عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
موطـن الداء!
بقلم
محمد نجم

موطـن الداء!

بقلم : محمد نجم

«عندنا مديرين كُثر ولكن الإدارة بعافية شوية»، هذا ما فهمته من التصريح الواضح للرئيس السيسي في أحد المؤتمرات العامة مؤخرًا.. حيث قال «أحيانًا.. بنسمع كلام مرتب ومنظم.. وشكله جميل، ولكن عند التنفيذ.. بنشوف حاجة تانية خالص».



واعتقد بهذا التوصيف الصريح.. قد وضع الرئيس يده على «موطن الداء» في مشكلة الإدارة في مصر.. فالبعض يجيد «التنظير» بحديث متدفق بكلام مرتب، مستخدمًا بعض التعبيرات الأجنبية كدليل على الاطلاع والثقافة، مستشهدًا ببعض الأرقام والبيانات التي تبدو صحيحة، ليوهم المستمعين أنه درس وبحث الموضوع الذي يتحدث فيه على شاشة التليفزيون أو في أحد المؤتمرات!

وهنا تبدأ المشكلة.. حيث قد تقتنع بعض الجهات المسؤولة عن التعيينات بما يقوله هذا المتحدث، فتسارع باختياره لمنصب مهم، ثم تمر الأيام والشهور لتكتشف فيما بعد أنها اشترت بطيخة «قرعة»! ولكن تكون النتيجة على أرض الواقع، إن هذا الشخص «المكلمة» قد ضيع وقتًا ثمينًا على المجتمع خلال توليه مهام منصبه، فضلًا عما سببه من خسائر للمكان الذي تولى مسؤوليته، لعدم قدرته على قيادة مرؤوسيه أو لتردده في اتخاذ القرارات المطلوبة تجنبًا «لوجع الدماغ».

وأحيانًا ما يتحول المنصب الذي حصل عليه إلى «سبوبة» لتحقيق مكاسب مادية غير مشروعة، واعتقد أن محافظ المنوفية السابق والذي حكم عليه بعشر سنوات سجن، خير مثال على ما تقدم.

ظاهرة أخرى يعاني منها نظام الإدارة في مصر، وهي «الإدارة بالشلة» من الأصدقاء أو الأقارب.. أو حتى المريدين والمصلحجية، حيث يسارع المسؤول الجديد بتغيير أعضاء مكتبه الفني والإداري، والاستعانة بموظفين من خارج المكان في وظيفة مستشارين أو سكرتارية، أو يحاول التخديم على أصحابه القدامى.

ولعلنا نتذكر ما فعله وزير سابق لقطاع الأعمال، حيث فوجئ الجميع بحل جميع مجالس إدارات الشركات القابضة وبعض الشركات التابعة، وتعيين أصدقائه ومعارفه في المجالس الجديدة.

وكان أخطرها ما فعله في مجلس إدارة الشركة القابضة للغزل والنسيج، حيث جاء بأغلب المنافسين من القطاع الخاص لمنتجات شركة المحلة وغيرها في عضوية مجلس الإدارة الجديد، ولم يضم أحدًا من قيادات الشركات في تلك المجالس وهم الأعلم بظروفها ومشاكلها وكيفية التعامل مع عمالها وعملائها والأهم انه ليس لهم مصالح شخصية «تتعارض» مع مصالح الشركات التي يديرون مجالس إداراتها! ومن حسن الحظ أنه لم يعمر طويلًا في موقعه سوى بضعة أشهر، واختارت الحكومة شخصًا آخر يحاول الأن إصلاح ما أفسده سابقيه، ولا نملك سوى الدعاء له بالتوفيق.

ظاهرة أخرى يعاني منها النظام الإداري المصري، وهي ظاهرة «الفردية» حيث يأتي المسؤول الجديد واهمًا من حوله بأنه سيفتح مكة، ويبدأ في نقد وتشويه كل ما فعله سابقوه، وعندما يبدأ العمل الفعلي نجده احتكر لنفسه الحكمة واتخاذ القرارات الصائبة، ويعمل بشكل منفرد ولا يستعين بمن حوله من الكفاءات أو الخبرات المتنوعة التي يزخر بها المكان الذي يتولى مسؤوليته.

ومثل هذا المسؤول يستأثر بكل شيء، ويتعامل مع مرؤوسيه وكأنهم مجرد سكرتارية غير مسموح لهم بالاجتهاد، وإنما عليهم فقط تنفيذ ما يأتمرون به!

والغريب في الموضوع أن هذا المسؤول الجديد يتغافل عن انه مجرد «محطة» في تاريخ الشركة أو المؤسسة التي أسندت إليه إدارتها.

وأيضا وهي أخطر أمراض الجهاز الإداري في أي مكان، وهي ظاهرة «الإيهام بالسلطة»، فبعض المسؤولين الجدد وبسبب ضعف في الشخصية أو لفقر في القدرات يوهم مرؤوسيه بأنه «مسنود»، وأن لديه اتصالات على أعلى مستوى في البلد، وعلى الجميع طاعته وتنفيذ ما يأمرهم به.. وبدون اعتراضات!

وتكون النتيجة.. أن يتقوقع من حوله على أنفسهم، ويكتفون بالتواجد الصامت في مكان العمل، عملًا بالمقولة الشهيرة «من يعمل.. يخطئ»، وهم لا يرغبون في تحمل عقاب هذا الفرعون الصغير!

أما أشد الأسى في هذا الموضوع، فهي الظاهرة التي وصفها عميد الأدب العربي طه حسين بما معناه «أن بعض الناس لا يعملون، ويسيئهم أن يعمل غيرهم» وهؤلاء- للأسف- كُثر.. وموجودون في كل زمان ومكان، ومنهم من وصل إلى وظيفته بسبب القرابة أو الواسطة، أو لأي سبب آخر، من «الأمراض» الاجتماعية التي تشتهر بها المجتمعات الشرقية عمومًا، تطبيقًا لمبدأ «الأقربون أولى بالمعروف»!

وأمثال هؤلاء.. لا يكتفون فقط بوضع العراقيل أمام من يرغب في العمل ولديه قدرة على الابتكار فيه، وإنما ينتقدون ما يعمله سرًا وعلانية، بل يحاولون الوقيعة بين كل نشيط مجتهد وبين السلطة العليا في الشركة أو المؤسسة لعلها تقتنع بما يقولونه وتوقف هذا الحصان الجامح!

تلك أبرز مشاكل الإدارة في مصر.. وبالطبع لم تعد مقبولة ولا يمكن السماح باستمرارها في بلد يحاول النهوض السريع مما اعتراه بأيد خارجية وبمساعدة من بعض أبنائه الجامحين عن الحق والحقيقة.

ولقد اقترح كثيرون أن يكون الاختيار للمناصب العليا بناء على سيرة ذاتية من الخبرات المتراكمة والرؤية الواضحة والقدرة على التنفيذ السريع.

وأن يتم الاختيار بين أكثر من مرشح، وبعد مقابلات مباشرة مع لجان متخصصة تضم خبرات مشهودة لها بالحيادية والنزاهة والموضوعية.

فمصر تمتلك الكثير من الخبرات والخيرات، وبعض المجتهدين فيها وصفوا بأن التراب يتحول في أيديهم إلى ذهب، فابحثوا عنهم واستعينوا بهم.

حفظ الله مصر.. وألهم أهلها الرشد والصواب.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز