عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لماذا خسر الأهلي في رادس؟

لماذا خسر الأهلي في رادس؟

بقلم : د. شريف درويش اللبان

كنا قديمًا نتحدثُ عن "المأساة الإغريقية" عندما يحدثُ مُصابٌ جَلل، فلا نجد له من وصفٍ أمثل سوى أنه مأساةٌ "إغريقية"، ويوم الجمعة الماضي تحديدًا نستطيع أن نصف ما حدث للنادي الأهلي المصري أمام نادي الترجي التونسي في الملعب الأولمبي في مدينة "رداس" بأنه مأساةٌ "إفريقية" بكل المقاييس على "مازورة" الفشل من كلِ الأطراف، سواء كان هذا الفشل مصريًا أو تونسيًا أو أهلاويًا أو ترجويًا أو على مستوى اتحاد الكرة الإفريقي أو الاتحاد المصري لكرة القدم، ولا نستطيع أن ننسى وسط هذا كله دور الإعلام في حفز هذا الفشل ومضاعفته إلى أجواءٍ غير مسبوقة كادت أن تصل بنا إلى محطة مباراة "أم درمان" بين منتخبي مصر والجزائر.



ولعل الإعلامُ المصري هو الذي أجج الصراع بين مصر وتونس، وذلك من خلال تسريب طاقم تصوير ونقل مباراة الفريقيْن في برج العرب للقطة قيام لاعب الأهلي وليد أزارو وهو يقطع فانلته على السوشيال ميديا؛ فالمتابعون للمباراة على شاشات التليفزيون لم يشاهدوا هذا اللقطة مطلقًا، وهو ما يعني أنه تم تسريبها من خلال أشرطة الكاميرات، لأراها ويراها ملايين المستخدمين لفيس بوك عقب انتهاء المباراة، وهي اللقطة التي نُشرت بفعل فاعل لا يريد بمصر ولا بالنادي الأهلي ولا بالعلاقات المصرية- التونسية خيرًا، وهو ما يجب تحويله إلى تحقيق موسع في "ماسبيرو" ومعاقبة المسؤولين عنه أشدَ العقاب.

قد تكون فعلة "أزارو" غير أخلاقية ولا نوافقه عليها، إلا أنها لم تقدم أو تؤخر في نتيجة المباراة أو قرار الحكم الذي ذهب إلى Var لمدة ثلاث دقائق كاملة ليحسم قراره في احتساب ضربة الجزاء، ولكن أن يقوم (مصريون) يعملون في التليفزيون (المصري) بتسريب هذه اللقطة التي لم تُذع أثناء المباراة ووضعها على السوشيال ميديا فهي جريمةٌ نكراء تخلى فيها مَن فعلَ هذا الجُرم عن مِصْريته، وقدم للفريق التونسي المنافس ولاتحاد الكرة التونسي وللاتحاد الإفريقي السلاح الذي يغمده في صدر مصر وصدر فريق النادي الأهلي، الذي كان يطمح لتحقيق الكأسِ التاسعة في هذه البطولة، وهو ما تم من خلال معاقبة مهاجم الأهلي الفذ "أزارو" بسرعةٍ عجيبة فيها شُبْهَةُ التواطؤ حتى لا يلحق بمباراة العودة بعد أسبوع فقط من المباراةِ الأولى، ومعاقبة النادي الأهلي بغرامةٍ مقدارها 20 ألف دولار، واتهام باتريس كارتيرون مدرب الأهلي بالتواطؤ مع اللاعب!

وقد أُديرت حملةٌ إعلامية وحربٌ نفسية مخططة على السوشيال ميديا من قِبَل الميليشيات الإلكترونية وبعض الجماهير المتعصبة الكارهة للنادي الأهلي وتتمنى له الهزيمة، وكأنه نادٍ يمثلُ الكِيَانَ الصهيوني ولا يمثل الدولة المصرية التي نعيشُ جميعًا على أرضها ونستظلُ بسمائها ونسعدُ ونفخرُ بإنجازاتها. وكانت هذه الحملة تستهدف إفسادَ العلاقات التاريخية بين الشعبيْن المصري والتونسي، وانساقت لها بعضُ وسائل الإعلام في البلديْن عدا أقلام شريفة مصرية محترمة أذكر منها عصام كامل وعماد الدين حسين، وهو ما كان يُنذرُ بكارثةٍ تتضاءل إلى جانبها خسارة البطولة ذاتها. وقد قامت حركة "النهضة" التونسية (الإخوانية) وزعيمها راشد الغنوشي عضو التنظيم الدولي للجماعة بدور الشحن المعنوي للجماهير التونسية، ما أدى إلى تجمعِ سحبٍ سوداء كثيفة في سماء "رادس" كادت أن تُمطر "زخاتٍ" من مطرِ الإرهاب الأسود انتقامًا من مِصْرَ وفريقها الذي واتت "إخوان" تونس الفرصة في الانتقام منه عقابًا على ما قام به الشعب المصري بالثورة على رفيقتها جماعة "الإخوان" الإرهابية في مصر.

ولولا حضور رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد ووزير الداخلية التونسي ورجاله ورئيس الاتحاد الدولي (فيفا) ورئيس الاتحاد الأفريقي ووزيرة الشباب والرياضة التونسية، ولولا إيفاد د. أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة المصري بتكليفٍ رئاسي من الرئيس عبد الفتاح السيسي، للسفر مباشرةً إلى تونس عقب عودة الوزير من منتدى الشباب الدولي بشرم الشيخ لحدثَ ما هو أسوأ مما حدثَ في المباراةِ التاريخية بين مصر والجزائر في "أم درمان"، التي من المفروض أنها أُقيمت على أرضٍ محايدة، فما بالكم والمباراة كانت تُلعب على أرض الخِصم ومِعْقَلِه في مدينة "رادس" ووسط جماهيره الغفيرة التي سمح لها الاتحاد الإفريقي بالحضور، ورفع العقوبات عنها لتساندَ فريقها بهذه القوة، وهو أيضا قرارٌ غير عادل لم يتم الاحتجاج عليه.

وهنا نسأل سؤالًا يمثل غُصةً في حَلْقِ كلِ المصريين: أين اتحاد الكرة المصري الذي يقبع في "الجبلاية" بعيدًا عن كل ما يتعلق بالشأن الكروي في البلاد؟ أين هذا الاتحاد من نشاط اتحاد الكرة التونسي الذي تحرك ودعّم فريق "الترجي" لدى الاتحاد الإفريقي ليستصدرَ كل هذه العقوبات ضد النادي الأهلي، ويساوم الاتحاد الإفريقي لعودة كل جماهير "الترجي" إلى المدرجات، وهي الجماهير التي كانت فُرضت عليها عقوبات في وقتٍ سابق؟ أين الاتحاد المصري الذي لم يتحرك على أي صعيد في سلبيةٍ لا تليقُ بمصر، أكبر دولة عربية وإفريقية، وأقدم هذه الدول في ممارسة لعبة كرة القدم.

إن الاتحاد المصري لكرة القدم لم يعد اتحادًا للعبة، بل صار اتحادًا إعلاميًا يصل إليه مَن له برنامجٌ ومِنَصَةٌ إعلامية أو أكثر لاستغلالها في الدعاية الانتخابية للوصول إلى الجبلاية لجني المصالح والبدلات والمكافآت والسفريات وعوائد الإعلانات وعقود الرعاية وربما "التي شيرتات"! إننا لا نطالب بحل الاتحاد المنتخب، لأن ذلك قد يؤدي إلى تجميد لعبة كرة القدم في مصر، لكنني دعوت وزير الشباب والرياضة د. أشرف صبحي- عندما كان يشارك معي في مناقشة رسالة دكتوراه يوم السبت الماضي بكلية التربية الرياضية بجامعة الإسكندرية- إلى وضعِ شرطٍ في من يترشح لعضوية الاتحاد، بأن يكون متفرغًا لهذا العمل لتحقيق التقدم والارتقاء باللعبة في مصر ورعاية الأندية المصرية، وهذا الوضع لا يستقيم بالنسبة لأعضاء الاتحاد الذين هجروا الاتحادَ وأمورَ اللعبة وشدوا الرِحَالَ إلى الفضائيات!

إن الاتحادَ المصري لكرة القدم قد ماتَ وشَبِعَ موتًا منذ صفر مونديال روسيا الصيفَ الماضي، عندما سخرَ أحد أعضائه بالفيديو على السوشيال ميديا من هزيمة منتخب بلاده، فهل تسمع لأعضاء الاتحاد رِكْزَا. أيها الراقدون في الجبلاية لماذا لم تتحركوا عندما قامت الجماهير التونسية برشقِ فريق الأهلي بالحجارة ما أدى لإصابة أحد اللاعبين بطوبة تسببت في ثماني غرز في وجهه؛ ألم نفشل في الصعود لكأس العالم ذات مرة بسبب طوبة في رأس الحكم في مباراتنا مع "زيمبابوي"، ما أدى لإلغاء المباراة وإعادتها على أرضٍ محايدة، ألم يؤدِ رشقُ الجماهيرِ المصرية أتوبيس منتخب الجزائر وإصابة أحد لاعبيه إلى إلغاء المباراة وإعادتها في "أم درمان"، لماذا تتلقى مصر العقوبات بصدرٍ رحب، ولا يتحركُ اتحادُها في الذَوْدِ عن حِياضِهَا والدفاعِ عن مصالحها؟

لماذا لم يستطع اتحادُ الكرة المصري أن يحرك ساكنًا في ظلِ كل الشماريخ التي دخلت ملعب المباراة في "رادس" دون تفتيش للجماهير من قِبل أجهزة الأمن التونسية، وهو ما كان يتم أمام أعين رئيس الاتحاد الدولي (فيفا) ورئيس اتحاد الكرة الإفريقي الذي لا يجيد فرض العقوبات سوى على الفرق المصرية، وكأن مصر هي "الحيطة المايلة" للاتحاد الإفريقي، وهو ما حوّلَ ملعبَ المباراة إلى ساحةِ حربٍ تُغلفها سحبُ الدخانِ الكثيف وليست ساحة مباراةٍ رياضية نظيفة.

لقد انهزمَ الأهلي قبلَ أن يلعبَ المباراة.. لقد خَسِرَ الأهلي بطولة.. ولكن اتحادَ الكرة (المصري) خسرَ احترامَ كلِ المصريين.. إنه اتحادٌ لا يرمز سوى للفشل.. لو لديكم ذرةً من كرامة لقدمتُم استقالاتِكُم الجماعية ليأتي اللهُ بقومٍ آخرين متفرغين لإدارة شؤون اللعبة في مصر، أو تتخلوا عن برامجكم في الفضائيات لتُكفروا عن سواءتكم وخطاياكم في حقِ اللعبة وفي حقِ الوطن وفي حقِ كلِ المِصْرِيين.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز