عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
القرآن الكريم وفن الدبلوماسية"11"

القرآن الكريم وفن الدبلوماسية"11"

بقلم : سعدون بن حسين الحمداني

بروتوكول وإتيكيت العلاقات العامة



 

يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة بروتوكول وإتيكيت العلاقات العامة، الذي يعتبر أهم أعمدة النجاح الشخصية منها أو الرسمية سواء في السلك الدبلوماسية أم الحياة العملية، على المستوى العائلي الشخصي أم على مستوى الوفود وكبار الشخصيات وفي كل المناسبات، وكيف يتبارون في رسم فقرات العلاقات العامة في الحياة اليومية والنتائج المرجوة منا، سواء مع كبار الشخصيات والوفود الرسمية أم في الأنشطة الرسمية أم غير الرسمية والفردية منها أم تجمع أشخاص في مناسبة خاصة، حيث أكدت المدارس الدبلوماسية تأثير العلاقات العامة ووسيلة الاتصال ونوعها على نفسية الأشخاص وسلوكهم، وكانت نظريات علم النفس والاجتماع وعلم الإدارة والعلوم السياسية تقوم بدورٍ مهمٍ في وضع استراتيجيات هذا النوع من الإتيكيت؛ لأنه يدخل ضمن تصرف الدبلوماسي الناجح سواء بلغة الجسد أم الكلام وهو أحد أقسام نجاح العلاقات العامة ضمن فصول ومعالم الدبلوماسية.

العالم إدوارد بيرنز (أبو العلاقات العامة) يقول إن العنصر المهم في عمليات العلاقات العامة هو القدرة على الإقناع والتأثير والتوجيه، الذي سيترتب عليه هذا الطرح الجديد المقدم، إذ إنني أعتبر أن أول قضية علاقات عامة بدأت مع أبينا آدم عليه وعلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وسائر الأنبياء أفضل الصلاة والتسليم، وكيفية إقناع عامة الناس بما يحملون من رسائل ربانية فمنهم من اقتنع ومنهم من ارتد بسبب عدم اقتناعه.

وقد تحدَّث القرآن الكريم عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ فقد قامت العلاقات العامة بدورٍ مهمٍ في نشر الرسالة السماوية ووضعت هذه الصفة في بروتوكول وإتيكيت شخصية الدبلوماسي الناجح الذي يعتبر علاقاته العامة من أهم هوياته، وحتى استراتيجيات الدول تعتمد على هذه الصفة وجاءت في كثير من الآيات القرآنية الكريمة لعامة الناس كصفة أم كاسم ليعطينا درسًا للاقتداء به وممارسته في حياتنا اليومية.

وكان رسولنا الكريم - صلّى الله عليه وسلم - يحث على هذا النسق الراقي في العلاقات العامة وتأثيرها في الحياة، قال تعالى: "قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"(آية 111 سورة البقرة) وهي مثلٌ راقٍ في فن الإقناع للطرف الآخر الذي يستند على البراهين والأدلة وليس الكلام العشوائي.

إن تقديم الأدلة إحدى الفقرات المهمة في العلاقات العامة وإقامة علاقات صادقة وحميمة، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ"(آية 59 سورة الأحزاب) وفي هذه الآية الكريمة فعل أمر للرسول في فن السلوك الاجتماعي ولعائلته، ولأن أزواج وبنات الرسول لهم علاقات عامة مع جميع الناس ؛ لذلك عليهم أن يظهروا بالمنظر الإسلامي اللائق بهم ولأنهم دائما مع عامة الناس في علاقاتهم وصداقاتهم وحتى نساء المؤمنين؛ لأنهم غالبا ما ينشرون الدعوة الإسلامية بعلاقاتهم العامة مع مختلف القبائل من العنصر النسوي.

قال تعالى: "ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن"(آية125 سورة النحل) وهو مبدأ من مبادئ النقاش في العلاقات العامة، والتي تسند على وسيلة الاتصال وعلم الكلمة والمعنى ولباقة اللسان، والجدال هنا هو النقاش بالكلام الطيب المعقول والقريب للعاطفة والقلب والذي يفتح آفاقًا واسعة للعلاقات العامة مع الناس وهو بالضبط عكس مبدأ العنف والحرب، قال تعالى: "فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أكثر مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا"(آية 34 سورة الكهف) وهذه أحد البنود والصفات التي تدمر وتبعثر العلاقات العامة بين أثنين أو بين المجتمعات، ألا وهو الغرور والتباهي، التي ينفر منها أغلب العقلاء ويبتعدون عن هذه الطبقة المغرورة التي تتباهى بما تملك من ماديات، وينظر من يتصفون بها إلى غيرهم من موقع فوقي وكأنهم مالكو الدنيا والآخرة وهذا عكس مضمون الآية الكريمة قال تعالى :"... وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ.." (آية 159 سورة آل عمران) وهي أحد أسس التعامل في العلاقات العامة وهذه للرسول الكريم، ونأخذ منها درسًا بليغًا في طبيعة التعامل مع الآخرين، على أن نكون بقلب طيب مملوء بالمحبة والتسامح والصدق والمشاعر، فيخاطب الله تعالى نبيه قائلًا: "ولو لم تكن كذلك يا محمد لتركوك وحدك وفشلت في نشر ما أُنزل إليك ولكن هذه الصفة الطيبة جعلت الناس يرغبون بالاستماع لك ويفهون ما أُنزل من الله سبحانه وتعامل، وبهذه الطريقة والصفة توسعت رقعة العلاقات العامة".

وكان رسولنا الكريم قد نشر بداية الدعوة الإسلامية بفقرات وأعمدة ونظريات العلاقات العامة، حيث كان الرعيل الأول من الذين آمنوا بالدعوة الإسلامية هم من عامة الناس وليس من أهله أو أقربائه ما عدا (زوجته وعلي ابن عمه) والبقية كان من تأثير العلاقات العامة وفن الإقناع والأدلة الربانية والتأثير اللغوي في علم الكلمة وعلم المعنى الأثر البالغ في تحقيق أهداف الدعوة فلولا العلاقات العامة لما بدأت وانتشرت الدعوة الإسلامية المباركة.

فقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يتمتَّع بفراسة عظيمة في اختيار الرجال، ومعرفة كبيرة لذوي الكفاءات من أصحابه، فكان يختار لكلِّ مهمة مَن يُناسِبها، فيختار للقيادة مَن يجمع بين سَداد الرأي وحُسْن التصرف والشجاعة، ويختار للدعوة والتعليم مَن يجمع بين غزارة العلم ودَماثة الخُلُق، والمهارة في اجتذاب الناس ويختار للوِفادة على الملوك والأمراء مَن يجمع بين حُسْن المظهر وفصاحة اللسان وسُرعة البديهة، وهذه هي سمات العلاقات العامة في كل المواضع الاجتماعية، وتأكيد التفاهم والتعاون، وانتفاع كلِّ أمة بما لدى الأمم الأخرى من مُنجَزات وثقافات.

وفي الختام فإن المحافظة على هذه الصفة من علامات النجاح والتفوق في الحياة اليومية والعملية سواء الشخصية منها أم الرسمية،الفردية منها أم الجماعية، وبالتالي علينا التمعن فيها، فبدلا من الانقياد خلف المدارس والنظريات الأجنبية في تعليم هذه الخاصية نرى أن تعاليم الدعوة الإسلامية والسيرة النبوية ثرية بهذه الصفة "العلاقات العامة" التي هي أحد مقومات النجاح والتفوق والتميز لدى الشخص والمجتمع على المستوى الفردي أو الرسمي للدولة.

 

*دبلوماسي سابق

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز