيد من عمق الإحساس بالمعاناة، كما تحولت المدارس إلى بيوت أشباح وأصبح الشارع هو المدرسة وهو المعلم، بكل ما يعني ذلك من سوءات ظهرت جلية واضحة في سلوك وأخلاق الشباب الصغار الذين أدمنوا أغاني حمو بيكا، فمن أين لهذا النشء أن يعرف أن الغناء كان أحد أهم الوسائل الداعمة لثورة يوليو، وأحد أهم أسلحة مصر بعد نكسة يونيو وحتى تحقيق النصر، به قاومت الهزيمة والاستسلام وحافظت على الروح المعنوية وعلى لحمة شعبها.

المستفيدون من تردي التعليم في مصر بعض السماسرة من أصحاب مهن لا علاقة لها بالتعليم وأباطرة الدروس الخصوصية الذين يمارسون التعليم كتجارة، وهو بالفعل تجارة رابحة يتعدى حجمها المليارات سنويا تدخل جيوب هذه الفئة، القضية إذا تتطلب نظرة متعمقة وجرأة في تناولها بما يحقق الهدف وهو إصلاح حقيقي للتعليم في مصر، الدولة تسعى حاليا ولأول مرة لتطبيق رؤية تستهدف النهوض بالعملية التعليمية لكن يتطلب ذلك تكلفة باهظة وهو ما يفرض ضرورة أن تكون هناك مشاركة مجتمعية حقيقية وفاعلة بين الدولة والمجتمع فكلاهما شريك وكلاهما طرف أساسي، وكلاهما مهتم بعملية تطوير التعليم، ولذا يجب أن تكون هناك بداية اتفاق على الرؤية ثم على المنهج ثم مشاركة في التكاليف.

الدولة وحدها غير قادرة على مواجهة التحدي الذي لا يقتصر فقط على توفير التمويل اللازم، بل وتحدي الثقافات المتوارثة التي نتوارثها جيلًا بعد جيل، وكذلك العادات والتقاليد التي تقف أحيانا حجر عثرة أمام أي رغبة في تطوير التعليم مثل رفض تعليم البنات في الصعيد، مشاركة المجتمع إذا في تطوير التعليم ضرورة ملحة لا سيما رجال الأعمال وأصحاب الشركات باعتباره أهم مشروع قومي، وكذلك الأهالي وأولياء الأمور الذين يدفعون بالفعل ثمنًا باهظًا من خلال الدروس الخصوصية، وهو ما يتطلب التوصل لفكرة بعد حوار مجتمعي حول آلية يتفق عليها الجميع دولة ومجتمع وخبراء عن مشاركة أولياء الأمور ولو بنسبة مما يتم دفعه سنويا على الدروس الخصوصية في مقابل بناء المدارس للقضاء على مشكلة الكثافة ومضاعفة رواتب المعلمين على أن تستصدر الدولة تشريع بتجريم الدروس الخصوصية، ولا يمنعنا من ذلك الخوف من الحديث عن هدم منجزات وثوابت ثورة يوليو لأن مجانية التعليم غير موجودة على أرض الواقع فلا يوجد بيت في مصر في قرية أو نجع أو مدينة به تلميذ أو أكثر في أي مرحلة من مراحل التعليم إلا ويتكبد ولي أمره ثمنًا باهظًا يدفعه للدروس الخصوصية مهما كان ولي الأمر غنيًا أم فقيرًا، القضية جد خطيرة وتتطلب مواجهة جادة وصريحة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز