عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
التحرر الثاني لـ"العذراء"

التحرر الثاني لـ"العذراء"

بقلم : أيمن عبد المجيد

عذراء هي، إلا أن أبناءها كُثر، تحتضن الكنوز، بيد أن غالبية رعيتها فقراء.



من رحمها، يمكن أن يولد الخلاص، لما يعانيه أبناء لها من عذابات، أما آن لـ"الأمل" أن يُولد؟!

جمالها في سمرتها، أطماعهم في ثروتها، نجاتهم في خرابها، وحياتنا رهن تنميتها، ومواصلة بنائها.

هي منا، ونحن منها، الشرايين واحدة، التاريخ والمستقبل، التحديات والحلول، الانكسارات والانتصارات.

في العام 1883، هناك في برلين، عقد المستشار الألماني، أوتوفون بسمارك، مؤتمر الغرب الطامعين في ثروات العذراء، أسموه يومها: "مؤتمر التسابق إلى إفريقيا".

كانت البداية، لتحويل الجميلة، لأجزاء منهوبة، أسموه الاستعمار، للإيحاء بأنهم جاءوا للتعمير، وما كانت بخراب، فقط كانت بكرًا تحتضن مفاتنها وثرواتها، تنتظر فرسانها من شعوبها، بيد أن يد الاحتلال كانت إليها أقرب.

لم يكن مجيء الاحتلال صدفة، ولا اكتشاف ثرواتها رجمًا بالغيب، بل نتاج رحلات غربية استكشافية، بحثًا عن الثروات، يعود تاريخها إلى بدايات القرن الثامن عشر.

مئة جمعية أوروبية كشفية، تضم 50 ألف عضو، جابت بعثات منها أنحاء إفريقيا، بحثًا عن الثروات، وطرق النقل النهري، بحسب مراجع الكشوف الجغرافية لإفريقيا.

جوزيف بانكيس، من رواد الجمعية الجغرافية الملكية في بريطانيا، الذي أسهم في تقديم المعلومات عن ثروات القارة للقادة البريطانيين، ومثله كان هناك الجمعية الجغرافية في برلين، والجمعية الجغرافية في باريس، اللتان، تولى علماؤهما مهمة الدراسات الكشفية.

"التسابق إلى إفريقيا"، كان ولا يزال مدروسًا، ومنذ ذلك الحين، والثروات تُنهب، حتى جاء العام 1952، الذي ألقت فيه مصر بحجر التحرر في بحيرة الاستعمار الراكدة.

تحررت مصر من الاحتلال البريطاني، وأعلنت الجمهورية، وتم إعادة بناء الجيش، ليكون أكثر قدرة على حماية الأرض والعرض.

بدأ الدعم المصري، للأشقاء في إفريقيا، وثورات التحرر من سطوة وقهر الاحتلال، حتى جاء العام 1960 حاملًا، نسيم الاستقلال، وميلاد الجمهوريات الإفريقية المستقلة.

أنجبت ثورات التحرر زعامات، عبد الناصر في مصر، التي بادرت بالدعوة إلى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، مع نكروما زعيم غانا، وسيكوتوري زعيم غينيا، وبن بيللا زعيم الجزائر، وهيلا سلاسي زعيم إثيوبيا، ومودييا كيتا زعيم مالي.

مرت الأيام، وتطورت البلدان، وانشغل المحتل في النهوض ببلدانه، لكن لم يخب بحثه، عن آليات جديدة لما يمكن أن أسميه "النهب عن بُعد".

استراتيجية "النهب عن بُعد"، استندت في الأساس، على ما يمكن أن أسميه أيضا: "الإبقاء على التخلف"، والمقصود هنا بـ"التخلف"، هو الإبقاء على البلدان الإفريقية، متخلفة عن ركب الحضارة، فلا تمتلك من العلم والمعرفة والإرادة، ما يمكنها من استثمار ثرواتها، واستنفار قوتها، للتنمية.

"الإبقاء على التخلف"، هدفه أن تظل بلدان القارة، مخزنًا للثروة الخام، وسوقًا لتصريف الإنتاج الغربي، يحصلون على ثرواتنا مواد خام، حديد، وبترول، وذهب، ويورانيوم، وحبوب، وتُعاد إلينا المنتجات مصنعة، سيارات، وهواتف، وغيرها.

يعلم الغرب، أن ما عليهم سوى نثر بذور التخلف، وما هم بزارعيها، فالنعرات الطائفية، والأطماع القبلية، وتجار الدين الإرهابيون، سيتولون مهمة رعاية التخلف، وإشعال نيران الحروب.

عندما يدق زعماء التخلف طبول الحرب، سيبيع الغرب أثمن منتجاتهم، أدوات الحرب، أمريكا وحدها باعت في 2017، سلاحًا للعالم بـ192 مليار دولار، و200 مليون- بحسب وزارة الدفاع الأمريكية- معظمها للمتصارعين في إفريقيا وغيرها من البلدان، التي تشهد توترًا مع جيرانها مثل كوريا الجنوبية.

كلنا يذكر كيف نُهب نفط العراق، في مقابل الغذاء، ثم كيف يُنهب لتسديد فواتير السلاح، والحروب السابقة، كل من يعلم أن استيراد النظام القطري لسلاح بمتوسط، 16 مليارًا سنويًا، منذ 2010، يتعجب لمن هذا السلاح؟! ربما تكمن الإجابة في سؤال آخر من أين يأتي الإرهابيون في سوريا وليبيا بهذا السلاح، الذي لم ينفد، رغم انقضاء 6 سنوات من المعارك اليومية؟!

ربما السؤال الكاشف الثاني: لمن بيع البترول خلال فترة سيطرة الدواعش على آبار الموصل، ولمن بيع بترول ليبيا زمن سيطرة الإرهابيين؟ هل البترول سلعة تُباع في المتاجر للناس، أم هي دول تمتلك ناقلات وممرات وحراس حدود؟!

إذًا، هو الاحتلال الجديد، الذي يقتات على التخلف، وأمراء الدمار والخراب، الذي ينهب "عن بُعد"، ويحتل بـ"الوكالة"، ويوظف العملاء، الذين يلتحفون بالقبلية تارة، وبالطائفية والمذهبية، تارات أخرى، يقدمون باسم الدين أوطانهم وثرواتها للمحتلين الجدد، أليس "داعش" خدعت جهلة بأوهام "الخلافة"؟!

كانت مصر الحضارة، منذ سبعة آلاف عام، عندما كان العالم يلتحف بالجهل، يُخيم عليه الظلام، كانت مصر سيف الله المسلول، في مواجهة التتار والمغول، وحملات الغزاة، كانت هي القائدة والداعمة للعرب والأفارقة، للتحرر في العصر الحديث من نيران الاستعمار.

واليوم، وللعام الثالث على التوالي، تجتمع 21 دولة إفريقية، في شرم الشيخ مدينة السلام، لبحث سبل التعاون والبناء، والتنمية في مواجهة الإرهاب والفقر والتخلف، للحاق بركب الحضارة، عبر استغلال أمثل للثروات والكنوز الإفريقية، ليعود خيرها على أبنائها.

مؤتمر إفريقيا 2018، ينعقد في مصر، قبل أيام من تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي، ينعقد ومصر تقدم الدليل على القدرة، على النهوض والتنمية من خلال مشروعات عملاقة، بنية أساسية، ومناطق لوجستية على محوري قناة السويس، ونهضة عمرانية، وجرأة في إجراء الجراحات الاقتصادية الناجحة.

مؤتمر الكوميسا، دعم مصري لإفريقيا، للتحرر الثاني من الاحتلال الجديد، بالتنمية واستثمار وطني للثروات، يُخنق الفقر والتخلف، ينتشر العلم والتنمية، يقتلع الإرهاب والتطرف والطائفية من جذورها.

قبل أيام قدمت مصر، نماذج لباكورة إنتاجها لبعض أسلحتها، اللازمة لحماية أمنها، تقدم الدليل على أن بلدان القارة قادرة، وحدها دولة لا تستطيع، لكن قارة قوية.

قارة قوية متعاونة، متحررة، تعني نظرة مختلفة من الدول العظمى، تعني أن يأتي من يأتي منهم للاستثمار، لا للنهب، تعني المنفعة المتبادلة بين الشرق والغرب، بين إفريقيا وقارات العالم، تعني العمل المشترك من أجل حياة كريمة للعرب والأفارقة.

قارة قوية، تعني استثمارًا أمثل للقارة العذراء، التي لم تخرج أثمن ثرواتها بعد، تعني أن يستفيد أبناؤها من خيراتها، لا أن تظل ثرية، فقراء أبناؤها.

بالتعاون، يتحقق النماء، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر ودول الكوميسا، 2.1 مليار دولار، 1.6 مليار دولار صادرات مصرية.

مصر تبذل الجهود، مع الأشقاء الأفارقة، للنهوض، لاستباق أزمة اقتصادية عالمية، بوادرها ظهرت في أوروبا، في فرنسا، ومن خلفها ستأتي دول أخرى بالاتحاد الأوروبي، تحديات التغيرات المناخية، وسياسات التقشف، وارتفاع أسعار الوقود، وانسحاب دول مثل بريطانيا من الاتحاد.

مصر قادرة بقوتها، وإمكانياتها، وإصلاحاتها، أن تكون بوابة للاستثمار والشراكة مع إفريقيا، مؤهلة لأن تقود ثورة التنمية في إفريقيا، مصر تقود تدعم التحرر الثاني للقارة العذراء، لتنجب التنمية والأمل، ففيهما الخلاص من عذابات الأفارقة.

وعلى أوروبا، أن تعي دروس التاريخ، التعاون للتنمية هو السبيل، الاحتلال بالوكلاء، للنهب عن بُعد لم يعد مجديًا، في عالم يُصدر الأزمات، فخراب بلدان عربية، وإفريقية، صدر إليكم أزمة اللجوء، وصناعة الإرهاب طالتكم نيرانها، وتجربة "الربيع العربي"، التي خُلقت في معامل استخباراتكم، واختبرت لدينا، يُعاد تطبيقها لديكم، وما "باريس" إلا بداية.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز