عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
جدلية الدين والسياسة في الفكر العربي والغربي (3)

جدلية الدين والسياسة في الفكر العربي والغربي (3)

بقلم : د. شريف درويش اللبان

تشكل الولايات المتحدة مجتمعًا من المهاجرين متعددي الأعراق والثقافات، وكان الأمريكيون الذين أعلنوا استقلال الولايات المتحدة عن الاستعمار البريطاني في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي مجموعة متجانسة من المستوطنين البروتستانت الذين توافدوا إلى العالم الجديد من أوروبا وبريطانيا. وتقوم الهوية الأمريكية على الدين المسيحي واللون الأبيض والثقافة الإنجليزية البروتستانتية، واستفادت الهوية الأمريكية تاريخيًا من حروبها ضد الهنود الحمر والمستعمرين الفرنسيين ثم البريطانيين مرورًا بالحرب الباردة وصراع الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث لعب هذا العداء دورًا في وحدة الأمريكيين وصحوتهم دينيًا، وما يمكن أن يلعبه الدين على الساحة الدولية كعدو قادم، حيث إن مفاهيم الهيمنة اختلطت بتحولات النظام الدولي لخدمة صانع القرار الغربي، خصوصًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فالتأثير الديني في السياسة أسهم في تشويه الممارسة السياسية الغربية تجاه مصر.



فالمركب الثقافي والتاريخي والسياسي بين الدين والسياسة عمل على تفسير سياسة الغرب تجاه العالم الإسلامي أمنيًا واستراتيجيًا، حيث مَثل بروز الإسلام كقوة شعبية قادرة على تعبئة وتحريض الجماهير الأوسع في البلدان العربية والإسلامية خطرًا على المصالح الغربية والأنظمة التي ترعاها؛ لهذا كان لا بد من وضع الظاهرة الإسلامية تحت المجهر إعلاميًا.

ومن هنا صار الخبر الأكثر إثارة هو الذي تصنعه التنظيمات الإسلامية، خاصةً الإرهابي منها، بما يجذب الإعلامي والمتابع معًا، ويصاحبه اهتمامٌ إعلامي وثقافي واسع شكل فوبيا الإسلام السياسي وحركات ما بعد الإخوان والخروج بالتحليل السياسي والفكري حول الكثير من حركات الإسلام السياسي الحديثة.

فإذا كان العالم الغربي يتعامل مع هذه الحالة الإسلامية بالنظر إليها على أنها الخطر الذي يعوق تفوقه الحضاري والعسكري؛ لهذا يخضعها للدراسة والبحث والمتابعة الاستخباراتية، فإن واقعنا العربي والإسلامي يتعامل مع هذه الحالة من صميم تكوينه الفكري؛ ما يجعل لها أثرًا كبيرًا وخطيرًا في تحديد مستقبله في العالم.

وقد شغل بالَ عديدٍ من المفكرين الأمريكيين في فترة ما بعد الحرب الباردة سؤالٌ مهم حول: مَن هو العدو القادم؟، حيث برزت نظرياتٌ وأفكارٌ طرحت الإسلام كأحد التحديات القائمة في ضوء الصراع الحضاري القائم بين الغرب والشرق، وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتحسم الجدل وتملأ الفراغ الاستراتيجي ليتجسد في الإرهاب المرتدي ثوب الإسلام.

ويرى "صموئيل هنتينجتون" المفكر والأكاديمي الأمريكي الراحل في تعريفه للعدو الإسلامي أن الإسلاميين دخلوا في العقود الأخيرة حروبًا طالت البروتستانت والكاثوليك ومسلمين آخرين وهندوسًا ويهودًا وبوذيين وصينيين، وأن المسلمين حاربوا في كوسوفا والبوسنة والشيشان وكشمير وفلسطين والفلبين، وأن مشاعر المسلمين السلبية تجاه الولايات المتحدة زادت في التسعينيات، وأن الشعوب الإسلامية لم تتعاطف مع الأمريكيين بعد الحادي عشر من سبتمبر، وأن عداوة الشعوب الإسلامية للولايات المتحدة عميقة وليست بسبب إسرائيل، فهي مدفونة في الحقد على الثروة الأمريكية، والسيطرة الأمريكية، والعداء للثقافة الأمريكية في شقيها العلماني والديني، وينهي "هنتينجتون" فكرته بتوقع دخول الولايات المتحدة حروبًا مع دولٍ وجماعاتٍ مسلمة في السنوات القادمة؛ ما يرشح الإسلام بشكلٍ واضح للعب دور العدو الرئيس والكبير الذي يتوحد الأمريكيون ضده.

وتؤكد كتابات المفكرين الغربيين حضور البعد الثقافي الذي يؤمن بالصراع الثقافي بين الغرب الذي يعمل من منطلق التعددية العلمانية، وبين الإسلام الذي يؤمن بالتوحيدية الأحادية المنغلقة؛ فقد ركزت خطابات النُخبة على أن الفكر العربي المعاصر محكومٌ بالنموذج السلفي الذي يحتفظ بالتعارض بين الشرق والغرب في إطار التعارض بين الإسلام والمسيحية، وتُرجع السلفية ذلك إلى أن عدم إخلاصنا لله هو السبب الرئيس في ضعفنا، كما أنها ترى أن الفصل بين عقيدة الإيمان الجوهرية ومرحلة الكفاح ضد الاستعمار ينعكس على غزو الخطابات المنادية بالكفاح ضد الاستعمار بتعابير العدالة ضد عدوانية الغرب المسيحي وإمبرياليته.

وفي الوقت ذاته ينظر الخطاب التقدمي إلى خطابات الإسلام السياسي بأنها تتسم بالانحطاط والشكلانية والجمود والرجعية والوعي الزائف، وأنه ليس لديها برنامج عمل محدد أو هدف يلتقي على أساسه المسلمون فهي خطاباتٌ غير مؤثرة ولا فاعلة، وتضحي بالواقع لصالح النص، حيث تهدف إلى العنف وإلغاء الطرف الآخر وتدميره.. خطاباتٌ لا تؤسس نفسها على الحوار، إنما ترتكز على إطار الغرابة السياسية تحت سقف التاريخ لنبذ الآخر، من هنا فإن هذه الخطابات ما هي إلا حركاتٌ هستيرية يجب قمعها بالتعاون مع السلطة، فهي تقف كعائق أمام النظرة الشمولية لواقع العالم العربي والفهم الموضوعي لظاهرة الحركات الإسلامية المعاصرة.

وبذلك يمكن القول إن الخطابات التي تشكلت في فترة عام حكم جماعة "الإخوان" لمصر اتسمت بالرجعية والجمود والانحطاط والشكلانية وعدم التوازن، حيث بدت الجماعة مختلفة في رؤيتها تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من حيث نظرتها العقائدية التي تقوم على التبشير بنهاية الغرب، وهي رؤية تضع الجماعة في خانة التطرف والاحتقان السياسي لبعض الدول العربية باعتبارها حاضنة للإرهاب وثقافته.

فالدولة الدينية طائفية بالتعريف الغربي هي انعكاس لمفهوم الفوضى واضطراب المعايير التي تحكم سلوك الدول والجماعات التي تنشط أيديولوجيًا بأفكار ذات طبيعة متطرفة من منظور فلسفات ثورية ورؤى صراعية تتسم بدرجة عالية من الفوضى واضطراب المعايير التي تحكم سلوكها فيما يتعلق بالعنف، ما انعكس على إخفاق الإخوان سياسيًا واعتبارهم من الحركات الإرهابية في العالم.

ولعل خطاب الرئيس المعزول محمد مرسى ضد إسرائيل قبيل الانتخابات الرئاسية يُعد تجسيدًا لهذا المعنى، حيث أعربت واشنطن عن قلقها بشأن هذه التصريحات التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي الذي تقف الولايات المتحدة ضامنةً له، وبعد الانتخابات الرئاسية أعلن مرسي احترام معاهدة السلام مع إسرائيل، وهو عكس ما كانت تصرح به الجماعة على أن هذا يعد تخوينًا في نظام الرئيس الأسبق مبارك، ويعد هذا التحول في خطاب الجماعة انقلابًا في العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا ما جعلها تخون مسؤولياتها أمام الأمة والتاريخ التي ادعت أنها جاءت من أجلها، فقد غلبت على الجماعة المصلحة التنظيمية على المصلحة الإسلامية العليا، بحيث صار الحفاظ على التنظيم الكبير هدفًا في حد ذاته، فهذه الجماعة كان يمكنها تغيير حركة التاريخ، لكن حالة النفور والشقاق هي ما جعلت الرفض لها هو المسيطر على الشارع المصري الذي أدرك حقيقتها المتمثلة في التسلط والاستعلاء بعد وصولها إلى سدة الحكم دون النظر لمصالح الشعب، ودون أن تحرص على التوافق مع قواه الحية، التي اتخذتها الجماعة مجرد مطية للوصول إلى أهدافها الخاصة.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز