عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عندما نأكل المياه ونشرب الخضروات

عندما نأكل المياه ونشرب الخضروات

بقلم : أيمن عبد المجيد

عنوان هذا المقال، ليس خطأ مطبعيًا، نعم نأكل المياه ونشرب الخُضر، قد تتعجب لأنك لا تعلم، أن استهلاكك الماء غير مقصور على ما تشربه، أو تستخدمه قادم إليك رأسًا، من الصنبور.



القضية أعقد من ذلك، ألم تقرأ قول الله تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي"، صدق الله العظيم، أنت ذاتك، نسبة الماء تشكل 70% من مكونات جسدك.

كل ما تستهلكه في طعامك، هو في الحقيقة مياه، فقط عليك أن تعلم على سبيل المثال أن كيلو طماطم واحد، يستهلك لإنتاجه متوسط 500 لتر ماء، من بداية زراعة المشتل، وحتى حصاده، بينما كيلو الأرز يستهلك حتى الطهي 5 آلاف لتر ماء، خلال دورة زراعته وإنتاجه، بينما تكشف دراسة للدكتور يورج رخنبيرج، مستشار جهاز البيئة الاتحادي، التابع للحكومة الألمانية، أن كيلو اللحم البتلو يستهلك لإنتاجه 10 آلاف لتر ماء، تشمل ما يستهلكه الحيوان ونباتات إنتاج الأعلاف.

إذن أنت تأكل 500 لتر مياه، عندما تستهلك كيلو طماطم، وتأكل 5 آلاف لتر ماء عند استهلاك كيلو أرز، في شكل محشي يُسهم في حمايتك من برد الشتاء! لكن احذر النشويات عامل رئيسي في زيادة الوزن.

مصر دولة حباها الله بنهر النيل، على ضفتيه نشأت الحضارة المصرية القديمة، وبدأت الزراعة، حتى باتت سلة غذاء العالم، وفي قصة سيدنا يوسف دليل على ذلك، "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"، صدق الله العظيم.

حصة مصر من مياه النيل، وفق اتفاقية 1959، المنظمة لحصص دول حوض النيل، بلغت 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، بينما استهلاك مصر الآن 76 مليار متر مكعب سنويًا، والاستهلاك في زيادة مستمرة، بسبب الزيادة السكانية، وما تتطلبه من أكل مياه في صورة منتجات، بخلاف ما نحتاجه للشرب والاستخدام اليومي.

في عام 1959، الذي أبرمت فيه اتفاقية تقسيم حصص المياه، كان عدد سكان مصر 20 مليونًا فقط، فكانت حصة الفرد، تصل إلى قرابة 2000 متر مكعب، فإلى جانب حصة مصر من حوض النيل، هناك قرابة 10 مليارات متر مكعب مياه جوفية.

اليوم ومع ثبات مواردنا المائية، وتضاعف عدد سكان مصر ليقترب في الداخل من 100 مليون، انخفض متوسط نصيب الفرد من المياه، إلى قرابة 600 متر مكعب سنويًا، كاسرًا حد الفقر المائي، الذي يقدر بمتوسط 1000 لتر سنويًا.

في عام 2019، كتبت مقالًا في "جريدة روزاليوسف"، تناولت فيه هذه القضية، اقترحت استيراد المياه، وأوضحت أنه من الأفضل، أن تستثمر مصر، في السودان ودول إفريقية في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية، لتحصل على المياه في شكل قيمة مضافة، حيث إنتاج طن لحوم هناك، يوفر علينا 5 ملايين لتر مياه، هذا بخلاف ضرورة ترشيد استهلاك المياه في مصر، بالتحول من الري بالغمر إلى الري بالتنقيط.

كانت اجتهادات، لعلاجات غير تقليدية، ناجمة من قراءة علمية للأزمة، بينما ما تشهده مصر اليوم، هو استراتيجية علمية دقيقة، ثورة حقيقية، في مجال الزراعة، تعالج الثغرات، وتحقق أهدافنا الوطنية.

التفكير العلمي، هو العلاج الناجع لما نعانيه من أمراض، اقتصادية، واجتماعية، التشخيص العلمي لارتفاع أسعار الغذاء، يجب أن ينطلق من قاعدة أساسية تحكم الأسعار، وهي العرض والطلب، فكلما توافرت السلع بالأسواق بكميات تفي بالطلب انخفضت الأسعار.

يأتي السؤال الثاني: كيف نحقق زيادة في إنتاج الخضر، على سبيل المثال، لتلاحق الطلب المتزايد الناتج عن زيادة سكانية؟ الإجابة بالتوسع في الرقعة الزراعية.

يأتي التحدي الثاني: من أين نأتي بالمياه المطلوبة للزراعة التوسعية، في ظل ثبات حصة المياه، فضلًا على كلفة الاستصلاح؟ الإجابة عبر استخدام تكنولوجيا الزراعة الحديثة، التي تضاعف إنتاجية الفدان بأقل كلفة من المياه.

بهذه العقلية العلمية، تحركت دولة 30 يونيو بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد لجأت الدولة إلى التوسع في مشروعات تحلية مياه البحر للزراعة، وإعادة تدوير مياه الصرف، من جانب، والتوسع في التكنولوجيا الزراعية، عبر زراعات الرش والتنقيط للزراعات الحقلية المفتوحة، وتكنولوجيا الصوب للزراعات البستانية.

ومع كل مشروع قومي، يفتتحه الرئيس، تكتشف أن العمل يجري بأسلوب علمي محكم، مدروس، مستعين بأحدث الخبراتوالتكنولوجيا العالمية، وسرعان ما يتم توطين تلك التكنولوجيا، ليخلق فرص عمل لآلاف العمالة المصرية.

لم يكن افتتاح الرئيس لمشروع الصوب الزراعية اليوم، 7100 صوبة على مساحة 34 ألف فدان، مجرد مشروع قومي، بل ثورة تكنولوجية زراعية، أطلقت شرارتها الشركة الوطنية للزراعات المحمية، بالتعاون مع خبرات صينية وإسبانية.

فالرئيس اليوم، دعا الحكومة، لمساعدة الفلاحين في الريف على التوسع في زراعة الصوب، ومنحهم قروضًا وتدريبهم، لتمكينهم من تحقيق قيمة مضافة في إنتاجية ما يملكون من مساحات زراعية، ضعف ربحيتها، دفع البعض منهم للاعتداء عليها بالبناء، قال الرئيس: "اخلقوا للناس فرصًا بديلة للربح لمكافحة التعدي على الأرض الزراعية، الحلول الأمنية لا تصلح وحدها".

إدراكًا لطبيعة المشكلات، حلولًا بإنجازات، فالصوبة على سبيل المثال، تزيد إنتاجية الفدان بمقدار ثلاثة أضعاف، وتخفض نسب استهلاك المياه، بنسبة 60%، فكمية المياه المستهلكة لإنتاج كيلو طماطم بالغمر في أرض مكشوفة، ستتراجع إلى 15% فقط، فالأرض ذاتها تستهلك 40% فقط مياه، وتنتج ثلاثة أضعاف، فكلفة إنتاج كيلو الطماطم ستنخفض من 500 لتر إلى 150 لترًا.

حلول علمية، تزيد من الإنتاجية، وتقلل نسب استهلاك المياه، وفي الوقت ذاته تزيد العرض بالأسواق، فتنخفض الأسعار، ويحصل المواطن على غذاء نظيف خالٍ من المبيدات والأسمدة، فالصوب محمية من الآفات الزراعية.

قال تعالى: "الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ"، صدق الله العظيم.

فالأمن الغذائي أساس الأمن القومي، يد تزرع لتطعم من جوع، ويد تؤّمن وتحارب الإرهاب، ليأمن أبناء هذا الوطن بعد خوف.

مستقبل مصر، مرهون بالتفكير العلمي، والعلاجات الجذرية للتحديات، وهو ما يتحقق الآن، حفظ الله مصر، فهي جنة الله في الأرض، وبها خزائن العالم، بالعلم والعمل نستثمرها.

 

[email protected]

 

 


 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز