عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
كلمة السر

كلمة السر

بقلم : أيمن عبد المجيد

قالت كريستالينا جورجيفيا، الرئيس التنفيذي للبنك الدولي، "إن البنك يرغب في التعاون مع مصر بشأن التمويل التنموي، لإنجاح خططتها للتنمية، في إفريقيا، تحت مظلة الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي".



وأرجعت تلك الرغبة، إلى "تجربة مصر الناجحة مع البنك الدولي، الناتجة عن إرادة ناجزة ورؤية سياسية شاملة، وهو الأمر الذي يوفر عناصر النجاح ذاتها لخطط البنك المستقبلية في إفريقيا".

تلك العبارات، التي استخدمتها كريستالينا، خلال لقائها الرئيس عبد الفتاح السيسي، مساء اليوم الثلاثاء، بالعاصمة النمساوية فيينا، "إرادة ناجزة، ورؤية سياسية شاملة"، تمثل كلمة السر في القفزة المصرية الكبيرة في سياستها الخارجية.

المصداقية، هي كلمة السر في النجاحات المصرية، التي كسرت حاجز الشك، في حقيقة الطريق الذي تسير إليه القاهرة، وما يمكن أن تؤول إليه أوضاعها، ومصيرها.

هو عبور جديد، ليست مبالغة، عُد معي لصفحات التاريخ، مصر في عام 1967، تحشد جيشها في سيناء، في مقامرة، بلا هدف استراتيجي، لا يعلم هل الهدف الدفاع أم الهجوم، نكسة وانسحاب، لتبدأ القيادة الجديدة، في عهد السادات، بوضع هدف واضح، يتحقق بمهمة استراتيجية واضحة المعالم، حرب محدودة تحقق انتصارًا، يرغم العدو على تحقيق أهداف مصر، باستعادة كامل التراب الوطني.

لكن أنى للقيادة ذلك، والروح المعنوية محطمة، والقدرة العسكرية مدمرة، السبيل، عمليات محدودة ناجحة، تستهدف استعادة الجنود ثقتهم بالنفس، ورفع الروح المعنوية للشعب والجيش، وإثبات للأصدقاء قبل الأعداء أن مصر، ما زال قلبها نابضًا بالحياة، قادرة على الثأر وتحقيق النصر، فكان العبور في 73 وما تلاه من استكمال التحرير.

في 2013، مصر تخضع لحصار، حملات تشويه لحقيقة ما حدث، محاولات خنق اقتصادي، استهداف بمخالب الإرهاب، الهدف الاستراتيجي للأعداء، التشكيك في قدرة مصر على استعادة أمنها وعافيتها، فيتراجع الاستثمار، ويحجم السياح، وتتقوقع مصر منشغلة في أزماتها الداخلية، فتتمدد مشاريع توسعية، مهددة للأمن القومي العربي والإفريقي.

لكن هيهات، فالعقل المصري، المتحمل للمسؤولية، هو نتاج مدرسة الوطنية، شخص التهديدات والعدائيات، بالتنبؤ والاستطلاع الواعي الذكي، حدد الهدف الاستراتيجي، واستعادة المكانة، والثقة المولدة لشراكات دولية تنهض بالدولة المصرية، فكانت المهمة الاستراتيجية واضحة المعالم.

وكما بدأ انتصار أكتوبر بعمليات محدودة، لرفع الروح المعنوية، بدأ الرئيس السيسي بإنجازات محددة لإثبات القدرة المصرية، لترتفع الروح المعنوية، ونكتسب الثقة الدولية، فكانت قناة السويس الجديدة أول المشروعات القومية، التي موّلت ونفذت بأيادٍ مصرية، وفي مدى زمني قياسي.

كما كانت نجاحات المقاومة في حرب الاستنزاف محفزة للروح المعنوية، كانت المشروعات القومية المصرية، وكما صاحب معارك الاستنزاف، بناء وتطوير للقدرات، فإن حرب مصر ضد الإرهاب، الذي توحش مع سقوط نظام الإخوان، صاحبها تطوير للقدرات الدولة الشاملة، سياسية، واقتصادية وعسكرية، ودبلوماسية، فكان العبور الجديد.

العبور الجديد، اعتمد على تنفيذ إنجازات محدودة، لتحقيق أهداف غير محدودة، تصب في مجملها في بناء مصر القوية العصرية، التي توفر الخير لشعبها، ومحيطها الإقليمي، عبر شراكات دولية يتوافر لها من المقومات ما يحقق لها الاستدامة والصمود أمام المتغيرات الدولية.

العالم لا يثق في الضعفاء، ولا يؤمن بشركاء لا يمتلكون أوراق قوة يقدمون بها مقابل ما يحصلون عليه، دون أوراق قوة تكون تابعًا مسيرًا، لا شريكًا فاعلًا، مصر الضاربة بجذورها في عمق التاريخ تعلم ذلك، ولا ترضى لنيل أهدافها بغير الشراكة بديلًا.

إذًا المهمة الاستراتيجية واضحة المعالم، تبدأ بامتلاك أوراق قوة، وتحقيق إنجازات على الأرض، تثبت للعالم القدرة والمصداقية، وتخلق بيئة صالحة للشراكة الرابحة للجانبين، فالمكاسب المشتركة، تخلق مصالح دافعة للأطراف في الحفاظ على استدامتها.

الاستطلاع الذكي، وفّر معلومات، تفيد بالقضايا ذات الاهتمام المشترك، قضية الإرهاب والهجرة غير الشرعية، تهددان الاتحاد الأوروبي قبل العالم، ومصر في القلب منه، تضع مصر الاستراتيجية الشاملة للمعالجة، فمصر طبيب خلوق، يشخص المرض، ويراعي الأبعاد الإنسانية قبل المكاسب الاقتصادية.

يمتلك رؤية شاملة، القضاء على الهجرة غير الشرعية عبر مصر بشكل كامل، عبر تنمية بركة غليون، لتوفير فرص عمل، ضبط الأمن على الحدود، السماح للضيوف بالعمل والعيش الكريم بين المواطنين، السعي لتجفيف منابع الهجرة بالعمل على تخفيف حدة النزاعات، بالدول الطاردة لشعوبها، ودعم استعادة المؤسسات الأمنية الوطنية لقوتها لحماية حدودها.

النتيجة نجاح مصري كبير، 5 ملايين ضيف في مصر، لا مخيمات، ولا عبور لمركب هجرة غير شرعية واحد، منذ سبتمبر 2016، نجاح كبير في عملية محدودة، ومحددة، آثارها عالميًا غير محدودة، الأثر يتحقق والعالم ينتبه، الأرقام لا تكذب، الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، تكشف، تراجع نسبة الهجرة عبر حدود الاتحاد الأوروبي في 2017، بنسبة 60% مقارنة بالعام 2016.

الاتحاد الأوروبي 21 دولة، بينها شراكة اقتصادية وسياسية، تلك الدولة الآن تُدرك في ملف واحد، أن مصر صادقة، قادرة، فعبر عملية محدودة واحدة، حمت آلاف الأرواح من الغرق في أعماق البحر المتوسط، وحمت حدود أوروبا من صداع، أحدث شروخًا سياسية في أنظمة دول، بين مدافعين عن حق اللجوء لأسباب إنسانية، ومحذرين من مخاطره الأمنية والسياسية، سقوط المستشارة الألمانية ميركل صاحبة الإنجازات الكبيرة، لموقفها الإنساني المرحب بالمهاجرين أبلغ دليل.

بيد أن تلك النجاحات في مكافحة الإرهاب، ووقف العبور عبر مصر لأوروبا بطرق غير شرعية، ليس الحل الجذري للظاهرتين، اللتين تؤرقان العالم، بل الاستراتيجية المصرية الشاملة، تقوم على محاور عدة، عمادها التنمية في الدول المستقرة، لخلق فرص عمل للشباب، توفر حياة كريمة آمنة، تحول دول سعيهم الدائم للمخاطرة، أملًا في حياة على الشاطئ الآخر، والمحور الثاني: دعم الحلول السياسية، لاستعادة قوة الدولة الوطنية بالدول التي شهدت صراعات، إنهاء النزاعات يوقف قوافل اللجوء الهاربة من الدمار والموت.

أوروبا مستفيد، من تحقيق الأمن والتنمية في البلدان العربية والإفريقية، وعليها أن تتحمل مسؤوليتها في ذلك، رسالة لا يجد الرئيسعبد الفتاح السيسي، غضاضة في تذكيرهم بها في كل ملتقى دولي، رئيس مصر يتحدث بلغة عاقلة، منطقية، منطلقة من استراتيجية شاملة، ينطق بلسان عربي وإفريقي مبين.

الاستطلاع الذكي، يُدرك أن السؤال المنطقي لرأس المال الأوروبي، بعد أن أدرك مصالحه من الشراكة سيكون: نحن مستعدون لكن أين هي البيئة الاستثمارية الإفريقية الآمنة والجاذبة؟! فكان المهام الوطنية المحدودة والعاجلة، التي انطلقت منذ 2014، هي تهيئة بيئة الاستثمار المحلي، سواء بخلق محوري قناة السويس، أو البنية الأساسية من رفع كفاءة مصادر الطاقة، واستحداث الجديد منها، أو الطرق والمواصلات، وأهمها رفع كفاءة قناة السويس، لتكون معبر المنتجات المصرية العالمية لإفريقيا.

ومن بين تلك الإصلاحات، الجراحات الاقتصادية، التي سببت آلامًا غير أنها انتهت بالشفاء، تلك هي الإرادة الناجزة والرؤية السياسية الشاملة، التي تحدثت عنها رئيسة البنك الدولي اليوم، والنجاحات التي وجدت فيها نموذجًا مصريًا قابلًا للتكرار في إفريقيا، والمصداقية التي ولدّت الثقة الألمانية والنمساوية والعالمية في مصر، فباتت الحفاوة البالغة، والاستعداد لبناء شراكات استراتيجية مع مصر، ثمة غالبة في الزيارات الدولية للرئيس السيسي.

فالزيارة الأخيرة، لفيينا، أثمرت، حتى الآن 10 مذكرات تقاهم، هي الأولى منذ 10 سنوات، وإعادة لإحياء اللجنة المصرية- النمساوية المشتركة، لتعقد دورتها المقبلة في 2019، لصياغة مشاريع تعاون جديدة في مجالات عدة، بينها تنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتبادل الآراء في القضايا الدولية، وهي اللجنة التي يعود آخر اجتماع لها إلى العام 2010.

من بين تلك المذكرات، تفاهم بشأن إنشاء جامعة متخصصة في مجالات السياحة والفندقة، بالعاصمة الإدارية، خلال عام، برأس مال مليار جنيه، تشمل دراسة تطبيقية، تنقل الخبرة النمساوية لأجيال مصرية، فالنمسا تستقبل سنويًا، سياحًا، بما يعادل أربعة أضعاف سكانها، 35 مليون سائح، مقابل 8.7 مليون مواطن هم إجمالي عدد سكانها.

وشملت المشروعات المرتقبة، شركات في مجالات تطوير البنية التحتية للسكك الحديد، بما يخدم رؤية مصر في تطوير خدمات النقل، ومشروعات ربط مصر بالسودان، وغيرها من بلدان إفريقيا بالسكك الحديد، بما يعزز ربط المشروعات الصناعية بأسواق الإنتاج، ومناطق الشحن اللوجستية، تنمية مصرية- إفريقية بشراكة أوروبية، وغيرها من مذكرات التعاون في مجالات توريد آلات المصانع الحديثة، والتعاون العلمي في مجال الابتعاث، وتبادل الخبرات، في مجال البحث العلمي.

مصر تُدرك برؤيتها الشاملة، أن نهوضها يكمن في توازي تنميتها، مع التنمية في محيطها الإفريقي، والمكاسب المشتركة لشركائها، لذا فهي تمتلك رؤية وخطة طموح، لتحقيق إنجازات تنموية إفريقية، تتسق مع خطة تنمية إفريقيا 2060، تسعى لوضع قواعدها خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، ولعل تصريحات الرئيسة التنفيذية للبنك الدولي، وتصريحات زعماء الاتحاد الأوروبي، يبعث على التفاؤل بأن مصداقية مصر، وقدرتها على الإنجاز تحمل الخير لمستقبل أفضل، للوطن والأفارقة.

فقد أعلن الرئيس السيسي إطلاق "مبادرة إفريقيا لإبداع الألعاب والتطبيقات الرقمية"، بهدف تدريب 10 آلاف شاب مصري وإفريقي كمطوري ألعاب وتطبيقات إلكترونية، خلال السنوات الثلاث المقبلة، فضلًا على استضافة أسوان لمنتدى الشباب الإفريقي العام المقبل.

التنمية في دول القارة العذراء، لا تقف على الربط البري والمشروعات التنموية، بل يتسع لما أعلنه الرئيس اليوم، من العمل على تأسيس 100 شركة تستهدف ربط إفريقيا بأوروبا عبر شبكة كوابل ضوئية، تعبر من مصر، تُسهل نقل البيانات، والقفز لعصر العالم الرقمي.

الصدق والإنجاز المنطلق من رؤية شاملة كلمة السر.. والله الموفق والمستعان.
 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز