عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
جدلية الدين والسياسة في الفكر العربي والغربي (1)

جدلية الدين والسياسة في الفكر العربي والغربي (1)

بقلم : د. شريف درويش اللبان

أجريت أنا وتلميذتي د. إكرام محمود عبد الرازق مدرس الصحافة بالمعهد العالي للإعلام وفنون الاتصال دراسة مهمة مستلة من رسالتها للدكتوراه، بعنوان: "جدلية الدين والسياسة في الفكر العربي والغربي"، يطيب لي عرض أهم الأفكار والرؤى فيها في هذه السلسلة من المقالات.



فمنذ فترة طويلة احتلت الظاهرة الإسلامية اهتمامًا كبيرًا، وأخذت زخمًا واسعًا على مستوى المجتمعات المحلية؛ كونها بدأت بالتفكير في العمل السياسي، ومن ثم صياغة برامج من شأنها التعامل مع واقع المجتمعات وتغييره، حيث تنظر الجماعات الإسلامية إلى هذه المجتمعات نظره سلبية في مجملها، وعلى هذا الأساس تبلورت عديدٌ من التيارات الإسلامية، واختلف منهج تفاعلها مع أوضاع مجتمعاتها، كما تنوعت ظروف نشأتها؛ ومن ثم لم تواجه نفس المصير السياسي؛ فالبعض منها ازدهر بقدرته على التفاعل مع الواقع السياسي، بينما تعثر أكثرها لغياب الفكر عن الممارسة السياسية، واندثر كثيرٌ منها، وتقوقع البعضُ منها حول أفكاره وذاته؛ ومن ثم اخذ نهجًا انعزاليًا عن قضايا المجتمع وحتى الحضارة بأكملها كونها رافضة لكل تفاصيل هذا الواقع السياسي والاجتماعي الذي فسرته الحركات على أنه فسادٌ فكرى وتراجعٌ وتدهورٌ لمجمل أوضاع المجتمع.

ولم تكن مصر بثقلها الحضاري والتاريخي بمنأى عن اهتمام وظهور كثيرٍ من الحركات والتيارات السياسية الإسلامية التي عُرفت في أدبيات علم السياسة بـ"الإسلام السياسي"، فقد تحولت الظاهرة الدينية إلى ظاهرة سياسية، حيث اندمجت الحركات الدينية ذات الطابع الدعوي وغير الدعوي في النشاط السياسي، بل سعت للوصول إلى رأس السلطة السياسية لتغيير المجتمع والتحول به وفق البرامج التي استقتها لنفسها، وزعمت بل وأكدت أنها تستند إلى الشريعة الإسلامية.

ونجد أن الغرب استغل التحولات السريعة بالغة التعقيد التي ينمو فيها الإسلام السياسي في إطار حملات التضليل والتشويه للإسلام والمسلمين؛ فمنذ الحرب العالمية الثانية والمسلمون يتعرضون لحملة تضليل هائلة تريد أن تقضي على البقية الباقية مما يحمله المسلمون من أفكار وأحكام نابعة من إسلامهم لتبقي الغرب هو المسيطر على بلاد المسلمين، لذلك اعتمدت الجماعات التكفيرية على السيطرة على المعلومات واحتكارها وفبركتها وتصنيعها، فهناك مؤسسات تعمل على نقل ما يدور في أذهان المسلمين إلى تلك الجماعات حتى يتم تنفيذ ما يريدون بثه عبر وسائل الإعلام المختلفة في أذهان الشباب العربي باسم الدين، عبر صياغة الأخبار بطرق مختلفة باستخدام مفردات وألفاظ ذات إيحاءات دلالية تعطي انطباعات مختلفة، كاستخدام مفردات: الانقلاب على الشرعية، واستخدام مفردة الثوار في القنوات الموالية للحكومة المصرية الآن، كما جاء بصحيفة "الواشنطن بوست".

فمن المعروف أن السلطة الأمريكية حاولت منذ عقود رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط تحت مسمى "الشرق الأوسط الجديد" وربط العنف السياسي به؛ نظرًا لانتشار حركات المقاومة الإسلامية هناك، كما أنها أدخلت كلمتيْ "الجهاد" و"التطرف" المرتبطتيْن بالعنف في أذهان الغرب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهي صورة ذهنية تكونت لديهم في إطار سياق ديني له تاريخ يرتبط بعصر الحروب الصليبية؛ ما جعل الجدل حول الفهم الصحيح للإسلام أمرًا واقعًا لكونه يمثل العنف والإرهاب، وهو الأمر الذي استغلته الولايات المتحدة للترويج لهذه الصورة عن الإسلام ووضعه في إطار السياسة، وأطلقت عليه "الإسلام السياسي" دون النظر إلى الإسلام كدين وعقيدة، فقد بدأت بالغزو العسكري للعراق وتمزيق نسيجه الوطني ثم اتجهت جنوبًا بإسهام بارز من إسرائيل لتقسيم السودان إلى شمال وجنوب، ثم عادت إلى قلب النظام العربي في مصر لتتحالف مع جماعة "الإخوان" وتساعدها على الوصول إلى السلطة حتى تضمن أمن إسرائيل من ناحية، وتكون لها حائط صد ضد الجماعات الإرهابية التي تخشى هجماتها من ناحية أخرى، هكذا تتحول بعض حركات الإسلام السياسي لتصبح مجرد أداة من أدوات السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية وللاتحاد الأوروبي.

وفي إطار البحث عن أهداف الإسلام السياسي في مصر في القرن العشرين، فضلًا على وجود مفاتيح التفاعلية التي تمنح ميلادًا جديدًا للمشروع الإسلامي لجماعة "الإخوان" في مصر بعد ثورة 25 يناير في إطار تحليل الصورة الحديثة عن صعود هذا التيار الإسلامي ودراسة منظماته أيديولوجيًا وتطورها خلال الثلاثين عامًا الأخيرة، عانت صورة الإسلام من ارتباطها بالعنف ومفهوم الجهاد الإسلامي؛ ما جعل الصوت الصحيح للإسلام يأمل في تصحيح ما أحدثه الإسلام الراديكالي الذي حجب مبدأ الديمقراطية؛ مما انعكس على توليد العنف والانفجار عن صحيح الإسلام الديمقراطي ضمن الخلفية الاجتماعية والثقافية لدي المسلمين القائمة على مبادئ العدل والمساواة والشورى.

وقد خرجت جماعة "الإخوان" من السجون معزولة عن المجتمع وبها انقطاع جيلي كبير مواجهة انشقاقات جديدة، ما عزز من فقد تميزها وملامحها الأيديولوجية، فلم تعد جماعة جهادية صريحة تعلن القتال المسلح ضد الدول فتنجذب إليها العناصر التكفيرية، بل باتت تحمل إرثًا كبيرًا من كراهية الشعب المصري لها، وستبقى ذاكرة يوتيوب والمحطات الفضائية والمطبوعات محتفظة بخطابات محمد البلتاجي وعاصم عبد الماجد وغيرهم كثيرون ممن حرضوا على العنف، واستفزوا للغالبية الكاسحة من الشعب المصري.

وارتبط الفعل السياسي بحياة الناس، وارتباط الدين بسلوك حياتي يومي جعل الحديث عن الإسلام السياسي والإرهاب محط أنظار كثير من المستشرقين كبرنارد لويس وجيل كيبل وغيرهما كثيرون، الذين كشفوا أن الحركات الإسلامية ما هي إلا غطاء يُستخدم لحشد الجماهير، ووسيلة للعب على العاطفة الدينية الفطرية وكسب تأييدها متكئة على النزعة الشعاراتية المفضلة لهذه الحركات كمقولات "القرآن دستورنا" و"الإسلام هو الحل"، ورفع المصحف تحت قبة البرلمان في إيحاءٍ ديني لا تخفي دلالته على البسطاء، فالصراع الشخصي للبحث عن المكاسب الذاتية هو الدافع الطاغي في الحقل السياسي الإسلامي.

فنشأة وتطور الإسلام السياسي في مصر ارتبطا بالتدهور الاقتصادي والفقر؛ مما أدى إلى انضمام كثيرين إلى التيارات الإسلامية أملًا في إحداث التغيير لأن الدين هو العدل، بينما على الجانب الآخر استغلت القوى الإسلامية هذا التعاطف والاستقطاب في أن تمتطي الثورات العربية دون النظر إلى أنها تريد إحداث طفرة إنما لخلق مجتمع ديني فقط لا يعرف شيئًا عن صحيح الدين.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز